إذا سار كل شئ على ما يرام فسينطلق مساء الجمعة من القاعدة الفضائية في غويانا الفرنسية على ساحل الأطلسي لقارة أميركا الجنوبية صاروخ إريان الأوروبي حاملاً على متنه قمر "عربسات 3-أ". تبلغ سعة القمر 20 قناة في الحزمة "كي يو" التي ستوفر خدمات الارسال التلفزيوني المباشر وبث رسائل الفاكس ومعطيات الكومبيوتر والانترنت. وتشمل تغطية "عربسات" الجديد بلدان جنوب أوروبا، إضافة الى منطقته العربية التقليدية. ويبدو "عربسات 3-أ" كتحية وداع للقرن العشرين واستقبال القرن 21 الذي يليه. فالتطورات التكنولوجية الجارية ستغير خلال السنوات الخمس المقبلة مشهد الاتصالات الفضائية بالكامل. ستحيط الكرة الأرضية صفوف من المدارات الحاشدة بأقمار على ارتفاعات تراوح مابين مئات الكيلومترات وعشرات الألوف من الكيلومترات. ولن تكون الأقمار وسيلة الاتصالات الفضائية الوحيدة. فالعالم سيشهد في العقد المقبل منّصات فضائية للاتصالات تحوّم فوق المدن على ارتفاع بضعة كيلومترات. ما هي اللعب الجديدة؟ ومن هم اللاعبون الجدد؟ وما موقع العرب في ملعب الامم الفضائية في القرن 21؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة تبحث عنها دراسة استراتيجية تعدها "المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية". خصخصة عربسات؟ الأقمار كالأولاد تجلب رزقها معها. عربسات الجديد باع كامل سعته القمرية قبل أن يغادر موقع انتاجه في مصانع "الكاتيل" في مدينة "كان" جنوبفرنسا. وذكر السيد محمد بن سعد الشهري رئيس مجلس إدارة "عربسات" أن مداخيل العام الماضي 1998 بلغت نحو 169 مليون دولار، محققة بذلك نسبة نمو تزيد عن 13 في المئة عن سنة 1997. وبلغت أرباح العام الماضي نحو 88.8 مليون دولار، وهي تزيد بنسبة 30 في المئة عن عام 1997. لكن رزق الحاضر مهما كان وفيراً لا يضمن البقاء في مواجهة التحديات التكنولوجية والاقتصادية المقبلة. وهذا هو السبب وراء بحث عربسات عن خطط استراتيجية جديدة وشركاء استراتيجيين جدد. وذكر محمد الشهري أن "عربسات" تناقش موضوع طرح أسهمها للاكتتاب العام، وتوازن فرص الخصخصة، وإعادة هيكلة المؤسسة. هذه التطورات التي لم تخطر قطعاً في بال مؤسسي "عربسات" قد تحدد مصير المنظمة التي نشأت تحت جناح جامعة الدول العربية في عام 1976. أجيال عربسات وذكر المهندس سعد بن عبدالعزيز البدنه، المدير العام لپ"المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية" أن سنة 1998 شهدت توديع الجيل الأول واستقبال الجيل الثالث من أقمار عربسات. ففي خلال السنة الماضية تم الاستغناء عن آخر أقمار الجيل الأول "عربسات 1-ج"، الذي بيع الى الادارة الهندية، كما تم الانتهاء من تصنيع "عربسات 3-أ". وتميزت السنة الماضية أيضاً بتنفيذ مشروع إعادة بث بعض المحطات العربية الى الدول الأوروبية عن طريق قمر "يوتلسات هوت بيرد4". وتمت حوسبة أعمال "عربسات"، وادخال النظام الرقمي الى أنظمتها، ووضعت خطط تقديم خدمات الانترنت للادارات الأعضاء ولمزودي خدمات "عربسات". والحدث المهم على الصعيد الاستراتيجي اعداد الدراسة الاستراتيجية لپ"عربسات" بالتعاون مع شركات استشارات دولية. تراجع الدراسة الخطط التجارية للعشر سنوات القادمة، وتدرس مجال الخدمات المتاحة، "بما في ذلك خيار إشراك القطاع الخاص والشركات العالمية وإعادة هيكلة المؤسسة تبعاً لذلك. وتكلف الخطة الاستراتيجية مجلس الأدارة البحث عن شريك استراتيجي في رأس المال". وتنظر الخطة موضوع تداول أسهم "عربسات" والطرح الأولي للاكتتاب العام للأسهم، وتناقش "محاسن ومساوئ خصخصة عربسات كلياً أو جزئىاً". 1000 قمر ويدرك المسؤولون في "عربسات" سعة التحديات التي يواجهونها. ففي السنوات الخمس القادمة سيقفز عدد أقمار الاتصالات التجارية من نحو 300 الى 1000. وكما في جميع جوانب التقدم التكنولوجي ليس المهم هنا القفزة الكمية، بل النوعية. فالفضاء الاتصالي الذي يحيط الكرة الأرضية سيضم أقمار "ليو" و"جيو" و"ميو". الأسماء مستقاة من الحروف الانكليزية الاولى لكلمات "مدار أرضي منخفض" LEO، و"مدار متزامن" GEO، و"مدار أرضي متوسط" MEO. تحلق أقمار "ليو" على ارتفاع منخفض يبلغ بضعة مئات من الكيلومترات. وأقمار "جيو"، ومنها "عربسات" تحلق على مدار مرتفع يزيد عن 36 ألف كلم في مواقع ثابتة متزامنة جغرافياً مع حركة الكرة الأرضية. ولن تكون الأقمار وسيلة الاتصالات الفضائية الوحيدة. فالعالم سيشهد في العقد القادم منصات فضائية تحوم على ارتفاع لا يزيد عن 20 ألف متر فوق المدن. منصات آلية تشبه الأطباق الفضائية تحلق دون طيار بشكل آمن فوق حركة الطيران التجاري. الخيارات العملاقة وسيقل حجم الهوائيات التي تتسلم الارسال الفضائي المباشر الى المستهلكين. وستصبح أنظمة الأقمار الصناعية الجديدة في خدمة الاتصالات الشخصية مباشرة. فهي تدمج مزايا الأنظمة الخلوية والفضائية ضمن شبكة عالمية واحدة. وتصبح الأقمار بذلك محطات قاعدية خلوية مدارية تتصل بها مباشرة الهواتف المحمولة باليد وأجهزة الاتصالات الشخصية الألكترونية الاخرى. ستحدث هذه التطورات التكنولوجية تغيرات لا يُعرف مداها في صناعة وأعمال الاتصالات. فالبث الفضائي المباشر الى المستهلكين سيزيل الحاجة الى وسيط بين الاثنين. هل سيؤدي هذا الى دخول صناعات الاتصالات الفضائية ميدان الخدمات؟ وكيف ستتصرف شركات الاتصالات التقليدية في كل بلد حين تجد نفسها في منافسة مباشرة مع الفضائيات؟ وكيف ستجد "عربسات" طريقها وسط الاندماجات العملاقة في صناعات الفضاء والاتصالات والاعلام والترفيه؟ وما هي الخيارات الاستراتيجية التي ستسقر عليها في الفضاء الاتصالي المزدحم بعمالقة في حجم "ألكاتيل" و"ايروسباسيال" و"هيوز" و"لوكهيد مارتين" و"بوينغ" و"ماكدونال دوغلاس" و"روكويل"؟ وما موقع "عربسات" في سماء القرن 21 المزدانة بمئات الأقمار الاصطناعية الخاصة بالاتصالات: "الثريا" و"إنمارسات" و"إريديوم" و"سكاي بريدج" و"آيكو" و"غلوبال ستار" و"وورلد سبيس" و"تيلديسك" و"أوديسي"؟... أقمار مختصة بنقل مكالمات الهاتف والفاكس وأجهزة المناداة، وأقمار للانترنت وتراسل المعطيات، وأقمار مكرسة لنقل البث الاذاعي أو التلفزيوني، وأقمار للاتصالات متعددة الوسائط، وأقمار للبث المباشر الى المنازل؟