ريشته ترصد القمع والظلم والفاشية. حبره أسود يتدرج الى الرمادي فيصبح كما الجمرة بعد النار ثم الهشيم. أمواج من خطوط تجري في قنوات وتنسكب حول ألواح النحاس والقصدير والزنك. تدخل الاصابع لتمسح عرق البائسين وشرفاء الطريق. يوسف عبدلكي صرخة وإغاثة وثورة، أسلوبها شعر وموسيقى ونثر على هيئة لوحات وشكل وتقنية وهمسات بعد الضجيج عندما تصبح موتيفات الرسم كلمات جديدة، محفورة في الرؤية، مرتبطة بالذاكرة البصرية. تعبيرات الوجوه سخرية ومسخ للسلطة الغاشمة، وعشق وحب ورقة ووله بالحياة والأمومة والطفولة والعمل. تَشُب فرشاته عن سطح الطاولة لتعلو فوق بخار الأحماض، وتشابك الخطوط وبعثرة الأحبار، فتخفت الروح وتهدأ نفس الفنان فيضيف سعفة نخل أو ساق شجرة في بستان. لا يهمه الحصول على هدف تشكيلي تراثي، ولا فولكلوري تافه، ولكن همه الأكبر صراع الأسود والأبيض، وبينهما الرمادي فتذوب الحياة قبل ان تصبح رماد الموت. واليكم قراءة سطحية لأعماله. وهي سطحية بمعنى وصف الأشكال المرئية على سطح اللوحة الورقية المطبوعة بفنون الحفر العميقة التشكيل والتقنية. سطحية بمعنى تسجيل الحدوتة الموجودة في كل عمل من أعماله وهي قراءة سريعة كعناوين الصحف وفهرس القصص والمجلات لمجرد أن يحضر المتلقي أمام أعماله من خلال تقريبه الى قاعة المعرض الجميل الذي يجمع حوالي ثلاثين عملاً في مشربية القاهرة. اللوحة لرجل مات أصبح جمجمة ولكنه ما زال يرتدي ربطة عنق مضيئة في اللوحة أكثر من أسنان الجمجمة ذاتها والمرأة عارية تماماً ولكنها مقطوعة الأيدي سخرية من إلهة الجمال فينس وفي اذنيها قرطان مستديران والى جوارها مهرج يرتدي ما يشبه العلم الأميركي، ويمسك بورقة اللعب وحول خصره حزام يرتديه الشباب الآن لحفظ النقود. الطرف الثالث في اللوحة غامض ككاهن قبيح يبتلع في فمه ايقونة. اللوحة الثانية وجه لشخص يتدثر وجهه في عباءة كمنديل الفلسطيني يحمل على صدره لوحة شهيد كأيقونة أيضاً، والشخص الثاني يحمل أيضاً النقود في الحزام حول خصره والعارية الثالثة تمرح وترقص بلا أذرع وبلا وجه ولها أكثر من ثدي. مجموعة كاملة على جدران المشربية في القاهرة بشارع شامبليون كأنها ترتبط أيضاً بحجر "الروزيت"، أعمال سماها أشخاص، تموج وتتوزع على جدران القاعة تجعلك في نهاية المطاف تغضب ضد الطغاة وضد هذا العصر، وتضحك وتسخر منهم أحياناً فتهبط الدرج الى الطريق بعد مشاهدة المعرض وتحاول أن تبتسم.