في وقت كانت المرأة العربية تجاهد للحصول على ابسط حقوقها، نشرت الصحف المصرية في صفحاتها الاولى نبأ اختيار الدكتورة حكمت أبو زيد كأول سيدة عربية تتولى منصباً وزارياً. وأمام المفاجأة التي اثارها الخبر آنذاك خريف 1962، تباينت الآراء بين معترض على الفكرة ومتحمس لها، إلا أن الجميع تساءل بعجب: كيف اختارها الرئيس جمال عبدالناصر بما عرف عنه من تحفظ؟ ووراء اختيار الدكتورة حكمت أبو زيد لمنصب وزيرة الشؤون الاجتماعية قصة تستحق ان تروى. فرغم تفكير الزعيم المصري غير مرة مقبلاً في تعيين سيدة في منصب وزاري، إلا أنه كان يتراجع تحت وطأة تداخل ظروف داخلية وخارجية عدة. وحين قرر إجراء تعديل وزاري وتولية علي صبري رئاسة الحكومة، طلب من معاونيه إعداد قائمة تفصيلية تضم عشر سيدات تصلحن لتولي حقيبة وزارية، مع سيرة ذاتية وصور شخصية لكل منهن. وبعد ان اطلع عبدالناصر، بما عرف عنه من دقة بالغة، على ملفات المرشحات، وكان من بينها ملف الدكتورة ابو زيد، مال لاختيار هذه الاخيرة لكونها واحدة من انشط وابرز السيدات العشر، ولأنها، حسبما قال لمعاونيه "أقل المرشحات جمالاً"، ما يرفع عنه وعنها حرج الاشاعات والشبهة بأنه اختارها لأسباب غير موضوعية. وينسب إليه قوله: "أردتُ أن أعفى الوزيرة الجديدة من نار الشائعات والاتهامات فيما لو كانت جميلة، وهذه ستؤدي لفشل التجربة حتى قبل أن تبدأ". ورغم كل المحاذير التي راعاها عبدالناصر في اختياره، إلا أن ذلك لم ينقذ حكمت ابو زيد من نظرات الفضول سواء من زملائها الوزراء او مرؤوسيها في وزارة الشؤون الاجتماعية، بل إن تجربة اختيارها لتولي هذا المنصب القيادي ألهمت السينمائيين قصة فيلم صار إحدى العلامات الفنية البارزة هو "مراتي مدير عام" الذي قامت ببطولته شادية الى جانب صلاح ذو الفقار. وتروي الدكتورة أبو زيد مشاكلها مع نظرة مرؤوسيها لها وتأثير ذلك على تعاونهم معها فتقول: "قوبلت في البداية برفض صامت من كل الرجال الذين يعملون في الوزارة، حتى أن بعضهم كان يتهكم عليَّ في جلساته الخاصة. كما شعرت بالرفض والسخرية من زملائي الوزراء، وأذكر ان أحدهم علق على تأخرى عن أحد الاجتماعات الوزارية بقوله: لازم تأخرت في عمل الطبيخ أو زوجها حلف عليها ما تخرجش من البيت". وتضيف: "كنت أعرف كل ما يدور حولي وأحس بالغضب. لكن زوجي كان يهدئ من غضبى ويذكرني بأنني أعمل للتاريخ. وسارت الأمور هكذا لفترة حتى بدأ الرجال يتقبلون الأمر، خصوصا بعد أن لمسوا مرونتي في التعامل معهم إلى درجة أنني كنت اشعرهم بأنني أخت لهم ولست وزيرتهم، كما أنني كنت أرفض أن أن أضع أي مكياج خلال فترة وجودي في مكتبي. والطريف أنني، بعد أن نجحت في كسب ثقة الرجال، واجهت ثورة نسائية من العاملات في الوزارة وبعض سيدات المجتمع، لأن كلاً منهن رأت أنها أحق بتولي الوزارة منى، خصوصاً بعد نجاحي في أداء مهماتي وإشادة الوزراء بي، فأغراهن ذلك بالتطلع إلى المنصب ولم يبحثن عن سر نجاحي، وهو أنني لم اترك شيئاً للمصادفة في عملي الوزاري، كما كنت أجتمع مع كبار موظفي الوزارة ونخطط للفترات التالية ونتشاور في المصاعب التي يمكن ان تحدث وكيفية التغلب عليها لكي لا نفاجأ بأي خلل عند التنفيذ. وكل هذا طبعاً كلفني كثيراً من الجهد والوقت، إذ أنك لابد من أن تنتحر إذا كنت تريد النجاح". وتشير الى الجهد الذي بذلته في إعداد نفسها لتسيير شؤون وزارتها، فتقول: "مكثت في البداية شهرين كاملين لا أبرح مكاتب الوزارة وهيئاتها من الثامنة والنصف صباحا حتى الرابعة أو الخامسة مساء. ساعدني زوجي كثيرا في التكيف مع عملي الجديد. وأذكر ان موظفي الوزارة ومندوبي الصحف اطلقوا عليَّ اسم الوزيرة الشبح، لأنني لم أكن اظهر خارج الوزارة نهائياً خلال هذين الشهرين، لكنني نجحت في هضم مهامي وبدأت في ممارستها بكل ما لديَّ من حماسة وكفاءة، وأعتقد أنني وفقت. والحقيقة أن مجموعتنا الوزارية كلها وزارة علي صبري الاولى كانت موفقة الى درجة كبيرة، وهذا ما عبر عنه تقرير البنك الدولي الذي اشار الى ان مصر حققت معدل تنمية وصل الى 4.6 في المئة، وهو حسبما أذكر، أعلى معدل تنمية تحقق في تاريخ مصر الحديثة". وعن أهم إنجازاتها في الوزارة تقول حكمت أبو زيد: "اعتز بأنني نفذت مشروعي الاسر المنتجة ورائدات النهضة الريفية، اللذين كانا في تلك الفترة من تاريخ مصر بمثابة ثورة اجتماعية على الفقر والبطالة والجهل، ووفرا لكل ربة منزل تريد العمل مشروعا تشارك من خلاله بجهدها وهي في منزلها. كما ان مشروع رائدات النهضة الريفية ساعد على محو أمية عدد كبير من النساء في قرى مصر، سواء الامية التعليمية أو الصحية وحتى الوطنية. كما أقمنا مشاريع الرعاية الاجتماعية لسكان منطقة مديرية التحرير الصحراوية، وكانت مجتمعاً جديداً في هذا الوقت، وكذلك اعادة توطين أهالي منطقة النوبة". وبعد مرور 37 عاماً على توليها الوزارة، ترصد الفارق بين عملها آنذاك واليوم، فتقول: "اطلق عليَّ عبدالناصر لقب القلب الرحيم لثورة يوليو بسبب جهودي في تلك المشاريع. كنا نهتم بإحداث تنمية اجتماعية شاملة للمجتمع المصري، بينما اصبحت الوزارة الآن تهتم بالتأمينات والمعاشات فقط، رغم ان هذه ليست سوى جزء صغير من مهماتها التي تم توزيع بقيتها على مؤسسات اخرى مثل بنك ناصر الذي يختص بالقروض للمشاريع الصغيرة، وقطاع السكان في وزارة الصحة الذي يعنى بصحة الأم وشؤون الاسرة. وفي رأيي أن الاسرة كيان واحد لا يتجزأ وينبغي تكليف جهة واحدة بالعناية بهذا الكيان". أما عن رأيها في خليفاتها الثلاث فتقول: "رغم عدم معرفتي الوزيرات الثلاث معرفة شخصية، الا انني اذكر الدكتورة آمال عثمان عندما كانت باحثة شابة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وأرسلتها في منحة دراسية الى ايطاليا للحصول على الدكتوراة بقرار شخصي مني لما توسمته فيها من تفوق. اما الدكتورة عائشة راتب، فلم التق بها ابداً، مع الأسف، رغم أنني سمعت انها تذكرني بالخير دائما. وكذلك لم التق أبداً الدكتورة ميرفت التلاوي الوزيرة الحالية ولا اعرف عنها سوى انها سفيرة سابقة". وبرؤية الخبيرة بالعمل العام، تحدد الدكتورة أبو زيد ما يعوق المرأة العربية عن تطوير دورها فتقول: "أهم مشكلات المرأة هي إقتناعها الراسخ بأنها تابعة للرجل، وحتى لو نجحت في عملها وتفوقت فيه فهي تعتبر أن هذا دور تكميلي لدور الرجل. وإنطلاقاً من هذا المفهوم فإنها لا تحصل الا على ما يعطيه لها. يحدث ذلك رغم ان المرأة باتت حالياً تطرق مجالات ووظائف لم يكن ارتيادها حتى مطروحا للمناقشة في السابق، مثل القضاء والافتاء والديبلوماسية وغيرها. فهذه النماذج حالات فردية تمثل إستئناءات تؤكد القاعدة التي ذكرتها ولا تنفيها". وعن اعتبار البعض عمل المرأة "مسؤولاً عن انهيار القيم في المجتمع وتفشي السلوك المنحرف بين الشباب نتيجة انشغال الامهات بأعمالهن عن تربية الأولاد"، تقول الدكتورة أبو زيد أن "تربية الأبناء مسؤولية الاب والأم معاً، وما طرأ على المجتمع من انحرافات له أسباب عدة، وانشغال الامهات في أعمالهن احدها". وتهاجم الدكتورة ابو زيد بعنف الأصوات النسائية التي تتمنى عودة المرأة الى بيتها فتقول: "إنها إفراز من إفرازات النشاط الديني المتطرف الذي ساد الساحة السياسية لفترة غير قصيرة. فالمسألة، في نظري، ليست في عوائد عمل المرأة ومدى استفادة الاسرة منها مقارنة بالأضرار التي يتسبب فيها، وإنما العبرة بإرساء نمط متطور تتحرك النساء العربيات من خلاله، وعندما يترسخ هذا النمط، سيستفيد منه المجتمع حتماً بإضافة طاقات إبداعية وإنتاجية جديدة". وعن حياتها اليوم، تقول: "منذ ان عدت إلى مصر العام 1992 بقرار من القضاء كان الرئيس انور السادات أصدر قراراً بمنعها وزوجها من دخول مصر، وأنا أعد لمشروع للتنمية الاجتماعية في مسقط رأسي، بلدة القوصية. لكنني لم أنته منه حتى الآن بسبب عقبات إدارية. وبخلاف ذلك، اكتب مقالات في إحدى الصحف المصرية المستقلة، فضلا عن كونى العضو العربي الوحيد في المجلس التنفيذي للاتحاد العالمي للعاملين في المهن العلمية".