اهتزت اوروبا، اقتصادياً وسياسياً، تحت وطأة الاستقالة الجماعية لرئيس واعضاء المفوضية الاوروبية بعد تقرير "لجنة الحكماء" الذي حمّل المؤسسة كلها "فقدان السيطرة على الادارة التابعة لها" ما ادى الى نشوء واستفحال "التزوير والمحسوبية". انظر ص 7 و9 وبعدما كانت الدول الاوروبية تتخبط منفردة في قضايا الفساد جاء التقرير ليوجه ضربة قاسية الى ركن من اركان العمل المشترك وذلك قبل اسبوع على اجتماع رؤساء الجمهورية والحكومات في برلين 24 - 25 آذار/ مارس وشهور قليلة على انتخابات البرلمان الاوروبي 12 - 13 حزيران/ يونيو. ومع ان نتائج التحقيق لم تظهر تورطاً شخصياً لأي من المفوضين فانها اوضحت ان البعض منهم، والفرنسية اديث كريسون تحديداً، اغفل عن القيام بدوره وتسامح مع حالات تسيب استفاد منها "اصدقاء واقرباء". وقد شهدت العواصم كلها سلسلة اجتماعات لمعالجة النتائج الكارثية لهذه الفضيحة وللبحث في ما اذا كان ممكناً الاستمرار في تلبية جدول الاعمال المثقل بقضايا تهم البناء الاوروبي: مواكبة اطلاق العملة الموحدة، "يورو"، "اجندة 2000"، الاصلاح الهيكلي، التوسيع، الاتفاق على سياسة زراعية جديدة، استكمال المواجهة مع الولاياتالمتحدة حول "قضية الموز"، امام "منظمة التجارة العالمية". غير ان الهم الرئيسي تركز على كيفية سد الفراغ الذي تتركه الاستقالة. اذ ارتفعت اصوات تطالب بالاستمرار في "تصريف الاعمال" حتى انتهاء الولاية في آخر هذا العام. غير ان مسؤولين في البرلمان الاوروبي رفضوا ذلك داعين الى الاسراع في تعيين مفوضية جديدة في حدود ايار مايو على ان يبدأ البحث في ذلك في الاجتماع القريب للمجلس الاوروبي. وبدأت بورصة الترشيحات لخلافة رئيس المفوضية جاك سانتير. فعلى جبهة اليسار يبدو ان الميل هو الى رئيس الوزراء الاسباني السابق فيليبي غونزاليس. اما على جبهة اليمين فان رئيس الوزراء الايطالي السابق رومانو برودي هو الاوفر حظاً. وفي تقدير مراقبين ان "ربّ ضارة نافعة" فالتقرير الذي يؤكد مخاوف الكثيرين من "بيروقراطية بروكسيل" سيخدم على الارجح في اعتماد المزيد من الشفافية في عمل المؤسسات الاوروبية التي لم تتعرض الى هزة من هذا النوع منذ العام 1957! ولن تقلل من ذلك مسارعة سانتير وغيره من المفوضين الذين لم يطاولهم التقرير الى انتقاده بحجة انه اخذهم بجريرة غيرهم خصوصاً ان "لجنة الحكماء" كانت حاسمة في انها تجري محاكمة لپ"المؤسسة" كلها. وفي جلسات التعامل المسائية في اسواق القطع الاوروبية استرد اليورو معظم الخسائر التي مني بها بعد الاستقالة الجماعية لاعضاء المفوضية الاوروبية، فيما خسرت الاسهم البريطانية الرئيسية الشيء القليل وتقدمت اسعار الاسهم في فرنسا والمانيا. وتدنى سعر اليورو في مقابل الدولار في بداية التعامل صباح امس الى 0836.1 دولار إلا انه عاد وارتفع في صورة تدرجية ووصل عند الاغلاق الى 0912.1 دولار بعدما قال محللون ان المفوضية لا تلعب في العادة أي دور مهم في شأن الخطوات المتصلة بالوحدة النقدية الاوروبية. وقال محللون اتصلت بهم "الحياة" ان الخوف الاهم بالنسبة الى المستثمرين هو ما إذا كانت الاستقالة الجماعية ستؤدي الى حدوث "شلل سياسي" يعيق المضي قدماً في تنفيذ خطوات الاتحاد النقدي الاوروبي، وعرضوا "سيناريوات" عدة يمكن ان تحدث من الان وحتى نهاية العام لانهاء هذه الازمة الاولى بحجمها التي تواجه الاتحاد.