يشكل اقتحام الطلاب الجامعيين يوم الجمعة في 26 شباط فبراير 1999 لحواجز اسرائيل الشائكة على مدخل قرية أرنون، منعطفاً حضارياً في تاريخ لبنان ومحطة نضالية مدنية لها مدلولاتها ومعانيها ورمزيتها، وإن لم يكن هذا اليوم المشرّف منعطفاً تاريخياً بعفوية طبيعية، يتوجب علينا أن نجعله كذلك عن قصد وتخطيط ذلك أن المواجهة المدنية السلمية البطولية التي قام بها طلاب العلم والمعرفة والمثل العليا والقيم الانسانية ضد حملة أدوات القتل ومعتنقي الأهواء العنصرية من الاسرائيليين القابعين في قلعة ارنون، هي رمز واضح لمعادلة التحدي الحضاري أمام التعدي الوحشي، بقوة الحق بالأرض والحرية وبزخم الموقف الصادق والتصميم على التحرير، استطاع الطلاب أن يهزموا بأياديهم البيضاء ظلم العدوان واستبداده وقهر الآلة العسكرية الضخمة. الواقع اننا منذ عشرات السنين نلحّ على المطالبة باعتماد مثل هذا الأسلوب المدني السلمي الضاغط من أجل تحقيق ما نصبو إليه في لبنان وخارجه: في 21 نيسان 1996 أثناء العدوان الاسرائيلي على الجنوب، طالبنا في الصحف بتنظيم تظاهرة سلمية من بيروت الى الجنوب، تحت عنوان "تظاهرة مدنية سلمية". وفي 10 أيار مايو 1996، بعد مجزرة قانا طالبنا بالتظاهر السلمي نحو قانا، تحت عنوان "قانا قبلة السلام"، ومنذ شهر آذار مارس 1988 نادينا تحت عنوان: "بالعمل على تنظيم مسيرة سلمية صامتة، احتجاجاً على استمرار الحرب في لبنان" تشترك فيها الهيئات الثقافية والاجتماعية والدينية والتعليمية والجامعية والنقابات. من أجل تأكيد صواب مثل هذه الممارسات النضالية المدنية ومن أجل تمجيد الطلاب الذين صنعوا الحدث التاريخي ومن أجل لفت أنظار العالم الى الحدث، ينبغي أن نجعل من ارنون، بما أصبحت تمثل بعد يوم الجمعة في 26/2/1999، القرية اللبنانية النموذجية للعلم والحرية والسلام. وذلك تأكيداً وتجسيداً للتناقض مع دولة الحرب والعدوان الاسرائيلية التي يعشش بومها في قلعة القرية نفسها. لماذا لا تكون ارنون قرىة الحياة في مواجهة قلعة الموت؟ لماذا لا تكون ارنون قرية المعارف والحقوق الانسانية في مواجهة ظلم التهجير وجهل الظلم والعنصرية؟ ان للتركيز على جعل ارنون رمزاً للتحدي الحضاري اللبناني في مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية المدمرة، مردوداً إعلامياً عالمياً، يمكن للبنان أن يستثمره سياسياً في المحافل الدولية، بعد أن أصبحت آفاق العمل الطلابي البطولي في ارنون عالمية. وعلى الصعيد اللبناني الداخلي، كان تحرير الطلاب لارنون تحريراً لإرادة الشباب وجرأتهم، وانتصاراً لمنطق العلم والمعرفة والقيم التربوية، وتأكيداً لقرار التضامن والتعاون بين كل اللبنانيين من كل المناطق والطوائف والاتجاهات السياسية. والأهم من كل ذلك ان ما حصل في ارنون يعبر عن قدرة جيل الحرب اللبنانية السابقة على تجاوز نتائج تلك الحرب القميئة وطي صفحتها المأساوية نهائياً، والتفوق على لغة التقاتل بالسير نحو بوتقة الوحدة الوطنية، حيث الانسجام والتكامل رغم التناقض الداخلي الذي ينبغي أن يضعف وتخف مفاعيله السلبية لصالح صون المجتمع من التجزئة. علينا أن نجعل من 26 شباط يوماً تاريخياً نستعيد ذكراه سنوياً وندرّسه لتلاميذنا. وليرتفع في ساحة ارنون نصب تذكاري يعبر عن معاني الحدث ودروسه النضالية المدنية والسلمية وقيمه العلمية والتحررية، لنشيّد في مدرسة ارنون الصامدة أجمل مكتبة لبنانية التي ينبغي أن تضم بالاضافة الى الكتب والأفلام الوثائقية معرضاً لصور بشاعات العدوان الاسرائيلي. لنبن في ارنون مركزاً ثقافياً وقاعة لمؤتمرات السلام والعلوم. لتكن شوارع ارنون نموذجية وبيئتها مثالية. أو لن تصبح ارنون محطة أنظار العالم من الآن وصاعداً؟ أليس علينا أن نعمل على أن لا ينسى العالم درس ارنون الحضاري اللبناني، مهما كانت خلفياته؟ بسام ع. جمال الدين - طرابل