عاش الراحل لطفي الخولي في أواخر أيامه قطيعة من معظم المثقفين المصريين بعد تورطه بقضية التطبيع مع إسرائيل، المصير نفسه يعيشه حالياً الكاتب المسرحي الشهير علي سالم، وغيره من الذين سبقوا الخولي إلى مستنقع التطبيع. هذا الموقف من المثقفين المصريين ليس لمجرد أنهم "يبحثون عن جنازة ليشبعوا فيها لطماً"، كما يقول المثل الشعبي المصري، وإنما لإيمانهم أن هؤلاء "المطبعين" ارتكبوا عملاً يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان العربي، وخرجوا على إجماع المثقفين المصريين والعرب الداعي إلى رفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي بكافة أشكاله. كما أن هذا الإجماع بالرفض ليس مصدره العجز أمام عجلة الثقافة الإسرائيلية والغربية، أو الخوف من غزو ثقافي إسرائيلي مُحْتَمَل، كما يقول علي سالم في كتابه "رحلة إلى إسرائيل" الذي أصدره بعد زيارته الأولى لإسرائيل صيف 93، وبرر فيه التطبيع ، وحشد فيه تفاصيل تلك الرحلة التي أدت إلى العزلة الاجتماعية التي يعيشها الصديق "ابو علوة". المثقفون المصريون يرفضون التطبيع مع إسرائيل لأنه سيؤدي حتماً إلى فتح القنوات الثقافية بيننا وبين إسرائيل كما هو حادث بين العواصم العربية. وهذا يعني أمام رجل الشارع والمتلقي العادي أن إسرائيل أصبحت جزءاً منا، نتحدث عن مشاكلها، ونسمع فنونها، ونُدْخِلها في خصوصيتنا، ونتبسط معها تبسط الأهل والأقارب، ونصبح وإيّاها "سمناً على عسل"، وهذا ما لا يريده المثقفون المصريون والعرب. فإسرائيل لازالت عدونا وتحتل أرضنا وتهدم بيوتنا وتدنس قدسنا، و تتحدث عن السلام في النهار، وتنشط في بناء المستعمرات في المساء، فضلاً عن أنها غير راغبة أن تذوب فينا، وتدرك أنه من المستحيل أن نصبح نحن العرب يهوداً، ونحن الأنذال نشتم بعضنا بكلمة يا "يهودي". إن موقف الثقافة المصرية من قضية التطبيع الثقافي مع إسرائيل موقف تاريخي أصيل يثبت للجميع أن المثقفين المصريين مدركون تماماً لمكانتهم الثقافية في العالم العربي وأنهم لايستطيعون أن يتصرفوا كما يتصرف بعض الصغار من العرب الذين يعتقدون أن التقارب مع إسرائيل واقعية سياسية.