زرت فينكس في ولاية اريزونا خلال عطلة رأس السنة، ووجدت ان حدث الموسم الثقافي فيها معرض فرعوني في المتحف المحلي. وانطلقت بالسيارة الى لوس انجليس، فمررت في لاس فيغاس ووجدت فيها كازينو هائلاً اسمه "الاقصر". ورأيت في باحته الخارجية هرماً قد لا يكون في حجم هرم خوفو، غير انه لا يقل كثيراً عن هرم خفرع او منقرع. وكان يفترض ان يقوم في كازينو اسمه "الاقصر" نموذج عن الكرنك مثلاً، غير ان الاميركيين وحدهم يستطيعون نقل اهرامات الجيزة الى الاقصر. وعدت الى لندن في كانون الثاني يناير وفوجئت بأن معرضاً روسياً في لندن لبعض أهم الخزفيات التي جمعها القياصرة على مدى قرون يضم شيئاً فرعونياً، بل ان "الشيء" الفرعوني اهم ما فيه، فهو عبارة عن طاقم صحون فرنسية ارسلها نابوليون هدية، قبل غزوه روسيا على ما يبدو، وازدانت بنقوش فرعونية، ورسوم، من تأثير الحملة الفرنسية على مصر، وإقامة نابوليون في مصر. وأصبحت هذه الصحون اليوم تحفة فنية نادرة. واعتدت ان اجمع قصاصات عن الآثار الفرعونية، او السياحة في مصر، لأنه لا يمر يوم او اسبوع من دون ان اقرأ شياً عنها، وعدت الى قصاصاتي بعد ان حضرت قبل ايام حفلة في السفارة المصرية في لندن، في مناسبة استرداد آثار مسروقة. وتمتعنا بالفرجة على وثائق بردية وآنية فخارية ومنسوجات قبطية وغشاء لمومياء ولوحة جدارية، ونقوش فرعونية. ونشرت "الحياة" تحقيقاً وافياً عن الموضوع فلا أحتاج الى الدخول في أي تفاصيل. قبل ذلك باسبوعين كنت انتزعت من جريدة انكليزية صورة ملونة كبيرة لمعبد ابي سنبل، مع بدء احتفالات كبرى فيه في مناسبة عيد ميلاد رمسيس الثاني. واهتمت صحف لندن كافة بخبر خلاصته ان الشمس في 23 من الشهر الماضي اضاءت المعبد كله عند الفجر، وحضر الوف الزوار هذا المشهد الرائع. قبل اسبوع من خبر المعبد والشمس الشهر الماضي، كنت أقرأ خبراً طريفاً خلاصته ان المصريين القدماء استعملوا كيمياء متقدمة ومعقدة في انتاج مستحضرات التجميل. وحلّل البروفسور فيليب والتر مستحضرات تجميل تعود الى فترة بين ألفي سنة، قبل الميلاد و1200 سنة، محفوظة، في آنية حجرية ومعدنية، وقدر ان المصريين القدماء مزجوا عناصر مختلفة، ودرسوا تفاعلها كيماوياً، وكرروا العملية للحصول على الألوان والاصباغ المطلوبة. وهم استعملوا الدهون الطبيعية، والمعادن الخام، في صناعة التجميل، وأنتجوا لوناً اسود ثابتاً للرسم على العيون يشبه "الماسكارا"، او الكحل، الآن. واستطاع الدكتور والتر اعادة انتاج بعض مستحضرات التجميل الفرعونية، مستعملاً العناصر نفسها في مختبره. بكلام آخر، المصريون القدماء سبقوا المسيو ماكس فاكتور بثلاثة آلاف سنة على الأقل. وأستطيع ان أزيد متسائلاً لماذا نحن متأخرون عن العالم ثلاثة آلاف سنة، ولكن لا اريد ان أفسد الموضوع، فأكمل بخبر آخر هو اكتشاف 74 سطراً من الشعر للفيلسوف والشاعر اليوناني ايمبدوكليس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد. ما علاقة هذا الاكتشاف بموضوعي اليوم؟ العلاقة هو ان الشعر كان مكتوباً على اوراق بردى محفوظة في مكتبة في ستراسبورغ. وقال البروفسور بيتر بارسونز، الاستاذ في اكسفورد وهو من أبرز خبراء البردى في العالم، ان الاكتشاف مذهل لأن ايمبدوكليس يمثل حلقة مهمة في تاريخ الفكر اليوناني، وقد ضاع معظم آثاره، ثم اكتشفت اوراق البردى الخاصة به لتملأ فراغاً حيّر العلماء قروناً. وإذا كان من القراء من يقرأ هذه الزاوية بانتظام لسبب غامض، فهو ربما تذكر سطوراً سجلتها قبل اسابيع خلاصتها ان بلدة جبيل اللبنانية، واسمها باليونانية بيبلوس، اخذت اسمها من ورق البردى الذي كان يُصنّع فيها للكتابة. وأكتفي اليوم بآثار مصر التي تمثل ثلث آثار العالم القديم كله، فلا أتحدث عن الارهابيين من اعداء الحضارة قديماً وحديثاً، وانما أدعو القارئ الى زيارتها عندما يزور مصر، فلا يكتفي مثل بعضنا بالملاهي الليلية، وانما يجمع بين الاثنين، وينال المجد من طرفيه.