عدد من المؤلفين. الأحزاب والتعددية السياسية في الأردن. مؤسسة شومان، عمان، والمؤسسة العربية للنشر، بيروت. 1999. 140 صفحة. مضت سبع سنوات على تجربة التعددية الحزبية في الأردن، وعشر سنوات على "التحول السلمي" نحو الديموقراطية، كما يسميه رئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات، وذلك منذ اجراء الانتخابات النيابية بعد توقف زاد عن عشرين سنة. غير أن المعنيين بالشأن العام في الأردن يكادون يجمعون على أن التجربة الحزبية لم تحقق نجاحاً يذكر على طريق "التنمية السياسية". اما الالتزام الرسمي إزاء هذا التحول فموضع تشكك وجدل. ومن يقرأ هذا الكتاب، وهو في الأصل محاضرات، يخرج بانطباع مفاده ان الأحوال لم تتغير كثيراً عما كانت عليه أواخر الثمانينات، مع فارق أن تلك المرحلة كانت مفعمة بالوعود والآمال الكبيرة بخلاف المرحلة الحالية التي تتسم بالركود السياسي الداخلي، ان لم يكن بالاحباط، على ما ذهب بعض مؤلفي الكتاب. ففي رأي رئيس مجلس النواب ورئيس الحزب الوطني الدستوري، عبدالهادي المجالي، "ان الأحزاب الوطنية الوسطية فشلت في انشاء الجماعة الحزبية الحقيقية. أما الحزب الجامع لهذه الأحزاب الوطني الدستوري فقد جوبه بحملات شعواء لأن أطراف المعادلة الحزبية والمعادلات السياسية في الأردن رأت فيه خطراً على استمرارها". واشارة المجالي هنا تعيد الى الأذهان الاستقالات الواسعة التي شملت الحزب بما في ذلك مراتبه القيادية المختلفة، مما اضطر القائمين عليه بعد انحسار عضويته من نحو 14 ألف عضو الى ألفين تقريباً لإعادة توصيفه بأنه حزب النخبة وليس حزباً جماهيرياً. وهذا بينما يرى في محاضرته عن تحديات بناء الأحزاب في الأردن "ان النخبة المثقفة المؤهلة للقيادة ما زالت تسعى الى تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى. فالمثقون لهم أجندتهم الخاصة في معظم الأحيان والناس لهم منطلقاتهم ومصالحهم ومخاوفهم، وأن التيار الغالب في البلاد وجله من الوسط لم يع حجم قوته وأثره في المجتمع كما لم يدرك بعد تباين المصالح بين فئاته، ولهذا تشابهت طروحات الفئات المثقفة المسيسة فيه وتتمحور حول المسائل السياسية الكبرى دون اهتمام حقيقي بالمصالح الحقيقية لأبناء هذا التيار ومعظمها يقع في الجانب الاجتماعي والاقتصادي". وملاحظة المجالي هنا على جانب من الأهمية، إذ أن التسييس المفرط تجلى في الانشغال التام ب"المسائل السياسية الكبرى" بعيداً عن الجانب الاقتصادي والاجتماعي، أي عن السياسة الفعلية والحياتية واليومية والتي تفترض الانقسام والاستقطاب حولها حسب مصالح ورؤى الشرائح المختلفة للتيار "الغالب". وهذا ما يفسر جانباً مهماً من جوانب ضعف الجاذبية الحزبية، وبالتالي فشل التجربة حتى الآن، اضافة الى ما يعانيه بعض الأحزاب من "شخصانية وفئوية وجهوية ومن استقواء معظمها بالاقليمية والعشائرية والطائفية والمصلحية، مما عمّق من الشروخ الوطنية وزاد من قناعة المواطن بعدم جدوى الحزبية"، كما ذهب الى ذلك رئيس الوزراء الحالي عبدالرؤوف الروابدة في محاضرته المنشورة، والتي ألقاها السنة الماضية بصفته نائباً. أما جميل النمري الكتب وهو أحد قيادي "حزب اليسار الديموقراطي"، فيرى ان "المشكلة تتصل بواقع مجتمعنا وبقابلية الناس واستعدادهم للقبول بالديموقراطية، أي الشعور بالانتماء الى جماعة سياسية والقبول بالاحتكام الى التصويت وبمبدأ الأقلية والأكثرية، وبالهزيمة. بينما لم تستطع الأنماط الجديدة لمؤسسات المجتمع المدني أن تحل محل الأنماط التقليدية القديمة في مجتمعنا العشائري". وكما أن "قبول الغالبية بالهزيمة هو من أهم البراهين على تجذر الديموقراطية"، فكذلك "ليس بالامكان الاستمرار والنمو في حياتنا" السياسية إلا من خلال منطق التسويات الذي أبدعت فيه المجتمعات الغربية. أما العين ورئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات فيرى أن الالتزام بالاصلاح والمسؤولية الوطنية قد خف كثيراً، ولو بالتدريج، حتى تلاشى، ورأى ان "الاهتمام الحكومي انصب على استثمار مناخ الانفراج السياسي والمصالحة الوطنية التي تحققت في مرحلة التحول السلمي نحو الديموقراطية لدعم التحرك السياسي الأردني للمشاركة في مفاوضات التسوية السياسية مع اسرائيل". وبينما عرض كل من اسحق الفرحان للحركة الاسلامية والعمل السياسي في الأردن خلال نصف قرن، وعبداللطيف عربيات "معالم التجديد في الحركة الاسلامية في الأردن"، وعيسى مدانات "الحركة الاشتراكية في الأردن عبر نصف قرن"، وجمال الشاعر "الحركة القومية في الأردن"، فإن الوزير السابق ومدير عام مؤسسة شومان ابراهيم عزالدين رأى في تقديمه للكتاب "أن عدم التمكن من تشكيل حزب استقلالي يوحد أبناء البلاد في جبهة عريضة خلال مرحلة النضال ضد الانتداب، والسعي لإرساء قواعد الحكم الدستوري بالرغم من ظهور فرصة تاريخية لذلك إثر صدور الميثاق الوطني الأردني عام 1928، قد أسهم الى حد كبير في تأخير استقرار الهيكلية السياسية في البلاد، وبالتالي اثر تأثيراً كبيراً على تأخر قيام واستقرار الحياة الحزبية". غير أن هذه الملاحظة الثاقبة والتي تؤشر لتكوين اجتماعي وثقافي، لم تستوف حقها من التحليل، ولم تجب عن التساؤل الذي تثيره ضمناً حول أسباب تعذر قيام أحزاب "قوية" بعد الاستقلال في الأردن، كما في هذا البلد "النامي" أو ذاك.