قال الخبير المالياللبناني السيد حسن خليل إن تنامي حجم الدين العام اللبناني وارتباطه الجذري بعجز الموازنة يعد المشكلة الأكبر التي تواجه الحكومة الحالية. ورد على سؤال عن الوضع الاقتصادي اللبناني بالقول: "البلد في وضع مالي واقتصادي دقيق ولا أحد ينكر ذلك، لكنه ليس الوحيد في ذلك، فأكثر الدول خارج الاطار الانكلوسكسوني او الاوروبي يعيش ازمات مماثلة. واعتقد ان لبنان قادر على الخروج من هذا الوضع والحكومة الحالية تقوم بخطوات تشير الى ايجابيات عدة ستظهر في القريب العاجل. واهم ميزات هذه الحكومة هي اعترافها منذ البداية بحساسية الوضع وتعاملها معه بشفافية وعلنية واضعة الجميع امام مسؤولياتهم". وما هي طبيعة المشكلات الاقتصادية التي يعانيها لبنان؟ - يواجه لبنان مشكلات معينة، فحجم الدين العام وتناميه المتواصل مع ما يترتب على ذلك من تنامي خدمة هذا الدين بات العائق الاكبر والاصعب لمسيرة الحكومة الحالية والعهد الجديد، ناهيك عن عجز الموازنة الذي هو ايضاً مرتبط جذرياً بالدين العام الذي يزيد، بدوره، من عجز الموازنة، وهي حلقة مفرغة كما يسميها الرئيس الحص. هذه العوائق هي نتيجة سياسات مالية خاطئة. فالسياسة الاعمارية في الأعوام الاخيرة مع كل ما رافقها من شوائب وانتقادات لم تكن السبب الرئيسي في الوصول الى تلك الاوضاع. فالانفاق الاعماري باعتراف الحكومة السابقة لم يتجاوز 3.5 - 4 بلايين دولار، ولكن مساومة الحكم السابق مع المواقع السياسية أدى إلى الابقاء على إدارة فاسدة ما سبب هدراً فظيعاً لايرادات الدولة ونفقاتها، إضافة إلى الاستهتار التام بإدارة مالية الدولية وبالتالي ارتفاع كلفة السياسة النقدية، هي التي اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم. كل هذا في وقت يتضاءل النمو الاقتصادي الذي تراجع من ثمانية في المئة الى ما دون ثلاثة في المئة اليوم في وقت يرتفع الدين بنسبة 15 في المئة. مضاعفات ما هي المضاعفات التي تترتب على لبنان في ضوء ما ذكرت؟ - ظهر أخيراً بعض الملامح السلبية في الاقتصاد اللبناني، أهمها ارتفاع العجز في الحساب الجاري الذي انعكس للمرة الأولى في ظهور العجز في ميزان المدفوعات بلغ نهاية 1998 نحو 483 مليون دولار. ولكن اذا استمرت الحكومة الحالية على الوتيرة نفسها في مواجهة الوضع الاداري والتحضير لموازنة مفاجأة للسنة 1999 والمضي في عملية التخصيص في شكل فعّال، سيكون من الممكن تجاوز واحتواء المضاعفات السلبية. هل تعتقد بأن المشكلات الحالية هي نتيجة لتركة اقتصادية سيئة من العهد السابق؟ - حتى الرئيس الحريري ادرك العام الماضي عواقب سياسة حكومته في الأعوام السابقة وبدأ يتحدث عن خطورة عجز الموازنة وحجم الدين العام. لكن ذلك لم يحصل إلا بعد تنامي الدين الى 16 بليون دولار، إضافة الى مستحقات المستشفيات والضمان التي تقدر ب 800 مليون دولار. ومأزق الحكومة السابقة كان رفع أسعار الفوائد مع الابقاء على صرف الليرة اما مستقراً أو مرتفعاً ايجاباً. ولطالما تمّ التحذير من خطورة هذه السياسة التي كلفتنا غالياً. في هذا الاطار اذن هل ترى أن الحديث عن خفض قيمة العملة اللبنانية مفيد؟ - لبنان بلد مستورد بالكامل، إذ يستورد ما مجموعه 7100 مليون دولار ويصدر بما يعادل 720 مليون دولار أي بعجز تجاري 6300 مليون دولار. إذن أي خفض لعملته لن يفيد في تحسين هذا العجز كون القوة التصديرية للبنان محدودة، وهو ليس كالبرازيل اذا انخفضت عملته الى حد معين يستفيد المصدرون من هذا الخفض. ولكن كان من الاجدى سابقاً وليس الآن اما ترك الليرة للسوق واما تثبيتها بطريقة رسمية علنية على سعر مناسب يتماشى مع الوضع الاقتصادي. ولكن ما حصل هو العكس، ودفعنا نحو 10 بلايين دولار فوائد للمحافظة على عملة وطنية في اقتصاد مدولر. وكان الهدف المعلن ان استقرار الليرة هو الدعامة الاساسية لجلب الاستثمار الى لبنان. الاستثمار فعلاً حصل في لبنان في الأعوام الاخيرة ولكن عن طريق شراء الليرة للاستفادة من فوائدها العالية، أو في القطاعين العقاري والسياحي، واستغل المستثمرون هذه السياسة الضيقة التي كلّفت وستكلّف لبنان لسنوات مقبلة. اما اليوم فمجرد الحديث عن خفض لسعر صرف الليرة امر مضرّ بلبنان ولا يمكن الحديث عن سعر واقعي لليرة قبل معالجة المالية العامة والدين العام، وإلى ان تتم هذه الامور يجب المحافظة على الاستقرار النقدي. أين أصابت سياسة الحريري السابقة وأين أخطأت؟ وهل وضع كل أوراقه في سلة السلام الوهم؟ - لقد راهن على السلام على رغم انكاره المستمر لذلك، ولكنه فعلاً كان يعتقد ان كل ما يقوم به سيتم التعويض عنه في حال توقيع السلام الذي كان قريباً لولا اغتيال رابين. أما صواب سياسته، فكان في نظرته إلى إعمار لبنان عموماً وبيروت خصوصاً. الثغرات كانت في الاداء، إذ أدى ايجاد ادارات موازية والتصرّف مادياً خارج امكانات الدولة مع المراهنة بأن السلام سيعوّض عن ذلك الى ما نحن عليه اليوم. ع. ب