بعد مخاض عسير, تأكدت استضافة لبنان لنهائيات كأس الأمم الآسيوية ال 12 لكرة القدم عام 2000. جولة سريعة قام بها وفد الاتحاد الآسيوي للعبة على المسؤولين اللبنانيين السبت الماضي، حيث اجتمع بصحبة أركان الاتحاد المحلي مع وزير التربية والشباب والرياضة محمد يوسف بيضون، ثم انتقلوا للقاء رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص والوزراء في اللجنة الاقتصادية الوزارية... وكانت الخلاصة "البشرى" المضي في الاستضافة ومن دون المساس بالشروط الفنية الموضوعة، لكن مع خفض للتكاليف قدر الإمكان "إذ كانت التقديرات السابقة عالية جداً"... كما تأكد مجدداً ان لا تغيير لمكاني ملعبي صيدا وطرابلس الجديدين. في الآونة الأخيرة، باتت استضافة لبنان ل "آسيا 2000"، وكأنها "قالب حلوى" يحاول الجميع اقتطاع حصة منه، في وقت يكثر الجدل والتباين في وجهات النظر حول كيفية تنظيم الحدث طالما أن النفقات المقدرة تخطت ال 60 مليون دولار قبل اعلان المضي في التخفيض منها نفقات خاصة ببناء ملعبين جديدين في طرابلس وصيدا تنفيذاً لالتزامات وتعهدات تضمنها ملف الاستضافة، والتي بموجبها وافق الاتحاد الآسيوي على منح لبنان حق التنظيم عام 96 ب 14 صوتاً مقابل صوتين للصين. الملف المتكامل في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، اجتاز تنظيم لبنان لكأس "آسيا 2000" مرحلة حرجة كادت تطيح آماله. ويوم حصل لبنان على شرف التنظيم كان ملفه متكاملاً. ومن ضمن أوراق الملف ضمانة حكومية بانجاز المنشآت وأبرزها الملاعب الأربعة الرئيسية. ورغم أن عوامل كثيرة أخّرت هذا الانجاز، ظلّ أركان الاتحاد الآسيوي يكررون بعد كل جولة كشف ميداني ولقاء برئيس الحكومة السابق رفيق الحريري أن الأمور ستكون على ما يرام... كما أكدت الحكومة وفائها بالإلتزامات كافة، وخصص مجلس الوزراء مبلغ 55 مليون دولار لاستكمال المنشآت وتنظيم الجولة التي ستضمن ربحاً مادياً ومعنوياً وتحريكاً لافتاً للعجلة الاقتصادية والسياحية. ونقل نواب عن رئيس الجمهورية اميل لحود تشديده على أهمية استضافة "آسيا 2000" وتنظيمها بصورة تليق بموقع لبنان ودوره وتراعي في الوقت عينه سياسة التقشف وضبط الانفاق. ودار نقاش في احدى جلسات مجلس الوزراء حول كيفية تمويلها، وسط مجموعة اقتراحات أثيرت في هذا الصدد من بينها اعتماد طريقة البناء والتشغيل والاسترداد B.O.T، أو تحديد رسوم معينة يمكن اضافتها الى لائحة أسعار الفنادق مثلاً 10 أو 15 دولاراً لليلة الواحدة... كما جرى بحث في تخفيض الكلفة من خلال طريقة عقود التلزيم أو البحث عن سبل التنظيم بالشروط الدولية الدنيا. من هنا كان اقتراح تأهيل ملاعب قائمة حالياً برج حمود وطرابلس. الأخذ والرد بدأ العدّ العكسي لتنظيم النهائيات خلال الاحتفال الكبير بسحب قرعة التصفيات الذي نظمه الاتحاد اللبناني أواخر تشرين الأول أكتوبر الماضي... لكن الحذر ظل عند كثيرين متربصاً بملف البطولة، وارتفعت أسهمه في الأسابيع اللاحقة حين شهد الوسط السياسي تغييراً حكومياً أعقب انتخاب العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية وتعيين الدكتور الحص رئيساً للحكومة واعتماد سياسة التقشف. وعادت القضية الى الواجهة وباتت احدى الهموم الآتية للحكم بعد لقاء جمع وزير التربية والشباب والرياضة محمد يوسف بيضون باتحاد اللعبة، وتركّز البحث على ملف الاستضافة، وكانت المفاجأة أن المبلغ المخصص لهذا الحدث لم يرتكز على أية آلية قانونية، وبالتالي يجب ايجاد مصادر تمويل لتذليل العقبات. من هنا كان التوجه المتستر عند الاتحاد اللبناني للعبة بأن لا مصلحة للبنان في الاستضافة إذا لم تتوافر الملاعب، لأنه ينشد اتمام هذه المرافق قبل أي شيء آخر، ولا سيما ان مكان الملاعب القائمة حالياً وصعوبة توسيعها يجعلانها غير مستوفية لأدنى الشروط الدولية... علماً أن ملف الاستضافة يتضمن أيضاً تأهيل ملاعب اضافية على الأقل تخصص للتدريب. وبخصوص ما تردد عن أن فعاليات اعلامية واعلانية مستعدة للتمويل، اتضح أن عروضها لا تفي بالحاجة المطلوبة، كما أن شروطها تعجيزية في نواح عدة، ومن طروحاتها رهن مداخيل بطولة الدوري العام لاستيفاء ما ستقدمه! وأكدت أوساط الوزير بيضون واتحاد كرة القدم أن لا تغيير في أماكن المنشآت المقررة أساساً لا سيما أن دراساتها أعدت وتكبدت نفقات لاتمامها، ونالت موافقة الاتحاد الآسيوي، وتفاقمت ظاهرة المطالبة الكثيفة بلحظ ملاعب ومنشآت في مناطق مختلفة. على خط موازٍ، تعالت الأصوات المناهضة لاتحاد اللعبة في ضوء خلافه ونادي النجمة، رافضة الاستضافة من أساسها. وأظهر التحرك النيابي، الذي برز لتذليل صعوبات التنظيم مع التأكيد على أهمية المناسبة وأبعادها، على حالة "كباش" سياسي من خلال الخلاف على مكاني ملعبي صيدا وطرابلس، علماً أن ورشة ردم البحر في صيدا بجوار الملعب الحالي لتوسيعه وتأهيله انطلقت منذ أشهر وتتعهدها شركة يرأسها شقيق الرئيس الحريري. وفي طرابلس، يرفض رئيس الحكومة السابق عمر كرامي أن يشيّد الملعب على أرض تابعة للمعرض الدولي، مع أن المواصفات الفنية وتوافر البنية التحتية والمحيط المناسب يرفعان من أسهم هذا الاختيار. وكان الاتحاد اللبناني لكرة القدم أبلغ نظيره الآسيوي بالمستجدات، وجاء الرد مؤكداً على ضرورة احترام التعهدات ومراعاة المعايير الدولية. وفي وقت أكدت الحكومة اللبنانية على حقها وتتحرك لتجاوز عقبات سياسية ومالية، وان كان البعض رأى في ذلك تنازلاً تدريجياً عن الاستضافة، لم تخفِ أوساط اتحاد اللعبة قلقها، رغم ان لسان حالها المُعلن ظلّ يردد ان الملف في أيدٍ أمينة. التحضير والاعداد وتفضل أوساط الاتحاد الفصل في برنامج الاعداد بين الشقين الفني والاعماري، وتقول ان الإعداد قطع أشواطاً على الرغم من التأخير الحاصل، لا سيما على الصعيد الفني، ومن أبرز عناوينه بناء المنتخب الذي بدأ منذ العام الماضي... وقطعت مراحلها محطات عدة وبوتيرة تصاعدية. كما أعدّ الاتحاد ملفاً متكاملاً لتأهيل 10 ملاعب المطلوب كحد أدنى ملعبين رديفين بجوار كل ملعب رئيسي بانتظار اعلان اللجنة العليا المنظمة لتبادر الى مباشرة أولى هذه الخطوات. ومن مزايا منشآت المدينة الرياضية في بيروت والمساحات الكبيرة تحت مدرجاتها، إمكانية استيعابها مكاتب اللجنة العليا المنظمة واللجان الفرعية. الجدوى الاقتصادية وكان أمين سر الاتحاد اللبناني رهيف علامة كشف لپ"الحياة" ان الاتحاد بصدد الاتفاق مع شركتين متخصصتين في مجال تنظيم الرحلات السياحية، كانتا معتمدين من قبل اللجنة المنظمة لكأس العالم الأخيرة في فرنسا، ستتوليان نقل المشجعين والسياح من دول الشرق الأقصى خصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية، ما يعني أن حجم المداخيل سيتضح مسبقاً، وستكون الفنادق العاملة محجوزة كلها. ويقول خبراء في حقول السياحة والتسويق ان عدد السياح اليابانيين لم يتعدَ الثلاثة آلاف زائر سنوياً في أفضل الحالات خلال الأعوام الأخيرة، وبالتالي ستكون "آسيا 2000" محطة استقطاب لأعداد كبيرة منهم. وتظهر الدراسات حول الجدوى الاقتصادية للاستضافة والتي عاد "ومحّص" الوزير بيضون في تفاصيل بنودها، إيجابيات كثيرة، إذ لن يقل عدد أفراد الفرق المشاركة عن 800 شخص فضلاً عن مئات من المشجعين المرافقين سينفقون مبالغ كبيرة أثناء اقامتهم فترة 20 يوماً في لبنان. ويقدر ما ينفقه هؤلاء بنحو 5،4 مليون دولار... بالإضافة الى حصة الاتحاد اللبناني من عائدات النقل التلفزيوني وتبلغ مليوني دولار، ومداخيل العائدات الإعلانية والمباريات وما ستنفقه الوفود السياحية التي لا يقل عدد أفرادها عن الپ150 ألف زائر، ونحو 1500 صحافي، بحيث ترتفع المداخيل الى أكثر من 46 مليون دولار، ناهيك عن العائدات التي سيكسبها لبنان من الهاتف والبريد. ملعبا صيدا وطرابلس وتقول مصادر المجلس البلدي في صيدا أن المخطط التوجيهي لهذه المنطقة البالغة مساحتها 60 ألف متر مربع والممتدة من الضفة الجنوبية لمجرى نهر الأولي حتى مبنى دار المعلمين والمعلمات، تضم دراسات لإنشاء فنادق ومقاهٍ ومطاعم ومحلات تجارية الى جانب الملاعب الرياضية، من أجل تقديم الخدمات للزائرين والوافدين الى صيدا من مختلف المناطق. وهذه المنشآت الرياضية ستشجع المستثمرين بالطبع، ما ينعش الوضع الاقتصادي... ومواقع المنشآت الرياضية تتيح لكل الناس سهولة الوصول اليها كونها محاطة بشبكة طرقات حديثة تستوعب حركة مئات السيارات دفعة واحدة، خصوصاً أن الملعب يقع بمحاذاة أوتوستراد المدخل الشمالي للمدينة. وأعدت تصاميم الملعب الجديد في صيدا شركة لاسيكو نفذت سابقاً تصاميم المدينة الرياضية والملعب البلدي في بيروت ودراسات ملعب طرابلس الجديد، ويقع عاتق التلزيم على مجلس الإنماء والإعمار. وقدرت تكاليف الملعب ب 210 مليون دولار 17 مليوناً بناء الملعب والمدرجات و95،3 مليون دولار كلفة ردم المساحة المقررة من البحر. ولحظت التصاميم اضافة منشآت سياحية اليه، ليتماشى مع تنظيم الواجهة البحرية للمدينة بعد انجاز أعمال الردم 28985 متراً مربعاً. وتبلغ مساحة أرض المشروع مع المخطط التوجيهي نحو 75 ألف متر مربع. وستتسع مدرجات الملعب الى20 ألف متفرج، ويحيط بملعب كرة القدم مضمار دولي لألعاب القوى، الى وجود مرافق وصالات مختلفة وقاعات مناسبة للخدمات الإعلامية كافة، ومرآب سفلي للسيارات يضم موقف للسيارات العادية، و34 موقفاً للحافلات فوق الأرض. وسيشكل الملعب الجديد تأهيلاً وتوسيعاً متكاملين للملعب القديم الذي أنجز العام 1949، وتضرر آبان الاجتياح الإسرائيلي 1982. ثم أعادت مؤسسة الحريري تأهيله وتوسيع مدرجاته ليفتتح مجدداً في تشرين الأول أوكتوبر 1995. و"زرع" استاد كرة القدم داخل حرم معرض طرابلس الدولي، لفت نظر أعضاء اللجنة المنبثقة من الاتحاد الآسيوي التي زارت لبنانمرات عدة للاستطلاع، فشجعوا هذا الاختيار واعتبروا ان المعرض هو أفضل مكان في لبنان يقام فيه مثل هذا الملعب. واقامة الملعب تعني تسريع انشاء شبكة المطاعم العالمية والفندق ذي المواصفات الدولية، التي لا تزال "عاصمة الشمال" تفتقد اليه، وملاعب للتنس ومرافق أخرى للترفيه. كما أن اختيار جزء من أرض المعرض لإقامة الملعب يسهّل ورشة البنية التحتية. ويقع المعرض على طرف المدينة ومحاطاً بشبكة طرقات حديثة، وبمحاذاة أوتوستراد طرابلس - بيروت الذي سيستكمل حتى الحدود السورية، ما يعني أن الملعب سيكون في موقع استراتيجي مهم جداً.