لم يتأخر الأميركيون كثيراً في التقاط فرصة التظاهرة الطلابية اللبنانية نحو بلدة أرنون قبل ظهر الجمعة، قبل ان تتحوّل الى انتفاضة نزعت الشريط الشائك الذي زنّرت به اسرائيل البلدة، لتحررها مجدداً. والأكيد انه حين أُبلغت السفارة الاميركية في بيروت والوفد الاميركي الى لجنة مراقبة تفاهم نيسان بطلب من الرئيس اللبناني العماد أميل لحود ان لبنان يحمّل اسرائيل مسؤولية أي تعرّض للطلاب العزّل، وضع الجانب الأميركي نصب عينيه احتمال ارتكاب الاسرائىليين حماقة ما، كأن يطلقوا النار على الطلاب العزّل. والأرجح ان واشنطن عاشت شبح "مجزرة قانا"، وحذّرت القيادة الاسرائىلية من الانزلاق الى تكرار التجربة، مع ما يعنيه ذلك من انعكاس لأي خطأ، على الانتخابات الاسرائيلية نفسها، في ظل السجال الداخلي المحموم الذي بات احدى مواد الحملات الانتخابية، والمتعلق بالانسحاب من جنوبلبنان. واذا كان الخوف الأميركي وبالتالي الاسرائىلي من مجزرة جديدة، هو أحد اسباب تراجع الجيش الاسرائىلي عن ضمّ أرنون الى الشريط الحدودي المحتل، فان هذا لا يحجب الحقيقة القائلة ان فعل التحرّك الطلابي، الذي أدى الى ردّ الفعل الاسرائىلي، بالتراجع عن ضمّ البلدة، هو الأساس. ولعل هذا ما يدعو الى القول ان الانتفاضة الطلابية كانت، بالاضافة الى مفاعيلها الشعبية، خطوة ذكية الى أقصى الحدود، لا مجرد احتجاج عاطفي أو مبدئي على الاحتلال. فمثلما اعتبر كثيرون ان ضمّ اسرائيل أرنون هو اختبار اسرائىلي للبنان ولسورية وللجنة المراقبة في شأن القدرة على التعاطي مع قيام اسرائىل بالتقدّم والقضم، فان الانتفاضة الطلابية تحوّلت تحركاً شعبياً شارك فيه الأهالي في القرى المحررة المحيطة، والاحزاب والقوى السياسية، كان هو أيضاً اختباراً لاسرائيل ومدى قدرتها على مواجهة تحرّك شعبي كسر حاجز الخوف من القوة العسكرية الاسرائىلية، بعدما كسرته المقاومة على مدى السنوات الماضية، الى حدّ قيام جدل داخل الجيش الاسرائىلي على قدرته على مواجهة أساليب المقاومة وعلى عدم تحسّب وحداته لمكامن رجالها... ان اختبار أرنون وما حققه لمصلحة لبنان دليل على ان اسرائيل تعبت في الجنوب. وبالاضافة الى ان التحرّك الطلابي شكّل سابقة لا مثيل لها في السنين العشر الماضية في الجنوب، فانه يذكّر بسابقات اخرى، من الانتفاضات الشعبية التي تغذي نفسها بنفسها، كما حصل في النبطية وصور وبلدة معركة في جنوبلبنان عام 83 ضد الاحتلال الاسرائىلي وفي الضفة الغربية بداية التسعينات، مع فارق الاحجام. وانتفاضة طلاب لبنان تؤدي المفعول نفسه لأنها تطرح الانسحاب الاسرائىلي على المستويات الاعلامية والسياسية والدولية... وتضاف الى الأثر الذي تركته تظاهرات "الأمهات الأربع" الاسرائىلية المطالبة بترك لبنان. ان نتائج تحرير الجموع الطلابية أرنون تتعدّى ذلك كله، فهي لم تكن مناسبة تجاوزت المأزق الذي كانت وصلت اليه المساعي الديبلوماسية بين الشكوى لمجلس الأمن والشكوى للجنة المراقبة، على احتلال أرنون، فحسب. فانسجام الدولة اللبنانية مع هذا التحرّك وفّر فرصة لشيء من التضامن الداخلي يتجاوز الاحتقان القائم بسبب الصراعات الداخلية