اذا لم تجرِ الحكومة اللبنانية عملية قيصرية لكأس آسيا 2000 المقررة في بيروتوطرابلس وصيدا العام المقبل، فإن المولود سيكون وُئِدَ في بطن أمه، وسيضطر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الى تكليف دولة اخرى، قد تكون الصين، استضافة المسابقة الكبرى. ويُعتقد ان الغاء الزيارة التي كان مقرراً ان يقوم بها وفد من الاتحاد الآسيوي الى لبنان في 21 آذار مارس الجاري، هو بمثابة "نعي" غير رسمي للمولود "اللبناني" الذي لم يبصر النور، والذي كان يؤمل منه الكثير لأنه سيساهم في بناء البشر والحجر معاً بعد سنوات طويلة من تدمير طاول كل شيء. جَهِدَ الاتحاد اللبناني لكرة القدم للفوز على الصين نهاية 1996 في ابو ظبي بمساعدة هائلة من المسؤولين الرياضيين العرب. والصين ليست "حبتين" لأنها قادرة على تنظيم المسابقة اليوم قبل غد، لكنها لم تستطع تخطي التكتل العربي... ومع الوقت تعددت زيارات لجنة الكشف الآسيوية الى لبنان للوقوف على مدى ما وصلت اليه استعداداته، فلم تسمع سوى الوعود الشفهية، اما الوضع الميداني فاعتمد مبدأ "مكانك راوح". ولّت حكومة الرئيس رفيق الحريري وجاءت حكومة الرئيس سليم الحص التي اعتمدت سياسة تقشف وخفّضت موازنة المسابقة الآسيوية الى النصف اي الى نحو 30 مليون دولار، وهنا "غصّ" المسؤولون الآسيويون وشعر العرب منهم بنوع من الاحراج، وعندما زاروا بيروت قبل اسابيع قليلة والتقوا مسؤولين لبنانيين وافقوا على تنازلات تنظيمية لأن اوضاع البلد ليست غائبة عن اذهانهم، على أمل ان يشاهدوا بأم العين بداية ورشة العمل في ملعبي صيدا وطرابلس، باعتبار ان الملعب الثالث وهو المدينة الرياضية جاهز. وفي الاسابيع القليلة الماضية ايضاً قدمت شركات عروضها لبناء ملعبي طرابلس وصيدا، لكن الحكومة قررت بناء ملعب طرابلس في منطقة البساتين وليس في منطقة المعرض الدولي، مما فرض على عضو الوفد الآسيوي رئيس اللجنة الفنية في الاتحاد الدولي القطري محمد بن همام التساؤل: "هل كانت زيارتنا منطقة المعرض تمثيلية"؟ وقرع ناقوس الخطر وبدت لهجته متشائمة عندما اتصلت به "الحياة" هاتفياً وهو في الدوحة. وقبل ساعات، ذكر عضو في الاتحاد اللبناني ان اللجنة النيابية المسؤولة عن درس تلزيم المشاريع رفضت بحث العروض المقدمة لبناء ملعبي طرابلس وصيدا وطالبت ببناء ملعب ثالث في بعلبك ولم تدرج دراسة التلزيم على جدول اعمالها المقبل، اي ان بدء العمل مؤجل... وقبل ساعات ايضاً قرر الاتحاد الآسيوي الغاء الزيارة التفقدية المقررة بعد نحو عشرة ايام. وقال بن همام ل "الحياة": "ادخلنا المشروع غرفة الانعاش ولكن من دون نتيجة، ولن نزور بيروت لأن لا جدوى من الزيارة... لا نريد ان نجلس في الفندق ونقابل هذا المسؤول او ذاك ثم نعود الى بلادنا من دون ان تكون هناك ضربة مسمار واحد في الملاعب". ولم يقل بن همام الكثير لأن "المكتوب" يُقرأ من عنوانه، لكن المسؤولين الآسيويين بدأوا، اغلب الظن، محادثات جانبية تمهيداً لاجتماع عاجل مع الاتحاد الصيني الذي ستزن ضحكته رطلاً. تنظيم كأس امم آسيا 2000 في حاجة الى عملية قيصرية من السلطات اللبنانية، لكنها قد تكون اعتمدت نهائياً مبدأ "الرغيف اهم من كرة القدم". وأكثر ما يؤسف له تلك الجهود المضنية التي بذلها الاتحاد اللبناني لكرة القدم والمسؤولون الرياضيون العرب الذين اضطروا في النهاية الى اعتماد لغة المنطق والواقع لا لغة العاطفة، فنفضوا ايديهم من مشروع لبناني خاسر. والخاسر الأكبر هو الشباب اللبناني الذي ادرك من خلال تجربة "كروية" ثانوية ان بلاده ما زالت عاجزة عن النهوض في المستقبل المنظور... وهو احباط ما بعده احباط.