بإشراف من وزارة الطاقة الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في 8 أسابيع وسط ارتفاع الدولار    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024م    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الفلسطينية بين صعوبة التراجع وضرورة التقدم على الطريق الصعب
نشر في الحياة يوم 12 - 03 - 1999

اذا اعتبرنا السلام عملية شبيهة بالزواج بما يحتويه من متطلبات المشاركة والدفاع عن المصالح في اطار البيت الواحد، كما هي الحال في عملية السلام الاميركي - الياباني. واذا اعتبرنا التسوية السياسية المتوازنة والمتعادلة شبيهة بعملية الطلاق التفاهمي حيث يحافظ كل طرف فيه على مبدأ التفاهم والتعايش كما هي الحال في عملية السلام في البوسنة والهرسك. واذا اعتبرنا تسوية الاذعان القائمة على اساس وجود طرف منتصر وآخر مهزوم كما هي الحال في معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الثانية، فانه يمكننا اليوم ان نجزم من دون تردد، وبعد مرور خمس سنوات على وضع اتفاق اوسلو موضع التنفيذ، ان اسرائيل لا تسعى الى تحقيق السلام مع الفلسطينيين كما سعت الى ذلك مع مصر والاردن، وكما تسعى الى ذلك حالياً مع سورية. امسى واضحاً بعد خمس سنوات من التجربة ان الاستراتيجيين الاسرائيليين استخدموا عملية التفاوض لايجاد الظروف والاسباب التي تؤهلهم للانتقال بالوضع من ممارسة استراتيجية القبضة الحديد الى سياسة احتواء الشعب الفلسطيني بوسائل سياسية. لقد امسى واضحاً ان الاسرائيليين جنحوا نحو السلام لإيقاف الهجوم الفلسطيني العسكري والسياسي الذي اوجد لهم ازمة اقتصادية وسياسية وامنية بلغت ذروتها في نهاية الثمانينات، عبر الكف عن سياسة القبضة الحديد كوسيلة استيعاب للشعب الفلسطيني قسراً واذعاناً، والانتقال الى استراتيجية الاحتواء. احتواء البندقية الفلسطينية، واحتواء الانتفاضة، ليلي ذلك احتواء حركة الشعب الفلسطيني السياسية بهدف واضح الا وهو فرض تسوية الاذعان بشروط اتفاق فرساي.
آلية استراتيجية الاحتواء الاسرائيلية هذه تتطلب انجاز المحاور التالية:
أ - مرحلية التفاوض بدلاً من مرحلية التنفيذ:
ذكر الوزير جيمس بيكر وزير الخارجية الاميركي الاسبق في مذكراته حول مؤتمر مدريد انه قال لاسحق شامير رئيس وزراء اسرائيل في ذلك الحين: لقد اجهدت نفسي في تركيب عملية مفصلة تفصيلاً كاملاً على مقاس مخاوف اسرائيل واهتماماتها. ففرضنا المرحلية على الفلسطينيين لكي يبرهنوا عن استعدادهم للسلام من خلال الاثبات للاسرائيليين انهم اهل للثقة…، وهكذا فرض على الفلسطينيين قبول مرحلية التفاوض، التي رفضها الرئيس المصري انور السادات بشدة في مفاوضات كامب ديفيد.
مرحلية التفاوض تعني مفاوضات مفتوحة المدى الزمني، وغير محددة الاهداف والنتائج، ويتم عبرها احتواء الأقوى للأضعف. والابن الشرعي لفكرة مرحلية التفاوض هو فكرة "التبادلية" التي يطرحها بنيامين نتانياهو الآن.
ب - افتقاد اي اتفاق لآلية تنفيذ:
لقد افتقدت كل الاتفاقيات الموقعة بين الفلسطينيين واسرائيل الى آلية للتنفيذ اتفاق اوسلو، اتفاق الخليل، اتفاق واي بلانتيشن وافتقاد هذه الآلية يحجب عن الفلسطينيين قدرة الوقوف على قدم المساواة مع الاسرائيليين على صعيد التنفيذ او على صعيد الامتناع عن التنفيذ حين لا يلتزم الاسرائيلي بذلك. فقدان الآلية خدم استراتيجية الاحتواء بفعالية، وأدى الى عزل الفلسطينيين، كما ادى الى الضغط لاقناعهم بأنهم لن يحصلوا الا على ما تريد اسرائيل ان تعطيه لهم.
ج - اسبقية الامن الاسرائيلي على السياسي:
المحتوى العملي لاقوال بيكر التي سبق ذكرها، من انه قد فصل العملية السلمية تفصيلاً يستجيب للمخاوف الاسرائيلية الامنية، نتج عنه بروز اول حكم ذاتي في التاريخ لا يؤمن حرية تنقل البضائع والافراد بين الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة وبينهما والخارج من جهة اخرى.
وهكذا اقتصرت الاتفاقية من حيث مضمونها الفعلي على حكم ذاتي جزئي جغرافياً وجزئي موضوعياً واختياري طبيعةً، وهذه العناصر ليست سوى عناصر استراتيجية الاحتواء بحدها الاعلى لا الادنى.
السؤال المهم: ما هي الاسباب التي شجعت الفلسطينيين على قبول تلك المبادئ؟
لقد وافق الفلسطينيون على الالتزام مع الوزير بيكر الحازم في مواقفه على معادلة مفادها انه سيؤمن لهم خلال عام من المفاوضات ما هو اكثر من حكم ذاتي كامل وما هو اقل من دولة، ان هم وافقوا على تسليمه اوراقهم وتكيفوا مع متطلباته، ليفاجأوا بعد ذلك بحدوث ما لم يكن متوقعاً، الا وهو سقوط الرئيس جورج بوش في الانتخابات الرئاسية. وبعد هذا السقوط قرر عرفات كعادته، عدم التوقف في منتصف الطريق، فعمد بوسائل متعددة الى التفاهم مع اسحق رابين منجزاً لتفاهمات مهمة معه، حتى ان رابين اعلن في اجتماع للكنيست "قالوا لنا انها ارض بلا شعب ولكننا وجدنا بها شعباً وعلينا التعايش معه"، وأقر في نفس الخطاب الشهير له "انه لا طريقة للقضاء عسكرياً على الانتفاضة والطموح الفلسطيني ولذلك لا بد من حل سياسي للصراع". وانطلقت رصاصات الاصولية الاسرائيلية لتقضي على رابين ولتعلن انقسام المجتمع الاسرائيلي الى صهيونية سياسية واخرى دينية ترفض دفع ثمن المكاسب الكبيرة التي حصلت عليها من اتفاقات السلام، المنصوص عليها بوضوح في الاتفاقات، الا وهي الارض.
ونشأت حال غريبة مثيرة للقلق، وهي ان الاصوليين الفلسطينيين الذين يرفضون بالعنف اتفاقات اوسلو وضعوا في السجون، بينما تولى الاصوليون الاسرائيليون المناوئون لنفس الاتفاق عنفاً وتصويتاً، السلطة لمدة ثلاث سنوات إثر مقتل رابين.
لقد أمس واضحاً ان السلام العادل كفكرة يوحد الفلسطينيين ولكنه يهز الاجماع الاستراتيجي الاسرائيلي، ويقسم المجتمع الاسرائيلي. ومرد ذلك ليس الى ازمة ذاتية لدى هذا الرئيس او ذاك او هذه الكتلة او تلك، بل الى ازمة بنيوية داخل المجتمع الاسرائيلي. السلام لا يتحول قراراً عند شعب ما، ما لم يصبح خياراً لدى الغالبية العظمى لذلك الشعب. وفي الوقت نفسه ان السلام ثقافة معينة لخط سياسي قرر التعايش مع الآخر. ومن الواضح لكل المراقبين ان شروط السلام تلك ليست متوافرة لدى طبقة مثقفة في اليسار الاسرائيلي، وان تثقيف الاسرائيليين بثقافة السلام أمر لم يبدأ بعد.
عام 1989 خاطب الوزير بيكر جماعة إيباك اللوبي الصهيوني في واشنطن، وبعد ان استعرض الاحداث المفصلية كأحداث حرب 1973 واحداث حصار بيروت وحرب الجنوب اللبنانية والانتفاضة الملفتة للنظر في عمقها وابعادها ومرور عامين على انطلاقها من دون تمكن الاسرائيليين من قبولها، وبعد ان استخلص معنى المتغيرات الاساسية التي طرأت على تقنية السلاح ودخول الصواريخ بعيدة المدى الى المنطقة، اختتم خطابه قائلاً "ان على اسرائيل ان تقر بأن حلم اسرائيل الكبرى جغرافياً لم يعد امراً واقعياً ولا بد من امتلاك شجاعة استخلاص النتائج".
رجل الدولة شمعون بيريز استخلص النتائج في كتابه عن الشرق الاوسط الجديد، فطرح فكرة اسرائيل العظمى اقتصادياً بديلاً لفكرة اسرائيل الكبرى جغرافياً، وناشد الاسرائيليين ان يغيروا طريقة تفكيرهم كي يتمكنوا من قيادة المنطقة الى النمو والتطور ويؤمنوا انتماءهم الى الشرق الاوسط الجديد.
ان ما عناه بيريز في ضرورة تغيير الاسرائيليين لطريقة تفكيرهم يصب في التخلي عن فكرة الدولة - القلعة لصالح فكرة الدولة - الدور، الامر الذي يتطلب ثقافة جديدة يصبح فيها السلام خياراً استراتيجياً بدلاً من خيار المجابهة، ويصبح قبول الآخر ونشر فكرة التعايش مع الآخر بديلاً عن الاصرار على افنائه.
الدولة - الدور تبحث عن الشريك بينما الدولة - القلعة تبحث عن العدو اللازم للحفاظ على تضامن مجتمع القلعة، الدولة - الدور تقتضي التنازل من باب الضرورة عن ارض من اجل تحقيق الشراكة بينما الدولة - القلعة تقتضي عدم التنازل عن ارض مقابل السلام غير المطلوب، فيتحول شعار الارض مقابل السلام الى شعار الامن مقابل السلام.
لقد ثبت ان غالبية المجتمع الاسرائيلي لم تتقبل افكار بيريز، فتحديده للسلام وفق مفاهيم ثقافية تهدف الى اندماج المجتمع الاسرائيلي مع العالم تبعاً لمفهوم القرية العالمية حدود مفتوحة انترنت، مصانع، اسواق مشتركة… الخ أخاف قطاعاً واسعاً في المجتمع الاسرائيلي من ضياع الهوية وفقدان ميزة نقاء الدولة الديني، حتى انه تناوب على السلطة في اسرائيل في السنوات العشر الاخيرة، ومنذ طرح خيار الانتقال من الدولة - القلعة الى الدولة - الدور عبر انعقاد مؤتمر مدريد، اربعة من القادة والخامس في الطريق بعد اسابيع قليلة شامير ورابين وبيريز ونتانياهو و؟ مما يؤكد ويشير الى افتقاد المجتمع الاسرائيلي الى الاجماع الاستراتيجي حول القضايا الكبرى، وهو الشرط اللازم لامتلاك القيادة السياسية القدرة على اتخاذ القرارات الكبرى وعلى رأسها قرار السلام مع الفلسطينيين سواء بحده الاعلى او قرار التسوية العادلة في حده الادنى.
ويبقى السؤال الكبير كيف سيواجه الفلسطينيون المأزق الراهن؟
موضوع السنوات الخمس الماضية سنوات الحكم الذاتي اصبح في يد المؤرخ. ويجب الا يغيب عن بالنا ان المعركة السياسية لم تنته بعد وعلى السياسي الممتَحَنْ صاحب الارادة ان يقرر الكيفية التي سيُخرج بها الوضع من المأزق الذي ادخلته اسرائيل فيه.
هل بالعودة الى المربع الاول؟ أم بالتقدم الى أمام؟
هل العودة الى المربع الأول ممكنة؟
لقد علمتنا التجربة ان الصعوبة والتعقيد لا يكمنان في بدء عملية سياسية كبرى ولا في التحرك لتكبير الاهداف والاحلام، وانما بالاسراع للوصول الى مرحلة اغلاق الدائرة، اذ ان تركها مفتوحة يعني حتمية العودة الى المربع الاول، حيث سيكون هنالك منتصر حُسِمَ الموقف استراتيجياً لصالحه، وهو الجانب الاقوى، وخاسر كبير يندب حظه، وتلك هي سياسة الاحتواء.
المنطقة تمر في مفصل حاسم، فهنالك يالطا جديدة منعقدة وراء الكواليس ونتائجها ستصبح واقعاً لفترة طويلة من الزمن. والمتغيب في السياسة دائماً على خطأ. ولكي نُقصّر فترة الحمل يجب على الفلسطيني الا يخرج من الملعب ليجلس في مقاعد المتفرجين، ولذلك فهنالك استحالة العودة الى الوراء الا اذا حكمنا اليأس.
ما هي امكانية التقدم وما هي مصاعبه؟
الخروج من مأزق، أي مأزق يحتاج الى موضوع معبئ مثير للطموح الشعبي جاذب للاجماع الوطني لا مفرقاً له. ويحتاج كذلك الى ظروف موضوعية وتوقيت مناسب، والأهم هو امتلاك الارادة حيث اثبتت الاحداث ان افتقادها لا افتقاد الامكانيات سبب رئيسي من اسباب الهزائم. وإذا ما تلمسنا حركة الربح لنحدد بموجبها وجهة اشرعتنا، فان العوامل الايجابية لاسترجاع زمام المبادرة والخروج من المأزق والتقدم الى أمام يمكن حصرها في ما يلي:
1 - من 4/5/1999 ستنتهي المرحلة الانتقالية التي كنا فيها رهائن لسياسة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة. ونظراً لأن السلطة الفلسطينية تحكم بالولاية وليس بالسيادة طبقاً لاتفاق اوسلو، الذي ينص صراحة على عدم جواز تجاوز يوم 4/5/1999 لوضع نتائج الحل النهائي موضع التنفيذ، فان الوضع في أراضي السلطة الفلسطينية سيدخل في فراغ سياسي وقانوني وسيعمل الاسرائيليون على ملء هذا الفراغ من خلال قرار جديد للحكم العسكري بتمديد الولاية المعطاة للسلطة والمجلس التشريعي فيسقطون بذلك النقطة المضيئة في اتفاق أوسلو، ألا وهي مواعيد اعادة الانتشار والممتدة لمدة سنة ونصف السنة ونهاية المرحلة الانتقالية.
2 - الرابع من ايار مايو موعد هام في تاريخ الشعب الفلسطيني وهو يوم ذو صفة استراتيجية لا تكتيكية، لذلك لا يمكن تجاهله أو اعتباره يوماً عادياً ولا بد من ان تملأ منظمة التحرير الفلسطينية الفراغ الحادث سياسياً او قانونياً عبر اعلان اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.
يقولون انه لأسباب داخلية اسرائيلية وكي لا يقدم نتانياهو على ضم المنطقة ج يجب ان نتجاوز ذلك اليوم. وهذا الكلام ليس له منطق ولا ارجل يمشي عليها. الانتخابات الاسرائيلية اوجدت لنا مشكلة تكتيكية وليس مشكلة استراتيجية. الرد على ذلك بخطوة تكتيكية امر ممكن. والمنطقة ج لا يمكن ضمها بعد انتخابات الكنيست الجديد، والعالم سيقاوم الخطوة ومن يقدم عليها. وهي منطقة محتلة يجب تحريرها.
ان يوم 4/5 لهو الخيار السياسي "الهدية" المقدم للقيادة السياسية الفلسطينية، بعد خمس سنوات عجاف فرضت علينا الالتزام باتفاق مجحف وقعت عليه منظمة التحرير الفلسطينية واقتضى الحرص على المصداقية من المنظمة، وأهمية كسب تأييد اميركا ودول اوروبا الغربية، الالتزام بما تم التوقيع عليه، ولكن عند شروق شمس الرابع من أيار مايو سينتهي الالتزام القانوني بالاتفاق، ونصبح احراراً بالتصرف.
وعلينا ان نرد من دون اكتراث عندما يردد الاسرائيليون وأصحاب منطق ورقة النعوة من الفلسطينيين بأن اعلان الدولة سيكون أو لا يكون نتيجة من نتائج التفاوض. لو كان الأمر كذلك لكان اعلان الدولة نُص عليه كقضية من قضايا الحل الدائم كالقدس واللاجئين والمستوطنات مثلاً.
يوم 4/5 يعطينا القضية المركزية اعلان الدولة والتوقيت المناسب اللازمين للخروج من المأزق المؤلم الذي وجدت القضية الفلسطينية نفسها فيه. وإذا ما تسلحنا بالارادة يمكن التخلص من فخ استراتيجية الاحتواء المطبق علينا، فنعلن الدولة محددين بذلك نتائج المفاوضات حول الحل الدائم، تلك المفاوضات التي ستتابعها الحكومة الفلسطينية الجديدة والتي ستشمل كل قضايا المرحلة النهائية، ولكنها لن تقبل ان يكون الاستقلال الفلسطيني وحق تقرير المصير وقيام الدولة امراً تفاوضياً.
يوم 4/5 هو يوم استرجاع الفلسطينيين لزمام المبادرة من جديد عبر وضع مرجعيات تفاوضية جديدة New Terms of reference يترتب عليها تحديد موعد نهائي للمفاوضات ينهي ملف المفاوضات المفتوحة والتي جعلت المفاوض الفلسطيني يفاوض اجهزة التلفزيون ونتانياهو يفاوض المستوطنين في العامين الاخيرين.
العملية السياسية الجارية لم تعد عملية محلية بل اصبحت دولية، ولذلك ليس مسموحاً لها ان تنهار، فبرغم اغتيالها مرات عدة من قبل فلسطينيين احياناً واسرائيليين احياناً اخرى، قام الوضع الدولي باعطائها الاوكسيجين اللازم لتستمر وتتقدم. وبفضل سياسة نتانياهو تضاعف التأييد العالمي بما فيه الاميركي والأوروبي للشعب الفلسطيني وقضيته، وأعلن الاوروبيون عن حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حق تقرير المصير من دون استثناء حقه في اقامة دولته، وما على القوى الفلسطينية الشعبية والسياسية الا اعادة تشكيل الوحدة الوطنية في الداخل والشتات على ارضية اعلان الدولة، واعادة تعريب ادارة الصراع لأسباب استراتيجية واضحة، خصوصاً ان معظم قضايا الحل النهائي اقليمية لاثنائية كاللاجئين والمياه والحدود والأمن... الخ.
بعد خمس سنوات عجاف يعود التاريخ فيقودنا الى مرحلة مفصلية نلتقي بها من جديد بأفراح لا أتراح وهي وضع العالم امام خيارين لا ثالث لهما: اعلان الدولة والبدء ببسط السيادة إنشاً إنشاً وجعل تلك الدولة ذات السيادة واقعاً تعترف به الدول المركزية واحدة تلو الاخرى عبر تسخين الوضع، والا فليعلن العالم الأوروبي والاميركي ان يوم 2/11/1999 يوم وعد بلفور المشؤوم سيكون اليوم الذي سيعترفون به جميعاً بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس سواء تم التوصل الى اتفاق حول الحل الدائم ام لم يتم.
ان النصر يكتب اولاً في الصدور والارادة تنقله الى الأرض، ولنواجه تلك المدرسة التي تريد دولة شرط عدم التعرض للحصار والمواجهة الشاملة. وليذكر اولئك ان العصفور المتفوق استراتيجياً على الأفعى، والذي خلق ليطير بينما خلقت هي لتزحف، ذلك العصفور تأكله الافعى لأنه يصاب بسبب الرعب والخوف بشلل في جناحيه فيبقى مكانه الى ان تصله الافعى فتبتلعه.
* عضو اللجنة المركزية لحركة فتح. والنص سبق أن ألقي كمحاضرة في 25/2/99 في لندن بدعوة من مركز الدراسات العربية الذي يرأسه الدكتور عبدالمجيد فريد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.