تندرج خياطة وحياكة ما يصطلح عليه بپ"القفطان المغربي" او "الفستان" ضمن الأنشطة الحرفية العريقة في المدن المغربية خصوصاً العتيقة منها، اذ شكلت عبر مراحل متميزة من تاريخ المغرب مدارس ساهمت في الحفاظ على مكونات الزي التقليدي الذي يبقى حضوره متميزاً في الاحتفالات العامة والخاصة، كما هو الشأن مع الزواج والخطبة وغيرهما. ولعل هذا المعطى ما جعل الذاكرة الشعبية المغربية على اختلاف مستوياتها الثقافية والفكرية تقف حياله موقف احتضان وتبن مطلقين، على رغم ما عرفه هذا الاخير من تحول مس عددا من جوانبه بدءاً من مواده الأولية وكمية الخيوط ونوعيتها التي تعتمد في خياطته وحياكته، نتيجة اصرار العاملين في هذا الميدان على عصرنته، دون المساس بما هو أصيل فيه. وعلى رغم اقرار بعض رواد هذه الحرف بأصالة "القفطان المغربي" يسود جدل غير متكافئ حول مدى مشروعية هذا الافتراض، حيث تشير الفرضيات المتداولة بين الصناع الى كونه دخيلاً على المجتمع المغربي كما هو الشأن مع بعض الازياء المغربية التقليدية كالطربوش الذي يرجح انه تركي الأصل وان السيادة كانت "للعمامة المغربية". ولعل هذا النوع من الجدل تولد لدى عدد من الحرفيين من خلال جوانب يشترك فيها الفستان المغربي مع نظيره المشرقي والتركي كما الحال مع الكمية التي تتطلبها صناعة القماش والخيوط المستعملة في حياكته وتطريزه. وهذا الافتراض يبقى مرفوضاً من الصناع المخضرمين ويعللونه بكونه ناتجاً عن انفتاحهم على الصناعات التقليدية في المجتمعات الاجنبية، بل يعمدون الى دحض مختلف هذه الافتراضات انطلاقاً مما يحتفظ به الأدب الشعبي المغربي من مأثورات كان موضوعها الفستان المغربي، ولعل هذا ما يلمس في أدب الملحون والشعر الزجلي المغربيين اللذين تغنيا به القفطان منذ قرون خلت، في حين يعود تاريخ صناعة هذا الزي التقليدي في عدد من المدن المغربية الساحلية منها الداخلية كما هو الشأن مع مدن فاس وسلا ومراكش وغيرهم من المدن لعهود ضاربة في عمق التاريخ المغربي. من الملامح العامة لمختلف الازياء المغربية التقليدية انها لم تقف حيال ما هو حديث وعصري موقف تردد، وإنما استطاعت ان توظفه وتدمجه في مكوناتها الأساسية سواء تعلق الأمر بالحياكة او الخياطة، ولعل هذا المنحى المتميز في النشاط التقليدي المغربي يستشف في ما اصبحت عليه عمليات صناعة الفساتين في المغرب، اذ لم تعد سجينة الدكاكين الصغيرة والمتوسطة المتموقعة بين الاحياء العتيقة وإنما سما بها الحرفيون المعاصرون الى مصاف المقاولات الصناعية الصغرى، حيث ظهرت ورشات حرفية منظمة وظفت لصناعة مواده الأولية التي تعتمد على مادة القطن والخيوط الحرير الخالصة والمذهبة، في حين يستقطع جانب من مساحتها للخياطة ما مكّنها من ان تتحول الى مؤسسات انتاجية تعمل على تخليد ولادتها الأولى عبر عدد من المعارض الجماعية يكون الفستان المغربي وخصوصيته التقليدية موضوعاً لها، وهي معارض لم تعد تقتصر على المدن المغربية الكبرى فحسب، وإنما سجلت حضوراً في العواصم الاجنبية حيث الجاليات المغربية والمغاربية، ولعل هذا المنعطف في صناعة الفستان المغربي أهله لكي ينفرد بأسواق جديدة. ومن ثم كان لهذه المحطة المتميزة في تاريخ هذا الزي التقليدي ظهور عينات من الفساتين تحمل اسماء وألقاباً متنوعة، وإن كانت تتوحد من حيث الجوهر، فبدل الفستان الفاسي والمراكشي إشارة الى فئة من الصناع نشطوا في هاتين المدينتين، ظهرت عينات جديدة من القفطان المغربي ترتبط خصوصياتها الصناعية بأحداث اجتماعية ذات طابع احتفالي، يذكر منها فستان القران وهو زي لا يظهر في مناسبتي الخطبة والزواج وينفرد بتصاميم متميزة يأخذ فيها بعين الاعتبار الحيز الذي تشغله عملية التطريز والخياطة، اضافة الى الألوان المتعارف عليها في هذا النوع من الاحتفالات المغربية، اما "فستان عيد الميلاد" فهو زي تقليدي يخالف النوع الأول على مستوى كمية الخيوط الموظفة في حياكته وشد اطرافه، في حين ينفرد ما يسمى ب فستان الراغبين في الحج بمواصفات حيث تغيب منه الألوان الزاهية ويحتفظ باللون الأبيض. واللافت في هذا السياق ان صناعة وخياطة الفستان المغربي لم تعد حكراً على العنصر الرجالي من الحرفيين وإنما لقي اهتماماً من العنصر النسوي حيث تعاقب على احتراف هذه المهنة سيدات وشابات في مقتبل العمر بعدما عمدنا الى تنمية رصيدهن المعرفي والتطبيقي داخل معاهد الخياطة والتطريز ما اهّلهن للاسهام في انعاش صناعة هذا الزي الأصيل.