تحظى مصلحة تسجيل السيارات منذ أشهر قليلة بنجومية إعلامية مستحقة منذ زمن بعيد. فأمراض المصلحة المسمّاة، بجدارة، "النافِعَة"، شهيرة في لبنان. كيف تزعج نفسك في إخضاع سيارتك للتدقيق الميكانيكي؟ العمولة تؤهّل سيارتك... على "الثقة"! كيف تحاول تسجيلها بنفسك خلال ساعات وساعات... و"المعقّب" موجود لخدمتك لقاء "الحلوَينة"؟ قيل الكثير عن العمولات وعن معقّبين من هنا ومسؤولين من هناك، وعن حل قريب. لكن أخطر ما يمكن أن يحصل في الإصلاح، قد يقع في تغيير الأشخاص والإبقاء على نظام العمل ذاته. فالرشاوى تنشأ في ظروف تسمح بنشوئها، والمرتشي ليس مهاجراً من عُطارد أو المريخ، بل هو إبن بيئته. ما أسهل الكلام والتنظير... خصوصاً على الصحافي. لمَ لا نجرّب الأسئلة والإقتراحات؟ في صيف 1993، إقترح مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية اللبنانية القاضي نصري لحود، الى وزير الداخلية آنذاك بشاره مرهج إجراءات صارمة للحد من تكاثر الحوادث على الطرق، منها: "التشدد بالمعاينة الميكانيكية... حجز السيارات والآليات المخالفة... سحب إجازات سوق المخالفين بعد تنظيم محاضر ضبط... حلق شعر كل سائق مخالف في سن المراهقة...". عدا عن حلق الشعور الذي لا تزال فرائص أبناء ال18 سنة ترتعد هلعاً من مجرّد التفكير به، لا كانت تلك الإقتراحات البديهية جديدة، ولا طُبّقَت. إقترحت "الحياة" آنذاك عدد 2/9/1993 التريّث والبحث عن نواقص القانون قبل صالونات الحلاقة. نواقص؟ لنترك مراهقي الأمس ومعقّبي اليوم، ونعدد بضع بديهيات. 1 - كيف يُعقل أن تَحُق للإنسان، قانونياً، القيادةُ تحت تأثير الكحول، كشرب قنينة عرق أو ويسكي قبل نقل العائلة في السيارة؟ 2 - كيف يُعقل أن يكون ربط الحزام إلزامياً في معظم دول العالم بعد ثبوت حمايته أكثر من الوسادة الهوائية بكثير، ويبقى المواطن اللبناني معفياً من إزعاجه؟ 3 - كيف يشكو المسؤولون من المهووسين ولا يحددون السرعة القصوى ويشترون رادارات لإنزال العقاب المالي المناسب بالمخالف أو حتى سحب الرخصة في الحالات القصوى؟ وفي المناسبة، على تلك الرادارات أن تصوّر أيضاً سيارات المسؤولين، وحتى المنتمين الى السلك الدبلوماسي، بما فيها خصوصاً سيارات مواكبة سعادة سفير الولاياتالمتحدة. 4 - كيف يمكن ألا يكون التأمين ضد الغير إلزامياً كما في مختلف الدول الصناعية ومعظم الأخرى النامية؟ 5 - المعاينة الميكانيكية؟ ليست مشكلتها في المعقّب أو المتعامل، بل في نظام مركزي يجعلها حكراً على مراكز قليلة. ولمَ لا تتم المعاينة مثلاً في مئات الكاراجات المنتشرة في المدن والقرى، والتي يمكن للوزارة منحها التراخيص اللازمة لإصدار أوراق المعاينة السنوية؟ أليست تلك وسيلة ممكنة لإستحداث فرص عمل إضافية لأبناء المناطق النائية، وتخفيف المركزية، أكثر الأنظمة عرضة للإصابة بمرَضَي البطء والفساد؟ 6 - ألا يمكن إعتماد ضريبة سنوية تُسدَّد في مراكز البلدية أو البريد في المدن والقرى المختلفة، بعد إبراز إثباتات تأمين السيارة وخضوعها للمعاينة الميكانيكية السنوية، للحصول على قرص ورقي يُلصق على الزجاج الأمامي لإثبات قانونية وضع السيارة باستمرار؟ 7 - أليست الغرامات المالية بمخالفي السرعة أو إمساك التلفون الجوّال في أثناء القيادة، أو عدم ربط الحزام، خير الموارد الممكن تجييرها لتحسين شبكة المواصلات ووسائل النقل العامة، وإعانة ضحايا حوادث السير وذويهم؟ ألا يمكن تشغيل المخالفين في خدمة ضحايا حوادث السير مثلاً؟ وإن شاءت وزارة المواصلات الإبتكار أكثر، يمكنها مثلاً بناء حلبة سباق، نعم حلبة سباق تدر الملايين سنوياً من تأجيرها الى الراغبين في تنفيس رغبتهم بالقيادة بسرعة عالية، على الحلبة. يمكن للوزارة حتى شراء سيارات رياضية جذّابة لتأجيرها على الحلبة، مع إقامة دورات تدريب على القيادة في الظروف الصعبة، كالإنزلاق، وفرض التأمينات اللازمة، وتنظيم سباقات محلية وإقليمية. قبل البحث عن الحلاقين والمعقبين وغيرهم، أول المذنبين هو القانون الناقص، وغياب العقوبات القانونية والمالية لمنع الجرم والإنفاق على معالجة رواسبه معاً. ولنتريّث قليلاً مع الموظف العادي، على الأقل حتى محاكمة المسؤولين الحقيقيين عن فساده!