قد لا يكون الرقم 13 شؤماً بالنسبة الى حزب الاستقلال المغربي الذي يعقد مؤتمره الپ13 في الرباط بدءاً من اليوم. فإعلان زعيم الحزب محمد بوستة الاستقالة من القيادة يرمي الى الافساح في المجال أمام النخب السياسية الجديدة لتحمل المسؤولية، وان كان الحديث عن هذه الاستقالة جرى في وقت سابق. بيد ان بادرة بوستة، الذي عُرف بقيادة الحزب منذ ان غيب الموت زعيمه التاريخي الراحل علال الفاسي بداية السبعينات بكثير من الحذر والاتزان، تُشكل سابقة في الممارسات الحزبية في البلاد، أقله أن تغيير القيادة كان يحدث بفعل طبيعة الحياة، أي الموت، أو بفعل انتفاضات أو انشقاقات. ومن الأمثلة عن هذا السلوك، الراحل علي يعتة زعيم التقدم والاشتراكية. اذ كان يتحدث كثيراً عن الاستقالة والتفرغ للكتابة ورصد الذكريات. لكن الموت غيبه العام الماضي وكان لا يزال أميناً عاماً للحزب. كذلك فإن المحجوبي أحرضان الذي قاد الحركة الشعبية سنوات طويلة لم يتنح عن منصبه إلا بعد ان أطاحته قيادة جماعية في عام 1984. لكنه سرعان ما عاود الظهور الى الواجهة السياسية من خلال تشكيل حزب سياسي جديد. وفي تجربة الحزب الاشتراكي الديموقراطي حديث النشأة أن اعضاء انشقوا عن منظمة العمل الديموقراطي التي يتزعمها بن سعيد آيت بدر وأسسوا حزباً جديداً، فيما احتفظ بن سعيد بقيادة المنظمة، كذلك فإن معارضين سابقين لأحمد عصمان، رئيس التجمع الوطني للاحرار، اختفلوا معه وشكلوا الحزب الوطني الديموقراطي الذي لم يفلح بعد في انتخاب رئيس جديد على رغم ان زعيمه ارسلان الجديدي لا يزال طريح الفراش بفعل المرض منذ ما يزيد على عامين. وفي الامكان رصد مزيد من الأمثلة عن حالات تشبث القياديين الحزبيين المغاربة بمناصبهم، حتى عندما تحاصرهم الانتقادات وتعصف الخلافات بأحزابهم. وكان الدكتور عبدالكريم الخطيب الذي تحول حزبه الى مظلة لتيارات اسلامية معتدلة، اختلف بدوره والمحجوبي احرضان في شأن مسار حزب الحركة الشسعبية، فنزع الى تشكيل حزب جديد اطلق عليه اسم الحركة الشعبية الدستورية، في حين ان محمود عرشان الذي خرج من خيمة احدى الحركات الشعبية اختلف بدوره مع محند العنصر ومع احرضان، وأسس العام الماضي حزب الحركة الاجتماعية الديموقراطية، ما يعني ان انشاء أحزاب جديدة خضع بالدرجة الأولى لتأثير الخلافات الداخلية وامتدادها لتتحول احياناً الى تباين أعمق. ولعل أبرز خلاف بين الاحزاب السياسية كان ذلك الذي ظهر في عام 1959 عندما انشق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال. والمفارقة ان خصوم الأمس اهتدوا الى اقامة تحالف سياسي بعد سنوات طويلة من الصراع، لكن الأهم ان القيادات الاعضاء في حزب الاستقلال وقتذاك هم الذين صاروا زعماء لاحزاب متفرعة، ولمركزيات نقابية ايضاً، لأن العمل النقابي يكاد يكون ملازماً للعمل السياسي في البلاد. اذاً فظاهرة الزعامات الدائمة انسحبت كذلك على النقابات. فالمحجوب بن الصديق لا يزال يرأس الاتحاد المغربي للعمل، وعبدالرزاق افيلال يدير الاتحاد العام للعمال، وتوبير الاموي يتزعم الكونفيديرالية الديموقراطية للعمل، وحتى عندما طرح هذا الأخير استقالته العام الماضي في مؤتمر النقابة حاصرته طلبات التنازل عن الاستقالة والاستمرار في تحمل المسؤولية. وثمة نموذج آخر للاستقالة، أصحه الاعتزال أو التعاطي سلباً مع التطورات. ويمثله عبدالله ابراهيم زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي نأى بحزبه، منذ ان انشق عنه الاتحاد الاشتراكي، بعيداً عن المشاركة في الحياة السياسية، والتزم مواقف أكثر تشدداً لجهة عدم مسايرة التوجهات الراهنة. وحتى عندما تشكلت كتلة المعار ضة من خمسة أحزاب رئيسية ضمنها الاتحاد الوطني، بدا ان هذا الأخير يفضل سياسة الرفض بدل المشاركة، لذلك انسحب عبدالله ابراهيم من قيادة الكتلة الديموقراطية عند أول منعطف، وكان رئيس الوزراء المعين عبدالرحمن اليوسفي اختار ان يزوره في بيته في الدار البيضاء بمجرد تعيينه، لكن الدافع كان حميمياً صرفاً وليس سياسياً، وان كان اسم عبدالله ابراهيم ارتبط بأول رئيس للوزراء من أحزاب المعارضة عرفته البلاد في السنوات الأولى للاستقلال. واللافت ان رئيس الوزراء المعين عبدالرحمن اليوسفي سبق ان قدم استقالته من زعامة الحزب في أواخر 1993، لكنه عاود النظر فيها بعد ان قضى شهوراً عدة خارج البلاد. وتزامنت عودته الى قيادة الحزب مع صدور عفو شامل عن المعتقلين السياسيين والمنفيين بقرار من العاهل المغربي الملك الحسن الثاني اتجه نحو تكريس مزيد من الانفتاح والاصلاحات التي قادت نحو تولي الزعيم المعارض مسؤولية رئاسة الوزراء.