تقدم كلمة الدكتور اسحق فرحان في اجتماع مجلس شورى حزب العمل الاسلامي الذي عقد مؤخراً مناسبة لمناقشة جدوى الاحزاب السياسية الاردنية واهميتها في المجتمع ومراجعة تجربتها. فاذا كان حزب العمل الاسلامي اكبر الاحزاب السياسية في الاردن، والذي كسب ستة عشر مقعداً في مجلس النواب السابق من بين ثمانين مقعداً، وكان الحزب السياسي الوحيد الذي تقدم الى الناخبين ببرنامج انتخابي وبوصفه حزباً سياسياً يبدو في نظر رئيسه منذ تأسيسه عام 1992 وحتى شهور قليلة خلت "نسخة مكررة عن الاخوان المسلمين وتكراراً للجهود، وهدراً لأموال شحيحة ابتداءً يمكن توفيرها، ولا يتجاوز عمله اجتماعات المكتب التنفيذي واصدار البيانات السياسية، ولم يجتذب منتسبين جدد، وتتجه فروعه ولجانه الى التوقف…"، ماذا اذن عن الاحزاب الاخرى وعن الحياة الحزبية في الاردن؟ لم تكن الظروف التي تحدث عنها اسحق فرحان مستجدة، فقد تراجعت العضوية في حزب العمل الاسلامي بعد سنة واحدة من تأسيسه الى درجة التوقف، ولم يكن الحزب طوال السنوات الست الماضية خمس سنوات منها كان الحزب بقيادته سوى نسخة مشوهة عن جماعة الاخوان المسلمين وتكراراً لا لزوم له في العمل والانفاق، ولم يضف الحزب شيئاً جديداً لبرامج الحركة الاسلامية وانجازاتها فضلاً عن الحياة السياسية والعامة في الاردن، وكذلك بالطبع جميع الاحزاب السياسية في الاردن، التي بقيت ضعيفة هامشية تصارع لاجل البقاء، ولم تكن سوى مؤسسات شخص واحد هو رئيسها، بل ان معظمها لم يكن يعرف الا بذكر اسم رئيسه. والحال انه عندما صدر قانون الاحزاب في الاردن سارعت الشخصيات والتيارات السياسية الى تشكيل احزاب سياسية تجاوزت العشرين حزباً، وصاحب تأسيس هذه الاحزاب تظاهرة اعلامية تبشّر بحياة سياسية جديدة، ولكن سرعان ما تكشفت الحياة السياسية عن عجز هذه الاحزاب عن استقطاب مؤيدين او تحصيل حصص معقولة في المجالس النيابية التي انتخبت عامي 1993 و1997، ومن ثم تلاشت فرص التنافس السياسي وتداول السلطة والنفوذ وفق آليات العمل السياسي المستمدة من إتاحة الحكم للأغلبية النيابة. يعد حزب جبهة العمل الاسلامي اهم الاحزاب السياسية في الاردن واكثرها انتشاراً وتأثيراً في الحياة السياسية، وقد احرز في انتخابات المجلس الثاني عشر 1993 ستة عشر مقعداً من بين ثمانين مقعداً هي مجموع مقاعد البرلمان الاردني، وقد قاطع حزب جبهة العمل الاسلامي انتخابات المجلس الثالث عشر 1997 ولم يعد له تمثيل في البرلمان ولكنه لم يفقد اهميته بسبب كونه احد مؤسسات الحركة الاسلامية في الاردن ذات التأثير الغالبي في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية والشارع الاردني بعامة. وحاولت الاحزاب الوسطية "المؤيدة للحكومة" او التي تديرها شخصيات حكومية ان تتجمع في حزب واحد هو الحزب الوطني الدستوري الذي يرأسه النائب عبدالهادي المجالي شقيق رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالسلام المجالي، ويتكون الحزب الوطني من ائتلاف تسعة احزاب اردنية هي العهد واليقظة والوعد والتجمع الوطني والوحدويون والاحرار والوطن والتقدم والعدالة، ولكن هذا التجمع لم يحرز سوى مقعدين في البرلمان، وهما لعبدالهادي المجالي رئيس حزب العهد، ولعبدالرؤوف الروابدة رئيس حزب اليقظة وهو نائب رئيس وزراء سابق، وسرعان ما تفكك الحزب بعد الانتخابات النيابية وهو يواجه احتمال التلاشي او التفتت. وشكل اليساريون والقوميون مجموعات كبيرة من الاحزاب المتنافسة "الميكروسكوبية" كالحزب الشيوعي الاردني، والحزب الديموقراطي الوحدوي شيوعيون والاحرار شيوعيون والبعث العربي الاشتراكي، والبعث العربي التقدمي، وجبهة العمل القومي، والجبهة الدستورية، وهناك احزاب ذات امتدادات فلسطينية مثل حزب "حشد" وهو امتداد اردني للجبهة الديموقراطية نايف حواتمة، و"الوحدة الشعبية" كامتداد للجبهة الشعبية جورج حبش. ويمثل هذه الاحزاب عدد محدود من النواب مثل محمد العوران قومي ومحمد البطاينة شيوعي وخليل حدادين بعثي وبسام حدادين ديموقراطي وحدوي، فصل من حشد. وتصدر بعض هذه الاحزاب مطبوعات محدودة جداً توقف معظمها ولم يقدر لتلك المتبقية ان تحقق انتشاراً مذكوراً، ومن هذه المطبوعات "العمل الاسلامي" وهي مجلة شهرية توقفت بعد سنة من صدورها و"العهد" وهي صحيفة اسبوعية توقفت، وتذكر مصادر ان ارقام بيعها لم تكن تصل الى مائة نسخة وان توزيعها الحقيقي كان اهداء واشتراكات مجانية، والاهالي التي تصدر عن حزب حشد، وكانت قوية وذات انتشار معقول لكنها تراجعت كثيراً وقد تتوقف في اية لحظة، واصدر الحزب الوطني الدستوري صحيفة "النهضة" ولكنها توقفت بعد فترة قصيرة من صدورها، ولم يكن احد يلتفت اليها، ويصدر الشيوعيون نشرة "الجماهير". وثمة ثلاث صحف اسبوعية معارضة وهي تصدر عن مؤسسة صحافية ذات طابع تجاري لكن من الواضح انها تجد دعماً من المعارضة، هي صحيفة "السبيل" الاسلامية التي تعبّر عن توجهات ومواقف الحركة الاسلامية و"المجد" وتعبّر عن القوميين والناصريين، و"الميثاق" التي تمثل الحركة الوطنية الاردنية المعارضة، وهذه الاخيرة توقفت قبل اسابيع قليلة. وبدأت في السنوات الاخيرة تظهر بوضوح معارضة وطنية خارج سياق الاسلاميين والقوميين واليساريين الذين ظلوا يحتكرون المعارضة السياسية منذ منتصف الخمسينات، فقد وقّعت مائة شخصية اردنية بياناً يؤيد مقاطعة الانتخابات النيابية، وتضم هذه القائمة مجموعة كبيرة من قادة الدولة السابقين مثل احمد عبيدات رئيس الوزراء الاردني السابق، وطاهر المصري رئيس الوزراء السابق ايضاً، وسليمان عرار رئيس حزب "المستقبل" والذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وكان رئيساً لمجلس النواب. ولكنها الحركة الوطنية لا ينتظمها حتى اليوم حزب واحد او اطار سياسي او مؤسسة، ولا تتجاوز كونها اعمالاً ومواقف فردية متناثرة ليس بينها تنسيق، ولا تقدم رؤية واضحة او برنامجاً تسعى لتطبيقه او الدعوة اليه. لم تواجه الاحزاب مشكلة في حرية تشكيلها وعملها واجتذاب المؤيدين، ولم تكن الحكومة بشكل مباشر عقبة في طريق نجاحها، فلماذا تتجه الى التبخر والانقراض؟ ربما كانت الحياة السياسية والعامة بمجملها لا تقدم فرصة مناسبة للعمل الحزبي والقدرة على المنافسة وتداول السلطة سلمياً، لكن من المؤكد ان هذا السبب ليس هو الوحيد او العامل الحاسم في الظاهرة، فجماعة الاخوان المسلمين على سبيل المثال تجتذب مؤيدين وحضوراً سياسياً وعاماً مؤثراً ومعقولاً برغم انها تتضرر من حالة التراجع الديموقراطي وضعف المجتمع المدني، وفي الوقت نفسه فان حزب جبهة العمل الاسلامي الذي لا يختلف كثيراً عن الاخوان في اعضائه وبرامجه ومواقفه لا يجتذب مؤيدين ويعاني من حالة عزوف وأعراض تهدد استمراره وقدرته على العمل. ما لا تدركه الاحزاب السياسية او لا تريد ان تلتفت اليه هو التغيير الكبير الذي يحدث في اتجاهات الناس وهمومم ومطالبهم، وكلها لا تندرج في برامج الاحزاب وخطاباتها التي تلحّ على مسائل ووسائل غير متفقة ابداً مع التطلعات والطموحات الجديدة للناس والمجتمعات. * كاتب أردني.