ذات يوم من أيام خريف 1910، دخل إلى مكتب ديكتاتور المكسيك الجنرال بروفيريو دياز، شاب ملتح يتلعثم في كلامه إلى درجة يبدو معها أنه عاجز عن نطق أي حرف بشكله الصحيح. وكان الديكتاتور مضطراً، كما خيل له، إلى استقبال الشاب، لأنه يعرف أنه سليل إحدى أغنى وأقوى عائلات المكسيك. أما الشاب وكان اسمه فرانشيسكو ماديرو، فلم يأت إلى مكتب الرئيس الديكتاتور ممثلا لعائلته، بل ممثلاً ل "الشعب المكسيكي" مطالباً دياز بالديموقراطية، مقدماً له كتاباً كان قد نشره أخوه بعنوان "الخلافة الرئاسية"، وفيه دعوة إلى انتخاب رئيس جديد وضد إعادة انتخاب دياز الذي كان يحكم البلد منذ أربعة وثلاثين عاماً. والحال أن ماديرو لم يكن يجرؤ على القيام بتلك الخطوة لولا أنه كان قد صدق ما صرح به دياز للصحافة الأميركية من أنه، والبلد على أبواب انتخابات يريد خوضها، مستعد للتحاور مع المعارضة شرط ان تكون سلمية. بيد أن الحوار بين الرئيس وماديرو انقلب إلى كلام عبثي. إذ في الوقت الذي راح فيه هذا الأخير "يطرشق" بالكلام حول الديموقراطية ومصالح الشعب وضرورة تنحي دياز لافساح الطريق لانتخابات حرة وديموقراطية، نظر دياز إلى ماديرو نظرته إلى مجنون وراح يأخذه على "قدر عقله" وهو يعرف أن الأميركيين الشماليين، لسبب أو لآخر، يقفون مناصرين له. انتهت المقابلة وفهم منها كل واحد ما شاء أن يفهمه: فهم دياز أن ماديرو مجنون وبهلوان لا يشكل أي خطر، وفهم ماديرو ان دياز لا يريد أن يقدم أي تنازل. ومن هنا كان لا بد من الانتقال بالتحرك إلى المرحلة التالية: مرحلة الثورة. وكان يعرف أنه لن يكون وحده إذ سبق له أن اتصل بالثائرين زاباتا في الجنوب وبانشو فيلا في الشمال اضافة إلى كونه يضمن سكوت الأميركيين عن تحركه. وعلى هذا النحو أعلن ماديرو ثورته اعتباراً من يوم 17 تشرين الثاني نوفمبر 1910 داعياً الشعب إلى الانتفاضة على حكم الجنرال دياز حاملاً شعاره "نعم للانتخابات الحقيقية. لا للتجديد لدياز" غير آخذ في حسبانه أن الشعب ليس غاضباً كل الغضب على دياز، إذ أن هذا الأخير كان قد ضمن خلال سنوات حكمه شيئاً من الأمن الاجتماعي والتحديث والتصنيع، مما أدى إلى خلق طبقة وسطى مزدهرة. والحال أن تحرك ماديرو إنما كان يعبر، في عمقه، عن تطلع أبناء تلك الطبقة إلى المشاركة في الحكم بالاستناد إلى قوتهم الاقتصادية، وذلك عن طريق اللعبة الديموقراطية نفسها وهي اللعبة التي لم يكن دياز ليرى أنها تناسب أي بلد من بلدان أميركا اللاتينية يسوده الجهل والتخلف. وكانت النتيجة ان اندلعت الثورة في ذلك اليوم، لتنتهي بعد ستة أشهر بتنحية دياز عن السلطة ونفيه إلى فرنسا وهو في الحادية والثمانين من عمره. وعلى ذلك النحو أضحى ماديرو رئيساً للبلاد اعتباراً من شهر تشرين الثاني 1911، فهل تمكن من تحسين الأحوال في المكسيك؟ الجواب المنطقي هو: أبداً. لأنه سرعان ما تبين أن ماديرو لا يحمل أية رؤية سياسية أو اجتماعية خلف شعاراته البراقة، وأنه ليس على أي استعداد لتنفيذ أي من الوعود الكثيرة التي وعد بها الشعب خلال الثورة. وهكذا، راح حلفاؤه القدامى يتخلون عنه. وهو الذي كان قد دخل مدينة المكسيك بطلاً وزعيماً ثائراً، صار محل كراهية الثوار، فإذا بزاباتا واوروزكو وبانشو فيلا يتحركون ضده متهمينه بالتواطؤ مع الطغمة المالية الحاكمة، ومع الأميركيين الشماليين، ومصرين على ضرورة أن يحقق الوعود الاجتماعية. فماذا كان رده على حلفائه؟ بكل بساطة ارسل قوات الجيش لقمعهم.