1 "أما آن لك أن ... ؟". أتاه الصوت حاداً مستفزا. حاول التظاهر بعدم الاكتراث. اشار لها من نافذة السيارة القميئة إشارات لا تحمل أية دلالة. مغيباً. كان يبدو للمحيطين به. هذه العلامات البائسة على وجهه المكدود تشي بمأساة ألقى فيها هذه الكائن الوديع. لا يعرف كيف يتخلص من وخز الإبر الحادة الناتجة من أرجاء الصوت العفن. لا شك أنها أيقظته يومها من النوم. حاول التركيز لعله يتذكر شيئا ذا قيمةو أرسل نظرة تفوح بالاستجداء إلى عيني القمر الكامل. استقرأ ما كتب على وجهه المتألق وسط زحمة السواد المتلاطم. لملم أشلاء ذاكرته المكدودة، وقرر أن يعود إليها. لا شك أنها هناك، ولن تغادر ما لم يذهب إليها. 2 لم يعبأ بالخيالات المعتوهة التي سدت عليه روافد أفقه. ماذا يمكن أن يتغير لو عرف الحقيقة؟ فما حدث حدث حلماً كان أو غير ذلك .. ليس عليه الآن سوى التخلص من هذه الإبر الحادة التي تختزل عالمه كله إلى نقطة دقيقة سوداء عديمة القيمة. قطع نصف المسافة تقريبا .. يشعر أنه يسير في عكس الاتجاه .. كلما هم بالتراجع، استجداه شبحها بعدم العودة والاستمرار في الطريق نفسه. كان شبحها يحمل وجهاً قبيحاً، وعينين شديدتي الإحمرار. 3 حسم أمره وقرر أن يستمر مهما كانت النتيجة، فالوقت لا يحتمل التراجع. لاحظ اختفاء القمر .. لكنه لم يهتم. كانت الأشجار منحوته في رأسه المترامية الأرجاء. حمل أفكاره اللامعة النصل على كتفه المتعبة، وواصل السير بصعوبة ووهن. فتش في ذاكرته عن أشياء خلفتها له منذ طفولته الطرية، وصباه المنعش .. حاول أن يجد لما يحيطه من أشجار الصبار وهياكل الموتى ما يعادله في ذاكرته .. عبثاً ذهبت محاولته. لم يهتم عندما لاحظ اختفاء شبحها تماماً. 4 "أما آن لك أن تؤوب ..؟". انتبه فجأة على وخز صوتها .. بينما الإبر اللعينة لا ترحمه. كان شبحها يقف في الاتجاه المعاكس يخرج له لسانه. انزعج عندما تكشف له كم هو منفر الوجه. شعر بالأرض تقبض على قديمه محاولة قذفه في الفضاء الخانق. أدرك أنه سار في الطريق الخطأ.. فهل سيدجها لو عاد؟ وهل ستغفر له قسوته؟ حاول أن يخرج لسانه لشبحها ويتقدم بنبل وشجاعة فرسان العصور الخوالى.. لكنه لم يجرؤ على التقدم خطوةواحدة .. شعر أنه يقف على حافة الكون/ الجحيم .. خطوة وحيدة للخلف أو الأمام، يسقط بعدها في هوة سحيقة تفترسه فيها السعالي والغربان. ازداد الوخز صراخاً .. تحسس رأسه بفزع .. كانت الإبر الحادة منغرزة في جمجمته .. بينما يغمرها سائل دافئ يتلزَّج .. ويخرج لسانه بحسرة لشبحها الدميم. * كاتب مصري.