تقطع البحار الآن منصة نفطية مهجورة جرى تحويلها الى قاعدة لاطلاق الصواريخ الفضائية. أبحرت المنصة من ميناء فيبورغ على بحر البلطيق في روسيا في طريقها الى "لونغ بيتش" على المحيط الهادي في الولاياتالمتحدة. وفي تشرين الأول اكتوبر المقبل ستجري أول عملية اطلاق من القاعدة البحرية المتحركة. وتسهل المنصات البحرية المتحركة عمليات الاطلاق وتضمن سلامتها وتقلل نفقاتها. فهي تطلق الصواريخ من المنطقة الاستوائية متخذة أقصر طريق الى المدار الأرضي فوق خط الاستواء. وفي هذا المدار ستدور مئات الأقمار الخاصة بالاتصالات، أو كما يسميها المهندسون العرب "الساتلات". وتساهم المنصات في القفرة المقبلة في اطلاق الساتلات، من نحو 200 حالياً الى 1000 في العقد المقبل، أي بمعدل اطلاقين كل اسبوع. الاطلاق البحري منحت ثورة الاتصالات عمرا جديدا وحياة مثيرة للمنصات النفطية البحرية المهجورة. هذه الهياكل الفولاذية العملاقة التي تعتبر كارثة على البيئة ويكلف التخلص منها مئات الملايين من الدولارات تصبح مورد رزق جديد عند تحويلها الي قواعد فضائية. واطلق على مشروع منصات الفضاء اسم "سي لانتش" Sea Launch، ويعني "الاطلاق البحري". وتشرف على عمليات الاطلاق سفينة مرافقة للمنصة تحمل على متنها فريقاً من 240 شخصاً. وتعمل سفينة القيادة كمركز للاشراف على عمليات تجميع الصواريخ واطلاقها. هنا تربط صواريخ المرحلة الاولى والثانية والثالثة مع حمولتها من الساتلات، ويُنقل الصاروخ الموحد الى منصة الاطلاق بواسطة رافعة ويُوضع على حمالة. صواريخ "زينيت" تحمل الأقمار صواريخ "زينيت" المصنوعة في اوكرانيا، والتي كانت تستخدم سابقاً في اطلاق الساتلات العسكرية وأقمار التجسس. وتذكر صحيفة "نيويورك تايمز" أن اختيار الصواريخ الروسية يعود الى قوة محركاتها التي لا تُضاهى. وتبحر السفينة والمنصة سوية نحو الموقع المخصص للاطلاق في خط الاستواء. وبعدما يُرفع الصاروخ ويُشرع في وضع الاطلاق يغادر أعضاء الفريق المنصة عبر ممشى بين الباخرتين. وتبتعد باخرة التجميع والقيادة مسافة خمسة كيلومترات عن المنصة، حيث يتم الشروع في عملية الاطلاق. ويندفع الصاروخ على ثلاث مراحل، تحمل المرحلة الأخيرة أقمار الاتصالات الى المدار المخصص لها. المدارالاستوائي تفتح منصات الاطلاق البحرية آفاقاً جديدة في صناعة الفضاء. فهي تطلق الصواريخ من منطقة خط الاستواء مستفيدة من اتجاه حركة دوران الكرة الأرضية من الشرق الى الغرب. وتبلغ سرعة دوران الأرض صفر في القطب، ترتفع تدريجاً حتى تبلغ 1600 كلم في الساعة في خط الاستواء. هذه الحركة تعطي قوة دفع للصواريخ تقلل من استهلاكها للوقود وتعزز سلامتها. وتضع منصات الاطلاق البحرية أقمار الاتصالات في مدارها الاستوائي مباشرة من دون الحاجة الى استخدام صواريخ اضافية لتعديل مسارها. وتقطع الصواريخ بذلك أقصر طريق الى المدار الفضائي على ارتفاع نحو 36 ألف كلم فوق سطح الأرض، في حين تضطر الصواريخ المنطلقة من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا في الولاياتالمتحدة الى حرق وقود أكثر لتعديل مسارها في اتجاه فوق خط الاستواء. وتدور أقمار الاتصالات في هذا المدار المتزامن مع حركة الأرض بسرعة مساوية لدوران الكرة الأرضية. ويضمن المدار المتزامن الموقع الثابت، الذي تسعى الى الحصول عليه شركات البث التلفزيوني الفضائي والهاتفي. الافتتاحية ل "هيوز" ويعكس الاقبال الواسع لصناعات الاتصالات العالمية على المشروع الجديد الثقة الكبيرة بنجاحه. فعلى رغم أن مشروع "سي لانتش" في بدايته ولم يتم اطلاق أي صاروخ حتى الآن حجزت شركة صناعات الفضاء والاتصالات العملاقة "هيوز" Hughes Space & Communications 13 اطلاقاً بما في ذلك أول اطلاق ل "سي لانتش". ويحمل الاطلاق الأول مركبة اتصالات تزن خمسة أطنان ستربط ألكترونياً البرازيل والمكسيك والولاياتالمتحدة. وحجزت الشركة العملاقة الثانية "لوريل" Loral Space & Communications Ltd. خمسة اطلاقات أيضاً. وتبلغ قدرة قاعدة "سي لانتش" نحو ثمانية اطلاقات فضائية سنوياً، يمكن أن ترتفع الى 15 اطلاقاً. بهذه القدرة تستطيع "سي لانتش" أن تضاهي القواعد الفضائية التابعة للولايات المتحدةوروسيا واوروبا. وفي الأسعار يمكنها التفوق عليها. فالمطار الفضائي "آريان سبيس" الاوروبي يتقاضى 55 مليون دولار عن كل اطلاق، وتتقاضى شركة الفضاء الأميركية "لوكهيد مارتن" 50 مليون دولار، في حين يتوقع أن لا تزيد كلفة الاطلاق في "سي لانتش" عن 40 مليوناً. الأعداء الأصدقاء وستخفف "سي لانتش" من بطء عمل صناعة الاطلاق الفضائى البيروقراطية التي تعود الى الحكومات. إذ غالباً ما تنتظر ساتلات الاتصالات على الأرض شهوراً وحتى سنوات قبل وصول دورها في الانطلاق. وقد حققت مؤسسات اتصالات عدة أرباحاً من مجرد بيع دور اطلاقها للآخرين. وجمعت الأرباح المتوقعة من المنصة الفضائية أعداء الأمس للمساهمة في المشروع: شركات صناعات البحر والفضاء من روسياواوكرانيا والنروج والولاياتالمتحدة. وتدل المؤشرات على أن الرياح مواتية لمشروع "سي لانتش"، الذي استثمر فيه مبلغ 500 مليون دولار. فالفضاء ينافس الأرض الآن في انشاء الهياكل الارتكازية للاتصالات. وسيقفز عدد أقمار الاتصالات من نحو 200 حالياً الى 1000 في العقد المقبل، أي بمعدل اطلاقين كل اسبوع. وليست خطوط الهاتف الدولي وقنوات التلفزيون الفضائي الحالية سوى الخطوات الاولى لانشاء الهياكل الارتكازية لصناعات الاتصالات والمعلومات والاتصالات في الفضاء. مئات الأقمار الاصطناعية تشق السماء في منعطف القرنين 20 و21: "الثريا" و"عربسات" و"إنمارسات" و"إريديوم" و"سكاي بريدج" و"آيكو" و"غلوبال ستار" و"وورلد سبيس" و"تيلديسك" و"أوديسي". عشرات البلايين من الدولارات تكلفها هذه المشاريع التي تدشن عصر بناء الهياكل الارتكازية للاتصالات والمعلومات في الفضاء.