زار بلدة أرنون الجنوبية التي كسر طوق الاحتلال الاسرائيلي عنها، تحرّك طالبي اول من امس، آلاف اللبنانيين امس، على غرار ما آل اليه وضع بلدة قانا الجنوبية بعد المجزرة التي ارتكبتها اسرائيل فيها خلال عملية عناقيد الغضب عام 1996. وضاقت البلدة بالوفود التي أمتها من مختلف المناطق والمشارب والطوائف، وغصّت منازل أهاليها بالزوار، وأجمع كل من زارها على انها تشهد "عرس تحرير"، خصوصاً ان الوافدين قطعوا كيلومترات عدة سيراً ليصلوا اليها، فاستقبلهم أهاليها بتقديم الحلوى والقهوة والزغاريد والاغاني، وعقدت حلقات رقص ودبكة، في حين أدت الاجراءات الرسمية الى فتح الطريق اليها المقفلة منذ 12 عاماً أمام السيارات، فعبرتها اول سيارة في العاشرة وعشر دقائق، دليلاً الى اتصالها بالمناطق المحررة وتحررها من قبضة الاحتلال. وحصل كل ذلك على مرأى من عناصر الموقع الاسرائىلي في قلعة الشقيف المشرف على البلدة، من دون اي اشكال، في حين واصل الاهالي وزوار البلدة رفع الاعلام اللبنانية والحزبية على أعمدة الكهرباء وسطوح المنازل، وتعليق اللافتات المؤيدة للتحرير والمرحبة بعودة أرنون الى كنف الشرعية. وبقيت خيم نصبها عدد من الطلاب الجامعيين الذين دخلوا البلدة اول من امس، في مكانها وأمها طلاب وزائرون حيّوا في الشباب اللبناني تحرّكه وارادته. ووسط هذا الجو الحماسيّ، اندفع عدد من الشبان بعد ظهر امس في اتجاه الموقع الاسرائىلي في الشقيف، فأطلق رشقات نارية فوق رؤوسهم أثارت بينهم حال هلع وأغمي على أحدهم. وكان رئيس الجمهورية اميل لحود تابع الوضع في أرنون وكلف محافظ النبطية محمود المولى إرسال جرافة الى البلدة لإزالة ما تبقى من الشريط الشائك والعوائق الأخرى من مدخلها، مؤكداً تجاوب الحكومة مع مطالب أهاليها وحاجاتهم. ونقلت "الوكالة الوطنية للاعلام" الرسمية عن "مصادر ديبلوماسية في بيروت" اعتقادها "ان التحرك الذي قامت به الدولة اللبنانية لمعالجة الوضع الذي نشأ قبل ايام في أرنون تميّز بأمرين أساسيين هما الفاعلية والثبات في الموقف، الامر الذي ولّد ارادة شعبية مكمّلة للموقف الرسمي تمثلت بالتظاهرة الطالبية التي أدت الى ازالة الشريط الشائك واعادة أرنون الى السيادة اللبنانية". واضافت "ان التكامل الذي برز بين التحرّك الرسمي الذي قاده رئيس الجمهورية والتحرّك الشعبي شكّل سابقة مهمة في الحياة السياسية اللبنانية اذ غالباً ما كانت المواقف الرسمية في واد، والمواقف الشعبية في واد آخر، وأفرز هذا التكامل التصاقاً بين القاعدة ورأس الهرم وهو أمر لم يكن سهل التوصل اليه في ما مضى على رغم الظروف الصعبة التي عاشتها البلاد في السنوات الماضية نتيجة الممارسات الاسرائىلية". ولاحظت "ان فاعلية التحرّك اللبناني الرسمي ظهر من خلال ردود الفعل الدولية السريعة المتجاوبة مع لبنان على عكس ما كان يحصل في السابق، اذ ان المطالبات اللبنانية كانت تبقى من دون ردود فعل ايجابية مدة طويلة، فضلاً عن مسارعة مراجع دولية الى ابداء الاهتمام بالوضع في أرنون وتوجيه رسائل دعم وتطمين الى الحكومة اللبنانية". واضافت "ان الفاعلية تأكدت ايضاً من خلال السرعة التي عالجت بها رئاسة لجنة المراقبة المنبثقة من تفاهم نيسان ابريل وهي لمندوب الولاياتالمتحدة الاميركية ريتشارد اردمان التي ما ان تبلغت موقف رئيس الجمهورية في تحميل اسرائيل مسؤولية اي اعتداء يستهدف أهالي أرنون والطلاب الذين دخلوها اول من امس حتى سارعت الى نقله الى الاسرائىليين والحصول على تأكيد ان قوات الاحتلال لن تعيد اجراءاتها التضييقية على أرنون وأهاليها". وعادت المصادر بالذاكرة الى مواقف سابقة كانت فيها لجنة المراقبة "تأخذ وقتاً طويلاً في الاجابة عن مطالب لبنان نتيجة التسويف والمماطلة الاسرائىلية". اما عن "الثبات في الموقف اللبناني"، فرأت المصادر الديبلوماسية "ان لبنان لم يتراجع في موقفه تحت وطأة الضغوط الاسرائىلية المباشرة بعد محاصرة أرنون وضمها الى الشريط الحدودي، ولم يبدل في اقتناعاته وثوابته لجهة تأكيد رفض الخطوة الاسرائىلية والاستمرار في دعم المقاومة ضد الاحتلال والتمسك بتطبيق القرار الدولي الرقم 425 من دون القبول بتجزئته أو تجاهله، أو التفاوض على الحال الناشئة في أرنون من دون غيرها، وهي محاولة اسرائيلية لاستدراج لبنان الى مفاوضات مجزأة، وهو أمر أكد مجلس الوزراء رفضه له، وأبلغه رئيس الحكومة سليم الحص الى سفراء الدول الكبرى المعتمدين في لبنان ولا سيما منهم سفير الولاياتالمتحدة الاميركية ديفيد ساترفيلد". ولاحظت المصادر "ان التعاطي اللبناني الرسمي مع التطورات الجنوبية ومواقف اسرائىل منها بات تعاطياً يرتكز الى صلابة في الموقف اللبناني حيال الطروحات الاسرائىلية المشبوهة، والى تناغم راسخ مع الارادة الشعبية التي بدت ملتفة حول الحكم ومتضامنة وداعمة له في مواقفه، خلافاً لما كان يحصل عندما كانت الهوّة واسعة بين الدولة والشعب". وخلصت الى القول "ان الوضع في لبنان ما بعد انتفاضة ارنون سيكون مختلفاً عما كان عليه قبلها وان التكامل بين دور الدولة وموقف الشعب سيزداد رسوخاً، ونموذج أرنون كان خير دليل". وتلقى الرئيس لحود اتصالين من وزير الصحة كرم كرم الذي زار أرنون على رأس وفد من نحو ستين طبيباً تقدمهم نقيبهم الدكتور غطاس خوري للوقوف على احتياجاتها، ومن النائب طلال ارسلان الذي قصدها على رأس وفد من مشايخ الطائفة الدرزية، وطلب منهما نقل تحياته الى أبنائها وطمأنتهم الى أوضاعها، معلناً الوقوف الى جانبهم، ومؤكداً استعداد الحكومة لتلبية ما يريدونه. كذلك نقل الوزير كرم الى الأهالي تحيات رئيس الحكومة سليم الحص، موضحاً "ان الجنوب وأهله في قلبي الرئيسين، وأمانة في عنق كل مسؤول"، معتبراً ان تحرير أرنون أول من أمس "بداية تحرير كل الجنوب، وسنعمل معاً شعباً ودولة لاعادة كل لبنان محرراً معافىً مستقلاً". وتابع "ان حركة تابعة للدفاع المدني وصلت الى أرنون، بناء على توجيهات الرئيس لحود، وفتحت الطريق المؤدية اليها على رغم محاولات الرشاشات الإسرائيلية منع عملها وتفريق المواطنين، وتبلغ الأهالي من المحافظ المولى ان شاحنات محملة بالزفت ستصل الى أرنون لتعبيد شوارعها". وأبرز الذين زاروا أرنون امس من الشخصيات، النواب بهية الحريري وعبداللطيف الزين ومحمد فنيش وحسن علوية والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبدالامير قبلان ومسؤول "حزب الله" في الجنوب الشيخ نبيل قاووق، فحيوا صمود أهاليها والانتفاضة الطالبية، منوّهين بوحدة الشعب اللبناني. وكشف رئيس الحكومة السابق النائب عمر كرامي أن السكرتير الأول في السفارة الأميركية في لبنان ديفيد هيل أبلغه خلال زيارته له أمس على رأس وفد من السفارة، "ان واشنطن تبلغت أن ما حصل في أرنون جاء وفق اتفاق، وأن لا عودة الى الوضع السابق فيها، وان جهوداً أميركية كثيفة ستبذل بعد الانتخابات الإسرائيلية لإعادة إحياء عملية التفاوض السلمية خصوصاً على المسارين اللبناني والسوري مع اسرائيل". وعلق كرامي آمالاً كبيرة على الشباب اللبناني، منوهاً بوحدته وحاملاً على "الإعلام المسموم الذي يصور لبنان بلداً منقسماً على ذاته". ومعتبراً أن "لا أحد قصّر" في شأن أرنون لا لبنان الرسمي ولا الشعب. ورأى أن تقديم شكوى الى مجلس الأمن سيكون خطوة اعلامية ليس إلا ما دامت الولاياتالمتحدة ستلجأ الى استعمال "الفيتو". واضاف "كان هناك قرار باللجوء الى مجلس الأمن وأجريت مشاورات مع اعضائه ومع الاشقاء العرب وخصوصاً مع سورية، من اجل تقديم الشكوى في الوقت المناسب. وفي ردود الفعل، وجّه رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين تحية الى طلاب لبنان، معتبراً ان ما حصل "برهان على قوة مقاومة المدنيين للاحتلال، دليل صمود وسلامة وضمان لبقاء لبنان وترسيخ الوحدة الوطنية". وإعلن رئيس المجلس النيابي السابق النائب حسين الحسيني "ان العمل اللبناني الرائع درس بليغ يستحق الاقتداء به"، داعياً الى "تحميل الأسرة الدولية وخصوصاً الولاياتالمتحدة مسؤولية التغاضي عن الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان والتمرد على القرارات الدولية". وأعلن وزير العمل ميشال موسى الذي تفقد أرنون بعد ظهر أول من أمس، ان معنويات أهاليها مرتفعة جداً". ورأى الوزير سليمان فرنجية "ان اللبنانيين لم ينتظروا لجنة تفاهم نيسان ابريل ولم يراهنوا على بيانات ضبط النفس الدولية ولم يعتمدوا منطق استهلاك الشعارات والبيانات، بل اندفعوا موحدين لنزع الأسلاك واستعادة أرنون". ونوّه النائب بطرس حرب ونواب آخرون "بمواجهة الشباب الغطرسة الإسرائيلية".