كثيرة هي الشخصيات النسائية التي جسدها ممثلون رجال في الأفلام، على مراحل متباعدة. ظلّت الشخصية النسائية التي يقدّمها رجل متنكر رابحة على المستوى الدرامي، وفق وجهات نظر الممثلين أنفسهم. إلا أن التكرار أفقد المفارقة قوتها وجمالها ونجاحها أيضاً، لا سيما بعدما استعادها محمد سعد ومحمد هنيدي سينمائياً، وأحمد رزق مسرحياً. ليس صحيحاً أن دوراً نسائياً من دون دراسة كفيل بتحقيق نجاح مدوٍّ، كما أمسك به محمد هنيدي في فيلمه «يا أنا يا خالتي»، لأن هنيدي تحديداً قدّم أدواراً كهذه في مسرحيات «حزمني يا» و»ألابندا» و»صاحب صاحبه» حيث أدى دور المرأة الخليجية، إضافة إلى «جاءنا البيان التالي» في دور الفتاة المنحرفة. ومثل هذا الدور المكرّر لهنيدي لن يضيف إليه جديداً، ولن يجعله يحقق النجاح الذي كان يريده في الفيلم الذي مثّل له فرصة أخيرة للحفاظ على نجوميته ككوميدي كبير، فللسنة الخامسة على التوالي جاء هنيدي في الترتيب الثالث أو الرابع في الإيرادات. وإذا كان محمد سعد قدَّم تلك الشخصية النسائية في فيلمه «عوكل»، في دور الجدة «أطاطا»، فقد كان الغرض منه أن يستولي على المساحة الدرامية للفيلم في شكل كامل، من دون أن يترك المساحة المناسبة لكل من عبلة كامل والراحلة سعاد نصر. ويبدو سعد معرضاً لخطر التكرار نفسه الذي يتعرض له هنيدي. لكن اللافت أن اختيارات سعد لأفلامه تأتي أقوى وأهمّ من اختيارات هنيدي المتخبط في سلسلة من الاختيارات الضعيفة. وعند الحديث عن سينما نجوم الكوميديا الذين ارتدوا ملابس نسائية، فجدير بالذكر أن الراحل علاء ولي الدين قدَّم تلك الشخصية باقتدار في فيلم «الناظر»، بينما قدمها هاني رمزي مرتين: الأولى مع ماجد المصري في «فرقة بنات وبس»، ثم في «أبو العربي» مع منة شلبي. قد تشكّل تلك «الوصفة السحرية» نوعاً من الإفلاس الفني لدى المؤلف والمخرج والممثل الذي يتصدى لهذه الأدوار، فالمفارقة التي تتحقق من خلال «الرجل - المرأة» باتت ساذجة ومكشوفة ومعروفة للجمهور من قبل أن يشاهد الفيلم، في حين أن لبّ تلك الأدوار هو عنصر المفاجأة، ويجب أن تستوجبها ضرورة درامية. وهذه الظاهرة اللافتة اليوم هي طبعاً نتيجة تراكم أفلام عدة، نذكر منها أولاً أفلام النجم الكوميدي عادل إمام (ستينات القرن الماضي وسبعيناته) الذي قدَّم «احترس من الخط» و»الكل عايز يحب» و»شيء من الحب» و»أذكياء لكن أغبياء». إلا أن الفنان سمير غانم، ورفيق دربه جورج سيدهم، في فرقة «ثلاثي أضواء المسرح» قدما أدواراً نسائية كثيرة. ولسمير غانم فيلم «حسن بيه الغلبان»، بينما لعبد المنعم إبراهيم فيلم «سكر هانم»، وقلد الصوت النسائي لهند رستم في فيلم «إشاعة حب» (بطولة عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف بك وهبي)، وكذلك الراحل يونس شلبي في «ريا وسكينة» و»رجل في سجن النساء». إلا أن شريف منير قدَّم مثل هذا الدور في فيلم «هيستريا»، وذاع صيت النجم الراحل إسماعيل ياسين في الشخصية النسائية في فيلمه الشهير «الآنسة حنفي» (بداية الخمسينات من القرن الماضي). ومن نجوم الزمن القديم كان علي الكسار أيضاً في ثوب امرأة في فيلم «الساعة السابعة»، وقدَّمها الفنان الكبير رشدي أباظة في فيلم «إيدك عن مراتي»، بينما قدمها نور الشريف في فيلم «المطارد»، وقدمها أيضاً أحمد رمزي في «ثرثرة فوق النيل»، إضافة إلى حسين فهمي في «البرنس»، بينما ارتدى أحمد راتب ملابس نسائية في فيلم «القومندان»، وأيضاً كل من محمود حميدة وسامي العدل في فيلم «حرب الفراولة»... ولم تكن تلك الشخصية النسائية بعيدة من النجوم الجدد، مثل أشرف عبدالباقي وأحمد حلمي وأحمد آدم، ما بين السينما والمسرح. فهل كانت الشخصية النسائية هي وحدها التي «تشيل» الفيلم بمعنى أنها السبب في جماهيريته ونجاحه؟ ربما ساهمت، لا سيما في التجارب الأولى، أيام إسماعيل ياسين ومن بعده عادل إمام وسواه، لكن مربط الفرس يبقى في الاستخدام الدرامي، وتركيب الشخصية، وتحدّي «الهوية النسائية» واللعب على القفز بينها وبين تلك الذكرية، ربما في محاولة للقول إن الممثل ممثل حتى لو في غير جنسه، بل لربما يظهّر رؤية المجتمع إلى نسائه في مرحلة من تاريخه الاجتماعي والثقافي... وإن لم يوفق في ذلك على الدوام خصوصاً في التجارب الأخيرة التي لم تأت بجديد تضيفه إلى رصيد الأسلاف الكوميديين، بل ربما كان الأخيرون أكثر تمايزاً وعمقاً وجرأة.