سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لمناسبة مرور سنة على إعلان "تحالف كوبنهاغن". "الحياة" أجرت مواجهة بين أبرز أقطابه وانشط معارضيه في مصر : لطفي الخولي : الرافضون لحركتنا أقلية وإذا فشلنا سنبحث عن صيغة أخرى . صلاح عيسى : لسنا ضد السلام لكننا نرفض التطبيع مع إسرائيل
احتفل أنصار "تحالف كوبنهاغن الدولي للسلام"، في مصر أخيراً بمرور عام كامل على إعلان حركتهم بطريقة صاخبة ومثيرة لمزيد من الجدل حول توجههم. فمن جانب رفع هؤلاء دعاوى قضائية أمام المحاكم المصرية ضد قرارات التحقيق معهم في نقاباتهم المهنية لخرقهم الحظر المفروض على التطبيع مع اسرائيل، ويأملون في صدور حكم يدعم موقفهم. على جانب آخر تقدم نحو ثلاثين عضواً بأوراق تأسيس جمعية أهلية تحت اسم "حركة القاهرة للسلام الآن" على غرار "حركة السلام الآن" الاسرائيلية وينتظرون موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية المعنية بالإشراف على انشطة مثل هذه الجمعيات. كما أنهم يعدون الآن، بالتنسيق مع نظرائهم الاسرائيليين، لمؤتمر سيعقد في إحدى العواصم الاوروبية تحضره شخصيات سياسية عالمية لتوفير الغطاء الدولي اللازم للحركة التي تعاني بشدة حاليا من جمود فعالياتها، بسبب عزلتها على الصعيدين المصري والعربي. المناهضون لتلك الحركة من نشطاء مقاومة التطبيع يرون أن مرور عام كامل على تأسيسها هو مناسبة جيدة للتحرك من أجل إنهائها، لجهة أنها كانت "سكيناً مسموماً شق حركتنا"، حسب تعبير أحدهم. "الحياة" أجرت مقابلتين: الأولى مع عميد الجانب المصري في تحالف كوبنهاغن الكاتب لطفي الخولي، والثانية مع أحد أبرز نشطاء مقاومة التطبيع مع اسرائيل الكاتب الصحافي صلاح عيسى، وكلاهما أكد أن العراك بين المثقفين المصريين بسبب قضية التطبيع تدنى الى مستوى غير مقبول، وباستثناء ذلك فإنهما لم يتفقا على شيء. وهنا نص المقابلة مع الخولي: يرى البعض أن تحالف كوبنهاغن هو بمثابة فخ وقع فيه بعض المصريين والعرب. ما رأيك في ذلك؟ - إن ما تم اعتماده كبنود للإعلان هو مزيج من الورقة المصرية والورقة الفلسطينية في هذا الشأن بنسبة 90 في المئة، ونحن لم نأخذ المبادرة منفردين بل كانت كل القوى المعنية ممثلة، خصوصاً الجانب الفلسطيني الذي مثلته قيادات من فتح وحماس والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية بالإضافة الى ممثلين للمرأة والعمال ولعرب 48. والجانب الإسرائيلي كان ممثلاً في فعاليات يسارية من حزبي العمل وميريتس، إضافة الى مستقلين يساريين و"حركة السلام الآن"، وبعض فعاليات الوسط الإسرائيلي من حزب غيشر. وكل التحفظات التي وردت في محضر الاجتماعات كانت تصب في الخانة المصرية وليس العكس. بل إن يائيل ديان، إبنة وزير الدفاع الإسرائيلي الراحل موشيه ديان، طالبت بوقف بناء المستوطنات لأنها واقع استعماري وعقبة في طريق مسيرة السلام تعطل جهود وقف العنف المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. أيضاً لم يمنع التحالف مثلاً الشيخ جميل حمامي من أن يؤكد أن القدس هي عاصمة فلسطين. أيضاً نحن فرّقنا بين كوننا ضد العنف والإرهاب وبين شرعية مقاومة الاحتلال في أي موقع. هذا قليل مما نرد به على من يتصورون أن ورقة كوبنهاغن اسرائيلية. يأخذ البعض أيضاً على "إعلان كوبنهاغن" أنه أدى الى انقسام المثقفين العرب، وخلا في الوقت نفسه من أية آلية لتحقيقه على أرض الواقع؟ - في المرحلة الأولى وبعد الإعلان اجتمعنا لتحديد حجم الحركة وشكلنا مجلساً رئاسياً وهذا يتكوّن من شخصيات مرموقة عالمياً مثل فيليب غونزاليس رئيس وزراء اسبانيا السابق، والمستشرق الروسي سوسوخوف، وأيضا تم تكوين لجنة الإدارة والتوجيه من مندوب عن كل جماعة، ومن أوروبي يعينه الاتحاد الأوروبي، وأميركي لم تحدد شخصيته حتى الآن، وإن كان هناك اتجاه الى اختيار روبرت بللترو مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط. وهناك أيضاً أربع لجان لآلية العمل لجنة المتابعة لتنفيذ الاتفاقات السلمية - لجنة متابعة حركة الاستيطان - لجنة مراقبة العنف وحقوق الإنسان - لجنة تنمية السلام ونزع أسلحة الدمار الشامل. أظن هذا يرد على تساؤلك بشكل كافٍ. ربما كان ذلك صحيحاً ولكن تحالف كوبنهاغن لم تختبر صدقيته حتى الآن، لدرجة أنك اتهمت بعض الأطراف الإسرائيلية بالتقاعس؟ - قبل أن يمر شهر على تأسيس الإعلان فوجئنا بحادث خطير يختبر صدقية التحالف، وهو بناء مستوطنة جبل أبو غنيم، فنظمنا مسيرة جماهيرية، وكانت المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي أن تتحرك مسيرة سلمية تندد بالاحتلال والاستيطان داخل إسرائيل وعلى نحو مشترك بين عرب وإسرائيليين، وعقدنا مؤتمراً جماهيرياً في موقع المستوطنة نفسه تحدثت خلاله باسم التحالف الدولي متهماً نتانياهو بأنه عنصري وصهيوني وخارج إطار التاريخ، وأنه لا يبني مساكن للناس بل يبني قبوراً للإسرائيليين والفلسطينيين معاً. واستمر التحالف ولا يزال مستمراً في هذا الإطار. هل حدثت تراجعات بعد زخم البداية المدعومة من الاتحاد الأوروبي؟ - لم ألحظ التراجع الذي تتحدث عنه، وإذا كانت هناك خلافات وانتقادات فهذا دليل حيوية، وعندما نقف في وسط الحركة وفي اجتماع عام في سفارة الدانمارك في القاهرة ونقول إن هناك بعض القوى الإسرائيلية وليس كل القوى المشاركة لا تقوم بواجباتها، وإننا لن نسكت عن ذلك ولن نقبل بمجرد الكلام النظري، فهذا النقد وهذا التقويم هما من داخل الحركة، فهل هذا مصدر قوة أم مصدر ضعف؟ إنها قوة وحيوية، نحن لا نخفي شيئا، قلنا لهم إذا لم يمض التحالف في طريقه الذي اتفقنا عليه روحاً ونصاً، فإنه كما كان لدينا الشجاعة كمثقفين أفراد أن ندخل كوبنهاغن ونعلن ذلك ونواجه ما نواجهه من اعتراضات مثل أي طليعيين في العالم، فإننا أيضاً لدينا الشجاعة نفسها لأن نتراجع إذا وجدنا أن الأمور ستصل الى درجة أن نظل فقط نظريين. سنعود الى شعبنا ونقول له: إن هذه الحركة فشلت، ولأننا، من ناحية الاختيار، مع القوى الشعبية المؤيدة للسلام لدى العرب ولدى الإسرائيليين ولدى المجتمع الأوروبي، فنحن نستطيع أن نضع صياغة أخرى ونختار وضعاً آخر، واتفقنا في هذا الإطار على عقد مؤتمر دولي كي تكون هناك آلية وأرضية واضحة ومشتركة مع كل من اللوبي الأميركي واللوبي الأوروبي وداخل اسرائيل أيضا. وللعلم فإنه تم عقد ستة اجتماعات تحضيرية في عواصم عالمية وعربية وإسرائيل لهذا المؤتمر استعداداً لعقد هذا المؤتمر. بالإضافة الى مسيرة جبل أبو غنيم ما النجاحات التي حققها هذا التحالف خلال عام كامل؟ - عقدنا اجتماعات جماهيرية عدة داخل إسرائيل مع "حركة السلام الآن"، ومع "مجلس العلاقات الدولية لإسرائيل"، وهو تجمع يضم كل القوى الممثلة في الكنيست والجامعات والصحافة، وأيضاً عقدنا اجتماعاً مع "جماعة ضباط الاحتياط للأمن والسلام"، وتزعمهم الآن شلومو لاهط، عمدة محافظ تل أبيب السابق، وهذه الاجتماعات عقدت داخل اسرائيل. على الجانب نفسه ما تقويمك لمواقف المثقفين الإسرائيليين داخل التحالف علما أنك اتهمت من قِبل بعضهم بالتقاعس؟ - المثقفون الإسرائيليون هم مثل المثقفين العرب، بينهم من هو مع ومن هو ضد، من هو متقدم، ومن هو متأخر، ولكن تحديداً لم تحدث انسحابات من جانب من شاركوا في الحركة، وإذا كنتُ قد تكلمتُ عن التقاعس لدى بعض المشاركين الإسرائيليين فهم أيضاً لاحظوا تقاعساً على الجانب المصري، أو ما يسمونه "عدم إيجابية" في مواقف معينة نراها تطبيعاً مرفوضاً تماماً لأن الحركة سياسية وليست تطبيعية. أنا قلت لديفيد كيمحي: "أنت لا تقوم بشغلك في التحالف على غرار ما يفعله أعضاء "حركة السلام الآن"، التي هي حركة نشطة وشجاعة وتواجه، أنت رجل مكتبي". كيمحي قال: "أنتم تذكرون لنا كلمة تطبيع عند كل مشروع نتقدم إليكم به للتعاون ما بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني". "نعم"، قلت له، "نحن غير معنيين بالتطبيع، واقتراحاتك في شأن كتب محررة بأقلام اسرائيلية - عربية للأطفال، وتعاون البلديات الإسرائيلية - الفلسطينية، يدخل في إطار التطبيع الذي نرفضه". مع الأسف الشديد، في الوقت الذي نرفض نحن التطبيع فوجئنا بسفر عدد من الصحافيين الناصريين والإسلاميين والشيوعيين والليبراليين المصريين، من وراء الظهور، الى كوبنهاغن، في حركة التفاف غريبة. هل زاد عدد المشاركين في كوبنهاغن الآن عن البداية الأولى؟ - نعم ولولا ذلك لما فكرنا في المؤتمر الدولي الذي نعد له حالياً ولما عقدنا الاجتماعات الجماهيرية التي أشرت إليها الآن. هل هدف هذا المؤتمر محاولة انقاذ وليد يوشك على الموت؟ - التحالف ليس موشكاً على الموت والمؤتمر الدولي هو ضمن تخطيطنا من البداية، كما أنه لم ينسحب أحد المصريين من عضوية التحالف بل إن عددهم عند التأسيس كان 9 ووصل الآن الى 300. وليس لدينا أي توجس من المستقبل لأننا ندرك أن أي عمل بشري قابل للنجاح والتطور وأيضاً قابل للجمود والانتكاس. وهذا هو الموقف العلمي والتحليل الموضوعي للأحداث، أنا لست أسيراً لفكرة تحالف كوبنهاغن ولكن أرى فيها وسيلة لخدمة قضية السلام، وإذا تغيرت الظروف وأصبحت تتطلب صيغة اقوى وأنا لا اعرف الآن ماهية صيغة كهذه، سأكون أول المنادين بها لأن الصيغة الحالية ليست مقدسة. هل حدث تغير في موقف الاتحاد الأوروبي؟ - بالعكس فموقفه ازداد قوة وإلا كيف كنا سنمول هذه الحركة. قوتنا جاءت من قوة الدفع الأوروبية. عادة أوروبا كانت تصطف تلقائياً، نتيجة التوجه الايديولوجي، وتراث الاضطهاد والنازية، خلف إسرائيل. أما الآن فهي مشاركة في لجان العمل ولسان حالها يقول "أريد أن أعرف من مع السلام ومن ضده"، بل أصبحت قوة مراقبة وتتخذ مواقف مما يحدث. والآن هناك جماعات أوروبية كثيرة على علاقة بتحالفنا وهناك تظاهرات ضد إسرئيل. أيضاً الاجتماعات واللجان والاتصالات الدولية والمؤتمرات كلها تحتاج الى تمويل وإذا لم يكن شفافاً يصبح خطراً، والاتحاد الأوروبي يوفر هذا التمويل ويكفل شفافيته. أما الاميركان فنحن نحاول الارتباط بهم، ونحن اجتمعنا أخيراً بقوة رمزية من اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة تمثل "اللجنة المركزية للاميركان اليهود"، وهم اصحاب مواقف متقدمة ومعارضين لأسلوب واتجاهات نتانياهو، وهناك كذلك عدد من المثقفين الاميركان يتصلون بنا. لكن لا يخفى أنكم تواجهون مشكلة على الصعيد المصري؟ - مع غالبية المثقفين والقوى الشعبية في مصر ليست هناك مشكلة، المشكلة هي مع مجموعة من ذوي الأصوات العالية، عندهم فرص للنشر في الصحف والمشاركة في حركة الأحزاب السياسية، وهؤلاء لا يتجاوزون الألف الى ألف وخمسمائة شخص، أنا بينهم أمثل أقلية، نعم، لكن على صعيد المجتمع نحن لسنا أقلية، وإذا كان المثقف هو الذي يهتم بالشؤون التي تخرج عن إطار ذاته فإنه لا توجد أي مشكلة مع مجتمع المثقفين، وكثير من أساتذة الجامعة والصحافيين والمهندسين وغيرهم معنا. أنا مشكلتي مع ذوي الأصوات العالية وأنا اسميهم "القاعدون على رصيف حركة الأحداث"، كل منهم يضع نفسه في موقع القاضي ومسؤول العناية الإلهية والمدافع عن القومية العربية والصراع العربي - الإسرائيلي من دون أن يقوم بعمل كفاحي أو يقدم تضحية مادية أو شخصية في هذا الاتجاه. وأنا أحس أن بقية جموع المثقفين ورائي، وإذا كانت دراسات اليونسكو تحدد نسبة من يهتمون بالمسائل العامة في أي بلد بما بين 2 إلى 15 في المئة وأنها تصل الى 5 في المئة في مصر، فإن معظم تلك النسبة معي. ثم هم احرزوا في المقابل ماذا؟ قالوا: كل النقابات ضد تحالف كوبنهاغن وعندما اجتمعوا كانوا 16 فرداً بمن فيهم من هم على المنصة. المشكلة هي اننا وهم في زورق واحد، نحن وهم ضد إسرائيل الاستعمارية، الخلاف بيننا هو أن اسرائيل التي بنيت عليها تصوراتنا، اسرائيل 48 و67، لم تعد الكتلة الصماء، فالحرب أعادت تشكيل المجتمع الإسرائيلي والصراعات رهيبة على المستوىين السياسي والديني، فنحن ليس لدينا معرفة بالجانب الإسرائيلي ونطمح الى اكتساب هذه المعرفة. كما ذكرت هناك أربع لجان في التحالف، منها لجنة لمراقبة حقوق الانسان، وأخرى لمراقبة الاستيطان، وثالثة لنزع اسلحة الدمار الشامل، فهل هناك آليات حقيقية لعمل هذه اللجان؟ - يكفي أن تعرف أنه تكونت لجنة داخل إسرائيل لإسقاط نتانياهو قبل انتهاء مدته. صحيح لم نحرز تقدما في هذه المجالات ولكننا نسعى الى ذلك. يرى البعض أن كل ما فعله "تحالف كوبنهاغن" هو أنه أشعل حرباً أهلية بين المثقفين العرب وخصوصاً المصريين؟ - لو كانت هذه الحرب حقيقية فإن الوسط الثقافي المصري الذي يتصور أن الخلاف في الرأي يمكن أن يصل الى حد الحرب الأهلية يكون متخلفاً وغير قادر على الاختلاف ولا يستحق البقاء. وفيما يلي نص المقابلة مع صلاح عيسى: أعلنت غير مرة أن "تحالف كوبنهاغن" مات لحظة ميلاده... ما الأسس التي تستند اليها في ذلك؟ - رأيت ذلك لأن مظاهر الوجود العلني لهذا التحالف سواء على الصعيد المصري أو الإسرائيلي وحتى الصعيد الدولي مفقودة. الغطاء الذي تم استخدامه لتسويق المشروع حاول أن يكون بعيداً عن حساسيات منشأها ان تكون مصدره اسرائيل من دون جدوى، وهناك الآن انحسار للحركة وللذين تزعموها. الفكرة كانت في الأساس تهدف الى إنشاء منظمة مثقفين دولية، كما قال أصحابها. هم قالوا إنهم سيبدأون كمجموعة صغيرة تعلن وجود هذا التحالف، على أن يعود كل منهم الى بلاده ليدعو لها فيتكون في كل بلد فرع لهذا التحالف. وجرت فعلاً محاولة لإنشاء الفرع المصري عن طريق تشكيل جمعية ما يسمى ب"حركة القاهرة للسلام" وفقاً لقانون الجمعيات الأهلية، ولكن المشروع تعثر على صعيد التنظيم. نحن أمام تحالف تشكل على مستوى القمة وليست له جذور لا في داخل البلاد العربية ولا داخل اسرائيل، هم يعتمدون على "حركة السلام الآن"، في اسرائيل، ولم نسمع عن نشطاء سلام آخرين في اسرائيل أو الاردن او فلسطين. وأنا أؤكد أنه لا يمكن ايجاد مساحة لهذا التحالف داخل مجموعة المثقفين العرب. ولكنك ترى أنه أشعل حرباً أهلية بين هؤلاء المثقفين؟ - نعم، إذا كان لتحالف كوبنهاغن من انجاز فإنه لا يتعدى إشعال الحرب الأهلية بين المثقفين العرب. وأسوأ ما فيه هو ان العناصر التي تزعمت الدعوة اليه كانت في السابق من ابرز عناصر الجبهة الداعية لاستخدام سلاح وقف التطبيع كسلاح تفاوضي في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي، فجأة ومن دون سابق انذار انتقلت هذه المجموعة الى الجبهة الأخرى، في حين أن هناك عناصر من تلك الداعية الى التطبيع كانت في سبيلها للاقتناع بصواب التوجه الأول. دعاة كوبنهاغن هم قسم مؤثر واساسي وشخصيات مهمة لها تقديرها واحترامها، ولكنها اجتهدت في الطريق الخاطئ، بل هو اجتهاد بالغ الخطورة وفي توقيت بالغ السوء. وأيضا كان الموقف مفاجئاً وغير مبرر ولم يسبقه أي تمهيد أو إعلان، هذا استدعى رد فعل عصبي من الجبهة الأخرى، واعترف أن رد الفعل تجاوز الحدود ودفع الطرف الآخر الى الخصومة، ووصلنا الى وضع مأسوي: دعوى أمام القضاء للطعن في مشروعية حركة مقاومة التطبيع، وإذا صدر حكم لمصلحة مجموعة كوبنهاغن فسينسحب بدوره على قرارات النقابات المهنية المقاومة للتطبيع وسيستدعى الإجابة عن سؤال بالغ الخطورة، هل قرارات النقابات ملزمة أم لا، كما أنه سيشجع آخرين في نقابات أخرى، على مخالفة قرارات الحظر لتعم الفوضى. والخلاصة هي انني أرى أن تحالف كوبنهاغن حركة سلبية أضرت بنا جميعا. هل حدثت اختراقات على الصعيد الثقافي المصري أو العربي في اتجاه هذه الحركة خصوصاً أن السيد لطفي الخولي يقول إن غالبية المثقفين المصريين تؤيده؟ - القول بأن غالبية المثقفين تؤيد جماعة كوبنهاغن هو قول فيه مغالطة كبيرة لأن القائلين بذلك يخلطون عمداً بين أمرين. الأول أن جماعة المثقفين المصريين تؤيد السلام وتدعو اليه، وهذا موضوع آخر، والثاني أن تحالف كوبنهاغن ليس موضوعه السلام بل تطبيع العلاقات بين المثقفين العرب والمثقفين الإسرائيليين. هم - أي جماعة كوبنهاغن - يصورون من يعارضونهم بأنهم ضد السلام، وهذا غير صحيح، وإذا كان ما يقصده لطفي الخولي هو أن المثقفين مع السلام، فإنني أقول: نعم هم مع السلام ولكنهم ليسوا مع التطبيع، نحن نعتقد أن عدم التطبيع هو ورقة ضغط لتحقيق السلام وليس العكس. ومن يسعون الى تطبيع العلاقات، بمن فيهم مجموعة كوبنهاغن، يسلمون للإسرائيليين مجاناً أهم ثمن للسلام ويدفعون المتشددين الى مزيد من التشدد. تحالف كوبنهاغن هو ضد السلام رغم إدعاءات أصحابه انهم مع السلام. ثم إن على لطفي الخولي أن يدلنا على مثقف، حتى من الدرجة الثالثة، انضم اليه، حتى أنهم عندما شرعوا في تأسيس "جمعية القاهرة للسلام"، كان التضارب في تحديد الأعضاء واضحاً، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على انحسار الحركة، وانها تلفظ انفاسها. ربما أدت حركة كوبنهاغن الى توضيح مواقف كانت ملتبسة؟ - هذا صحيح في جانب، لكنها أيضاً أحدثت استقطاباً غير مرغوب واتسم بالحدة ودرجة من العصبية في الحوار السياسي تدعو للخجل من كل الأطراف. والنقطة المهمة هي أن هذه الحركة كشفت عن وجود التباسات في حركة مقاومة التطبيع، فهناك مناطق تحتاج الى نوع من الاتفاق على المفاهيم التي تحركها، هل نعتبر التعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية تطبيعاً أم لا؟ وهذا موضوع محل اختلاف. وهل الحوار مع الإسرائيليين تطبيع أم لا؟، هل يكون الحوار في الداخل أم في الخارج أم في الاتجاهين معاً؟، هل هناك شيء اسمه تطبيع ثقافي أم أن المقصود والأخطر هو التطبيع الاقتصادي وإنشاء علاقات اقتصادية وتجارية؟ أنا دعوت وما زلت أدعو الى مؤتمر لنشطاء حركة مقاومة التطبيع للاتفاق على مجموعة من المفاهيم الاساسية في الحركة. كيف ترى مستقبل جماعة كوبنهاغن خصوصاً أنها ما زالت قائمة عملياً؟ - ستذوي تماماً بحكم الواقع وبحكم أنه لا يوجد أي مبرر حقيقي لوجودها، نحن لسنا ضد أن ينشط السلام في اسرائيل، ولكن ما المبرر أن ننشيء معها علاقة؟ ستظل جماعة كوبنهاغن منحصرة في حدود النخبة والمجموعة المؤسسة ولن يكون لها أية تأثير في الوسط الثقافي في مصر.