في الساعات الأولى من صباح أمس نفذت أنجح عملية اطلاق شهدتها المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية "عربسات". على انغام موسيقى الجاز المرحة بدأت مراسم الساعة الاخيرة من العد التنازلي، وسار كل شيء بانتظام وخفة في غرفة السيطرة في المطار الفضائي في كورو، على الساحل الشرقي لأميركا الجنوبية مقابل افريقيا. وحافظت مؤشرات الاطلاق طوال الوقت على الضوء الاخضر، وبدت مركبة "اريان" التي تحمل قمر "عربسات" ساحرة الجمال فوق منصة الاطلاق وهي تنفث مثل سخّان شاي منزلي خيط بخار خفيفاً. وتهدج صوت المراقب الفضائي عندما اعلن في الدقيقة الخامسة قبل الاطلاق تسلم جهاز الكومبيوتر السيطرة على العملية، وقبل 5 ثوان فقط من الاطلاق انفتحت الأذرع التي تحيط بمركبة "إريان". في لحظة الصفر احاطت سحابة من الدخان الكثيف واللهب المركبة التي ارتفعت مهيبة ككائن اسطوري ينفث اعمدة اللهب الوهاجة. وعندما اهتز المطار الفضائي بالدوي كانت المركبة اختفت فوق الغيوم الاستوائية التي لم تكف لحظة عن المطر المدرار. وبعد 17 دقيقة وصلت المركبة التي انطلقت بسرعة كيلومتر في الثانية الى الساحل الغربي لافريقيا. وفي الدقيقة العشرين انفصل قمر "عربسات" عن المركبة، وأعلن مراقب السيطرة ان "إريان" انتهت مهمته وأصبح "عربسات" في رعاية "عربسات". بعدها بخمس دقائق انفصل قمر الاتصالات البريطاني "سكاي نت" الذي شارك "عربسات" في الانطلاق. آنذاك فقط تعالى التصفيق ومصافحات التهنئة بين العرب والفرنسيين والبريطانيين، وانهالت النكات حول مفارقة الصاروخ "إريان" الفرنسي وكيف استطاع ان يضع "عربسات" العربي فوق "سكاي نت" البريطاني وينطلق بهما خارج الكرة الأرضية. وأظرف النكات كانت كالعادة واقعية. حدث ذلك عندما هرع المهندس السعودي سعد البدنه، المدير العام لپ"عربسات" للاتصال بواسطة الهاتف النقال بالعائلة في الرياض وطمأنتها الى نجاح الاطلاق. وفوجئ حين بادرته العائلة بالعتاب لاغلاقه الهاتف، وحين أوضح انه غير مسموح بالهاتف في غرفة السيطرة وسأل هل هناك شيء مهم تريد ابلاغه، اجابت العائلة: أبشر. نجح عربسات... وشفناه هالحين على تلفزيون البحرين! مرح ونكات وغناء ورقص ومآكل استوائية اختتمت في الرابعة صباحاً بالقاء البريطانيين في حوض الاستحمام. ومع خيوط الفجر الاستوائي البنفسجية استيقظ في الذهن السؤال: "هل يصبح اسعد الأوقات التي استقبلت المولود الفضائي العربي الجديد، اسعدها بالمعنى الحرفي للكلمة؟ هذا السؤال يشغل بال المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية التي حققت العام الماضي أرباحاً قياسية تزيد على 88 مليون دولار، وتواجه هذه السنة قرارات مصيرية. ماذا ستفعل "عربسات" التي لم تعد اللاعب الوحيد في السماء العربية؟ وكيف ستواجه بأقمارها الثلاثة اكثر من مئة قمر للاتصالات الهاتفية ونقل البث الاذاعي والتلفزيوني داخل المنطقة العربية تطلقها منظومات "نايل سات" و"الثريا" و"وورلد سبيس" و"اريديوم" و"غلوبال ستار"؟ المدير العام لپ"عربسات" سعد البدنة قال لپ"الحياة" ان "عربسات" التي أسستها جامعة الدول العربية عام 1976 ستناقش هذه السنة مشاريع كبيرة، مثل ايجاد شريك استراتيجي مالي، وفتح المساهمة فيها للقطاع الخاص العربي والاجنبي، وطرح اسهمها للاكتتاب العام. الدراسات الخاصة بهذه الخيارات وضعتها اكبر الشركات الاستشارية الدولية وتطرح على الدورة المقبلة للجمعية العمومية لپ"عربسات" التي تتكوّن من وزراء الاتصالات العرب. بانتظار ذلك وسّعت "عربسات" التي يبلغ رأسمالها 163 مليون دولار نشاطاتها الاستثمارية والخدماتية. فهي تساهم الآن في تمويل مشاريع اتصالات عربية ودولية كبيرة مثل "الثريا" و"كيوتل" و"آيكو". وطورت خدمات اعادة بث الفضائيات الاذاعية والتلفزيونية العربية الى خارج المنطقة العربية. واستأجرت لهذا الغرض قناة على قمر "يوتلسات" الأوروبي "هوت بيرد"، الذي يوصل الآن معظم الفضائيات العربية الى الجاليات في الخارج. وتستأجر قريباً قنوات جديدة لتوسيع خدمات اعادة البث الى آسيا وأميركا.