الرباط - "الحياة" - قليلاً ما تلتقي السياسة بالابداع في العمل السياسي المغربي، واذا استثنينا الزعيم الوطني علال الفاسي الذي كان شاعراً، وعبدالله ابراهيم الذي مارس النقد الفني، ومحمد الحسن الوزاني الذي كان يملك ثقافة فنية واسعة، لانعثر على سياسيين مغاربة حاليين يجمعون بين هموم الشأن العام وهواجس الابداع الفني، يرجع الامر، لربما، الى كونهم جاؤوا من المحاماة والتكوين القانوني في غالبيتهم. استثناء مثير وسط جوقة السياسيين المغاربة يتحرك على اكثر من جبهة، وهو المحجوبي احرضان، فهو يكتب الرواية والشعر بالفرنسية ويرسم. إنه من السياسيين الذي واكبوا تطورات المجتمع المغربي منذ الخمسينات الى الان. اسس حزب الحركة الشعبية في 1958. تقلد مسؤوليات وزارية عدة، شكل صوتا مميزا في الحياة السياسية المغربية، فكان دائما يطالب بالاهتمام بالارياف، وبالثقافة الامازيغية، ولانه لا يتورع في الجهر بالكلام المثير واجه صعوبات جمة، اذ "ولّد" حزبه اربعة احزاب كلها تحمل تسمية الحركة الشعبية. ولكن احرضان كلما توقع المراقبون نهايته ينبعث من جديد، اما بواسطة مشروع حزبي او من خلال الكتابة والشعر والرسم. وفي معرضه الاخير، بالرباط، الذي يستمر الى 18 نيسان ابريل، يشعر المرء بقوة تجذبه نحو لوحاته واشكاله والوانه وخطوطه. رجل حر، عاشق للطبيعة يجعل من صورة النسر نموذج القوة، ومن العين انفتاحا نحو اختراق عوالم الروح . يتداخل الحلم والواقع في اعمال احرضان بشكل مثير، ويترك العنان للمخيّلة، أحيانا، لدرجة يتقدم فيها امام المشهد البصري وكأنه سوريالي ينبعث من عمق لاضفاف له. عالم من الاشارات، والحيوانات والنباتات والاحجار ... والأعين. تجد العين في كل لوحاته في هذا المعرض. عالم غرائبي، حلمي، يعبر عنه شخص يحمل معه إدراكا حادا باسرار الاشياء والاشكال. لوحاته تنبض بالحياة، وكأن صاحبها يحركه عناد وجودي لاثبات الذات، ولصوغ كون لا يهتم به الاخرون. لهذا تتفاوت الوانه واشكاله بين العنف والرقة، الضخب والهدوء لترجمة توازن نشط بين الفنان واشياء الطبيعة، بين النفس الانسانية والعالم. لا شك في ان احرضان السياسي يهرب من ضجيج السياسة ويلتجئ الى العالم الحر للابداع. فالسياسي فيه لا يمنعه من الغوص في الشعر ولا من الترحل في عالم الاشكال والألوان والاسرار.