يواجه قانون الانتخاب الأردني الجديد الذي أقره البرلمان مؤخرا رفضا واسعا لدى الأوساط السياسية والشعبية ، ومن المرجح أن يقود الى مقاطعة واسعة بحسب مراقبين، وبخاصة أن غالبية أحزاب المعارضة ومن بينها الإسلاميون والقوميون واليساريون أعلنوا رفضهم للقانون. ويتمثل سبب الرفض الرئيس في إصرار مجلس النواب على إقرار قانون يشبه الى حد بعيد القانون السابق الذي أقر في عام 1993 وقاد الى مجالس نيابية «ضعيفة « لاعتماده مبدأ الصوت الواحد بعيدا عن نسبة مخصصة للأحزاب السياسية وهو ما صبغ المجالس المتعاقبة بصبغة عشائرية بعيدا عن الحزبية ، بحسب مراقبين. ويقول أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور إن «قانون الصوت الواحد دفع بالمواطن الأردني جبرا إلى اختيار ابن القبيلة أو الفئة أو الطائفة بسبب محدودية خياراته بعيدا عن البرنامج السياسي «. ورغم أن القانون الجديد منح الأحزاب سبعة عشر مقعدا يختارها الناخب على مستوى الأردن «القائمة الوطنية «من إجمالي 140 مقعدا نيابيا فيما بقي 123 مقعدا تنتخب على مبدأ الصوت الواحد ، إلا أن أحزاب المعارضة سارعت الى رفضها للقانون الجديد ، وعللت ذلك بأن «الإصرار على صيغة القانون القديم مع اضافة بعض الديكورات السياسية إليه يعتبر تراجعا عن وعود الاصلاح السياسي «. العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سارع مؤخرا إلى الاجتماع برؤساء السلطات الثلاث في بلاده (مجلس الأعيان ،النواب ،الوزراء ) في محاولة منه لنزع فتيل «مقاطعة الانتخابات «، وطلب إليهم «زيادة المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية (دائرة الوطن ) لتوسيع المشاركة الشعبية والحزبية في صناعة القرار السياسي «بحسب بيان صدر عن الديوان الملكي ،لكنه أقر القانون مطالبا بتعديل البند (8 ) والمتعلق بالقائمة الوطنية. وساد الارتياح وسط الأحزاب السياسية لقرار الملك الأردني بإقرار القانون شريطة تعديل أحد بنوده المتعلق بنسبة الأحزاب ، إلا أن الحكومة قبل أيام أعلنت عن زيادتها مقاعد دائرة الوطن 10 مقاعد أخرى ليكون نصيب الأحزاب 27 مقعدا من إجمالي 150 مقعدا ،وهو ما أثار مجددا استياء واسعا لديها. واعتبرت حركة الاخوان المسلمين – وهي اكبر تيار سياسي في البلاد - ان «اقرار الحكومة لقانون الانتخاب بهذه الصيغة يناقض كل الوعود البرّاقة بطريقة تشكل انقلاباً على مخرجات لجان الحوار ومجمل التصريحات التي بشرت بقانون عصري يرضي المجموع الوطني». وشددت الحركة في تصريحاتها على ان «الحركة الإسلامية لن تكون شاهد زور على مجزرة التزوير القانوني الرسمي لإرادة شعبنا «. وأشارت إلى أن «إن الاستخفاف بكل نداءات الإصلاح وفعاليات الشارع إنما يجسد مهزلة عبثية تدفع البلاد للدخول في حلقة مفرغة من إعادة أنتاج مجالس نيابية لا تمثل ضمير الشعب المتطلع إلى مستقبل واعد أسوة ببقية شعوب المنطقة». ولم يكن موقف الأحزاب الأخرى مغايرا لموقف الجماعة ، فقد اكد رئيس الجبهة الوطنية للاصلاح أحمد عبيدات رفض الجبهة» لإعادة إنتاج هذا القانون الذي أنتج مجالس نواب مشوهة لا تعبر عن حقيقة الشعب الأردني ولا تمثله». وبين عبيدات أنه «قد ثبت بالتجربة أن تطبيقات هذا القانون أثارت العصبيات في المجتمع الأردني كما خلقت صراعات اجتماعية على مختلف المستويات وأمعنت في تمزيق النسيج الوطني، كما هددت الوحدة الوطنية ومازالت آثارها ماثلة أمام أعيننا». الأحزاب اليسارية والقومية (الشيوعي الاردني والبعث الاشتراكي والحركة القومية وحشد والبعث التقدمي والوحدة ) كانت هي الأخرى في مقدمة الرافضين للقانون ، وقالت في تصريح مشترك لها « ان الاكتفاء بإعادة النظر بالبند (ج) من المادة الثامنة في القانون والمتضمن نصا على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الوطنية العامة لا يلبي هدف استعادة التوازن السياسي والاجتماعي المنشود في المجلس المقبل». واشارت الى ان «زيادة عدد المقاعد المخصصة للدائرة الوطنية، دون المس بعدد الدوائر الفردية أو إحداث اي تغيير عليها لن يغير نسبة موازين القوى داخل المجلس والتي ستبقى منحازة – وفق هذا القانون – الى السلطات التنفيذية». بعض الأحزاب رفضت مبدأ زيادة مقاعد القائمة الوطنية جملة وتفصيلا ،وأبدت تخوفها من أن تذهب هذه الزيادة لصالح حركة الاخوان المسلمين ولذوي الأصول الفلسطينية فيسيطرون على مجلس النواب. ويقول حزب التحرر الوطني الاجتماعي الأردني «نحن هنا لا نتحدث عن محاصصة ولا عن تقاسم للكعكة بزيادة عدد المقاعد هنا أو هناك، ولكن عن قانون يضع نصب عينه إفراز حالة وطنية ناضجة، بحيث يتكامل فيه توزيع المقاعد ما بين الدوائر الحالية والدائرة الوطنية». وأوضح الحزب أنه «لن يفيد النطام استرضاء جماعات الحقوق المنقوصة على حساب التكوين الوطني الأردني، ذلك أن النتيجة ستكون معاكسة وخطرة جدا». ورأى الحزب إن «قانون الانتخاب والنظام الانتخابي ينبغي أن يكونا ممثلين لمصالح جميع مكونات الشعب الأردني السياسية والاجتماعية». «خيار المقاطعة» التهديد بمقاطعة الانتخابات كان السلاح الأبرز الذي رفعته الأحزاب السياسية المعارضة في مواجهة القانون الجديد ،لكن الحديث الرسمي عن زيادة المقاعد الاسلامي قاد الشارع السياسي والاعلامي إلى الحديث عن صفقة سياسية بين الحكومة وحركة الاخوان باعتبارها الحركة السياسية الأكبر والأكثر تأثيرا في البلاد. غير أن المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين الدكتور همام سعيد حاول دفع الاتهامات عن الحركة ، وصرح بعدم «وجود صفقات ولا تسويات بين الحركة الاسلامية واي جهة رسمية ازاء الموقف من الانتخابات المقبلة». ولفت إلى ان « موقف الحركة الاسلامية يتثمل في الاستجابة الرسمية الكاملة للاصلاحات الدستورية التي تضمن اعادة السلطة للشعب وقيام حكومة اغلبية برلمانية «. وشدد على ان الحركة ترفض التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب «المرفوض ابتداءً» و»لا ترى ان البيئة السياسية القائمة تساعد على إنتاج انتخابات معبّرة عن هذا الشعب». وشدد على ان «كل من يراهن على ان الحركة الاسلامية ستنفرد بالموقف دون فئات الشعب الاخرى ذات التوجه الاصلاحي سيكون واهماً «. ويبدو أن الحكومة البرلمانية هي المطلب الأساسي للطيف الواسع من الأحزاب وبخاصة المؤثر منها في الشارع الأردني ، فقد دعت الجبهة الوطنية للإصلاح إلى «اعتماد قانون انتخاب توافقي عادل يشكل خطوة حقيقية للوصول إلى تشكيل الحكومات من الأغلبية البرلمانية». وأوضحت أنه «لا بد من نظام انتخابي مختلط بحيث ينتخب نصف عدد أعضاء مجلس النواب بالقائمة الوطنية والنصف الآخر من خلال الانتخاب الفردي وفقاً لمبدأ الأغلبية النسبية في الدوائر الانتخابية المخصصة للمحافظات «. وجهة نظر الاخوان والجبهة الوطنية توافقت مع مطلب الاحزاب القومية واليسارية الداعي الى رفع عدد مقاعد القائمة الوطنية الى 50 بالمئة من المجلس المقبل وصولا الى النظام الانتخابي المختلط ، فيما يبدو أن الحكومة ومجلس النواب يصران فقط على منح الأحزاب (27 ) مقعدا فقط من اجمالي 150 مقعدا، وهو ما ينذر بمقاطعة واسعة للانتخابات ما لم تجر تسويات ومحاصصة خلف الكواليس فضلا عن زيادة المسيرات المطالبة بقانون انتخاب توافقي وبتعديلات دستورية جديدة وبخاصة أن مجلس النواب سيقر في غضون أيام التعديل الجديد على القانون.