نجح محمد هنيدي ، وبخفة دم وظل ان يقتنص لنفسه مساحة في سماء الكوميديا المصرية، وأسس لنفسه وللآخرين من ابناء جيله، مكاناً تحت شمس المسرح المصري، واستولى بجدارة على جمهوره الذي يسجل كل يوم لافتة "كامل العدد" لمجرد وجود اسم هنيدي. قال هنيدي إنه يعبر عن جيل كامل من "الكوميديانات" الجدد، ليس وحده إنما وراءه وأمامه جيل كامل بدأ عملية "إنزال" على سطح الكوميديا العربية والمصرية. نبوءة هنيدي تعبر عن نفسها بين اسماء تعصف بك من الضحك وتطرحك أرضاً، طابور طويل يضمّ أشرف عبدالباقي وأحمد آدم وصلاح عبدالله، وباص الكوميدية المتحرك علاء ولي الدين - توأم هنيدي - الذي لم تلده أمه، واللذان يشكلان معاً لوريل وهاردي الشرق الأوسط الجديد. ميزة هذا الجيل اللغة الشبابية التي يتحدث بها والنكتة التي تلتقطها من قاموس "الروشنة" الذي يملأ حارات مصر المحروسة في نهاية القرن العشرين. والغريب أنه يأتي هكذا دفعة واحدة بعد 20 سنة من الجفاف الكوميدي ظل خلالها الممثل الكبير عادل إمام يحمل على عاتقه مهمة الاضحاك بعد تردي حال زميله سعيد صالح. بعيداً عن التنظير ومحمد هنيدي الذي يملأ أغلفة وصفحات الصحافة فإن بقية فرقة الكوميديا الجديدة تتحدث ل"الحياة" عن آمال جيل يشق الأرض بأعمار شبابية ولغة أقرب للغة الشارع المصري البسيط الذي يستبدل "تحية الصباح": بآخر نكتة. أشرف عبدالباقي خريج كلية تجارة، 35 عاماً يقول: "لدينا في مصر تراث طويل من الضحك والإضحاك، وبالتالي لا أتعجب من ظهور هذا الكم من "الكوميديانات" الجدد دفعة واحدة، لأن الضيق الذي يواجهه المواطن العادي يجعله يتعلق بالكوميديا، فالمصري اذا لم يجد ما يضحكه لدى الآخرين يضحك على نفسه". ويضيف: "صحيح ان التجربة مختلفة والمطلوب منا أصعب من الجيل السابق ولكننا قادرون على ملء الفراغ الذي استمر 20 عاماً منذ مرحلة تأسيس "الزعيم" - عادل إمام الذي استطاع بشجاعة نادرة تحمل ربع قرن من الكوميديا". يقول عبدالباقي: "عمري مع الكوميديا عشر سنوات، وحالياً استطيع ان اقول ان الفرصة متاحة لهذا الجيل ان يحرز نجاحاً هائلاً. في الفترة الماضية كان يصعب على أي ممثل كوميدي أن يأخذ فرصته بسبب أساسي وهو قوة جيل عادل إمام. اضف الى ذلك ان سوق الفيديو التي كانت تعتمد على الخليج بشكل اساسي كانت لا تعترف إلا باسم عادل إمام فقط". ويقول عن الشبه بين جيله وجيل عادل إمام "هو الإحساس بنبض الشارع فكلا الجيلين يعرف ماذا يريد الشارع المصري والعربي، وما يردده الشارع من مصطلحات وإشارات، هذه هي معادلة نجاح عادل إمام في التعبير عن المواطن المصري والعربي البسيط، والتجاوب مع آماله ومشاركته في أحزانه ولو بالإضحاك والسخرية". عُمر علاء ولي الدين 35 سنة كاملة، ووزنه 125 كيلوغراماً، ربما كان أثقل وزن لممثل كوميدي مصري. وهو يشارك هنيدي حالياً نجاح مسرحيته "ألابندا". واذا بحثت عن هنيدي فعليك ان تبحث عن علاء ولي الدين لأنك حتماً ستجد هنيدي مختفياً وراءه، بسبب المواصفات الجسدية لكل منهما. إذا سألته لماذا يقبل الجمهور عليكم؟ يقول: الجمهور مل من الكبار، وزهق من الكلام السخيف والمطول عن عدم وجود "كوميديانات" شباب أو مغنين شباب أو حتى كتّاب شباب. هذا كلام مغرض هدفه تثبيت الأحداث وتجميدها لمصلحة جيل ضد مصلحة أجيال حين حصلت وأشرف عبدالباقي على فرصة في "الارهاب والكباب" تركنا بصمة واضحة وكان الفضل في ذلك للنجم عادل إمام الذي يعرف ان الزمن له أحكامه. ويستطرد قائلاً: "يقيناً ينقصنا الكوميديانة السيدة الوجه النسائي واتصور أنها ستولد مع جيلنا عندما نأخذ فرصتنا كاملة، ورغم ذلك فإن لدي تصوراً ان الكوميديا رجل وليست سيدة حتى من أيام نجيب الريحاني". ويقول عن جيله: "بزوغ جيلنا كان ضرورة ملحة وحاجة طبيعية للإضحاك، الاستاذ عادل إمام لم يقدم فيلماً للاضحاك منذ 15 عاماً، صحيح انه قدم أفلاماً عظيمة ذات رسائل اجتماعية وسياسية، وهذا دور مهم ولكن الساحة خلت من الضحك للضحك. لذا نجح هنيدي لأنه ببساطة ذكّر الناس ببدايات عادل إمام في "رجب فوق صفيح ساخن"، وصعود هذا الجيل ليس على حساب أحد، بل استكمال وملء للفراغات التي تركها الجيل السابق". أحمد آدم من الجيل نفسه، غامر به المنتج أحمد الابياري وقدمه بطلاً مع صلاح عبدالله لمسرحية "سرقوا عبدو". يقول آدم: "الهجوم علينا عنيف جداً، البعض يتصور أننا نقدم الضحك الجنسي أو المسرح السياسي، نحن فقط نقدم الضحك دون ابتذال وإسفاف أو خدش للحياء، نقدم عروضاً من دون نجوم كبار وننجح، والمنتجون عرفوا أخيراً اتجاه الريح والسوق، جيلنا تسلم الراية وعلى الجيل السابق ان يعترف ولا يكابر لأن هذه سنّة الحياة". ويضيف: "نا من مدرسة عبدالمنعم مدبولي المدبوليزم وشاركته في مسرحية "بحبك يا مجرم"، وأخرج لي مسرحية "نشنت يا ناصح"، وكان سعيداً بي وبإبداعي في العرض وانعكس هذا بدوره على الجمهور الذي أقبل على مسرحياتي. النجاح في تلك الحالة لا يفسر، وهو مثل الحوادث صعب تبريره". ويقول مدافعاً: لسنا جيلاً صغير السن، فأصغر واحد بيننا هنيدي عمره 32 عاماً ويمثل منذ 12 سنة، وانا وصلاح عبدالله نمثل منذ 12 سنة عندما قدمنا محمد صبحي ولينين الرملي في مسرحهما. صلاح عبدالله توأم احمد آدم وصديق طفولته وشبابه وشريكه، قال: "أنا وآدم مثل روماريو وبيبيتو، ثنائي آدم الوحيد بين ابناء جيلي القادر على فهمي والتقاط ما في داخلي بسرعة، عملنا معاً، وبدايتنا كانت معاً في فرقة محمد صبحي، احلامنا وطموحاتنا ومشاكلنا واحدة". يقول عبدالله: "لم يعد هناك ما يسمى بالنجم الأوحد، كما أن الإسم الأول لم يعد يلغي الاسماء بعده، صحيح هناك نجوم كبار مثل صبحي وعادل إمام وسمير غانم يستطيعون ان يلعبوا وحدهم، لكن التركيبات الجماعية اثبتت نجاحاً منقطع النظير. هناك اتجاه جماهيري نحو مشاهدة جيلي كله أو جزء منه في عمل واحد". ويواصل عبدالله تفاؤله بأبناء جيله قائلاً: "جيلي سيسيطر على الساحة، وحالياً يشهد الانتاج المصري تغييراً في عوامل السوق الخارجية وهذا ايضاً في صالحنا، واسم هنيدي مطلوب، وكذلك اسماء آدم وصلاح واشرف. هذا الجيل مظلوم، الفرصة تأخرت عليه جداً، فقد ظهرنا والسينما تمر بأزمة طاحنة، والمسرح كاد أن يغلق أبوابه. نجحنا لأن الجمهور قرر أن يحتفي بنا".