حلمي: انخراط السلفيين في العملية الانتخابية دون خبرة سياسية أوقعها في حالة من التخبط الشديد عبد المجيد: الانبهار بالتآلف في ميدان التحرير هو نتيجة النظرة الخاطفة التي تقف عند السطح مؤمن: المشكلة الحقيقية في نظر الحدّاد تتمثل في عجزنا عن قراءة موجبات الأحداث السياسية من حولنا أزاحت ثورة 25 يناير في مصر الرئيس السابق محمد حسني مبارك عن السلطة، وكانت محل اهتمام كثير من الباحثين والساسة، لما لها من ارتدادات استمرت حتى الساعة، على محيطها العربي، والشرق أوسطي، ولما لمصر من ثقل تاريخي وثقافي وسياسي، وبشري أيضا، وسط متغيرات سريعة تعصف بالعالم العربي. مركز «المسبار» للدراسات والبحوث، سعى عبر مجموعة من المختصين لقراءة المشهد الجديد، في قراءة تحاول رصد خلفيات الأحداث، دون التركيز على المتغيرات السريعة والصغيرة، كونها تتبدل بوتيرة سريعة، إلا أن الأهم ملامسة المحرك لهذا التغير، لا صورته الظاهرة. الإسلاميون والسلطة.. الصعود وتداعياته الدكتور محمد حلمي، وفي قراءته لصعود الإسلاميين، منطلقا من ميدان التحرير، ورصد المشاهدات للانتخابات منها، تناول مواقف القوى الثوريّة من الوحدة والتكتل، التي مرّت بحالات التوحد ضد النظام السابق، والتشرذم بعد انهياره، ساردا استغلال الإسلاميين للحالة الثوريّة، وصعودهم في الانتخابات، الرئاسية منها والبرلمانية. بيْن المفاجأة والصدمة في مسألة صعود الإسلاميين، رأى الباحث أن ما كان مفاجئاً لكثيرٍ من المحللين والمتابعين للشأن المصري، صعود الإسلاميين في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية بجولتيها الأولى والثانية. لكن على العكس من ذلك تماماً، كان صعود السلفيين ليس فقط مفاجئاً للبعض؛ وإنما صادماً في آن معاً، مضيفاً من واقع تجربته الذاتية «توقعت شخصياً صعود السلفيين وتموضعهم في المرتبة التالية للإخوان المسلمين، منذ أن شهدت بأم عينيَّ جمعة قندهار في ميدان التحرير، وما سبقها من تعبئة وحشد، بلغ ذروته في تجهيز نحو ثلاثة آلاف رحلة تحمل جموع السلفيين من الإسكندرية وحدها إلى ميدان التحرير»، معتبراً أن «تلك القدرة التنظيمية المباغتة، مضافاً إليها ما تتضمنه من قدرة مالية، كانت مؤشراً أوليا في اتجاه إمكانية استحواذ القوى السلفية على رصيد رصين ومعتبر من المقاعد البرلمانية متى حسم أمره بالمشاركة». د.حلمي يستطرد في سرد شهادته حول صعود السلفيين تحديداً، قائلاً إنه «بدا واضحاً للجميع أن انخراط السلفيين في العملية الانتخابية من دون خبرة سياسية، واعتماداً فقط على الحضور المباغت في وسائل الإعلام، وفي خضم المشهد السياسي الجديد، كفيل بأن يوقع تلك القوى في حالة من التخبط الشديد، فضلاً عن إمكانية استغلالهم من قوى إسلامية أخرى، تقع في صلب التيار الإسلامي وتمتلك من الخبرة والتنظيم والمكر السياسي، ما يمكنها من اللعب مع الأطراف كافة». وحول الأطراف التي دخلت العملية الانتخابية، أبان حلمي أن «المشهد السياسي الإسلامي لم يعد محتكراً من قبل حركات بعينها، اكتسبت خبرةً سياسيةً خلال العقود الماضية، بل دخلت على الخط حركات ذات طابع سلفي وجهادي، لم يمارس أغلبها العمل السياسي الواقعي البراغماتي من قبل، فهم لم يخوضوا – سابقاً – غمار الصراع الواقعي، وهم اليوم يشكلون أحزاباً سياسية، كما هي الحال في مصر، ويمثّلون رقماً صعباً في المعادلة السياسية، كما هي الحال في ليبيا، لكنهم لحداثة تجربتهم السياسية وللأرضية الأيديولوجية الصلبة، مرشحون أكثر من غيرهم (الإخوان والنهضة والعدالة) لارتكاب أخطاء فادحة، أو الاستدراج لخطابات وأعمال تضرب صورة الحركات الإسلامية جميعاً». إلا أنه على الرغم من ذلك، يعتقد أنه «من المرجح تماماً، أن تبقى كفة المعتدلين من الإسلاميين راجحة حتى أمد منظور، لكن من المحتمل أيضاً حدوث تصادمات بين الطرفين، حول بعض الملفات الحساسة، في مقدمتها: وضعية المرأة، والحريات العامة، والمسألة القبطية بصورة خاصة». خارطة التحالفات السياسية في مصر بعد الثورة من جهته، سعى الدكتور وحيد عبدالمجيد، لرسم خارطة التحالفات السياسية في مصر بعد الثورة، متناولاً ضعف القدرة على بناء التحالفات السياسية، بسبب الضعف الثقافي والسياسي، ملمحًا إلى أن ذلك يهدد التحول الديمقراطي، مشيراً إلى سطحية التوافق المؤقت الذي مثله التآلف في ميدان التحرير. ومؤكداً على أن الانبهار بالتآلف في ميدان التحرير هو «نتيجة النظرة الخاطفة التي تقف عند السطح، ولا تنفذ إلى ما تحته». يعيد الباحث ضعف التحالفات إلى «حالة الثقافة السياسية السائدة في المجتمع المصري. فالتحالفات والتكتلات سواء السياسية العامة أم الانتخابية، تتطلب ثقافة توافقية لا تعرف الساحة السياسية، ولا التفاعلات الاجتماعية بوجه عام في مصر إلا أقل القليل منها»، معتبراً أن «الثقافة السائدة في الحياة العامة، تميل إلى التفتت والتشرذم، أكتر مما تقوم على التوافق». وهذا يفسر بنظره ظاهرة الانشقاقات المستمرة في الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. ف»لم ينج حزب سياسي من الانشقاق منذ أن عرفت مصر الظاهرة الحزبية في صورتها الحديثة في بداية القرن العشرين. ففي المرحلة شبه الليبرالية، وقبل إلغاء الأحزاب السياسية عام 1954، شكل المنشقون عن حزب الوفد أهم الأحزاب الأخرى مثل الأحرار الدستوريين، والسعديين، والكتلة الوفدية». الدكتور عبدالمجيد يرى أن «التحالف الديمقراطي من أجل مصر»، و»التحالف الإسلامي»، التي طرحتْهما جماعة الإخوان سنة 2010، وأعيد بعثهما بعد ثورة 25 يناير، «تنوعت مكونات هذا التحالف بين أحزاب تعبر عن الاتجاهات الرئيسية في الحياة السياسية والفكرية المصرية، وهي جماعة الإخوان، ثم حزب الحرية والعدالة الذي أسسته عقب إشهاره، وحزب الوفد، وحزب الغد الجديد الأصلي (أيمن نور)، والحزب الناصري، وحزب الكرامة، وحزب التجمع، قبل انسحابه انسجاماً مع ميله التقليدي إلى دعم الاستقطاب، ثم حزب النور، وهو أول الأحزاب السلفية التي تم تأسيسها بعد الثورة، وحزبان سلفيان آخران أصغر منه، وهما حزب الأصالة وحزب الفضيلة، ثم حزب البناء والتنمية، الذي أسسته الجماعة الإسلامية العائدة من السلفية الجهادية، أو الراجعة لها، وضم التحالف أيضاً عدداً من الأحزاب القديمة الصغيرة التي يصفها بعضهم بأنها كرتونية، مثل أحزاب الجيل، والأحرار، والخضر، والتكافل الاجتماعي، ومصر العربي الاشتراكي، والاتحادي الديمقراطي، والشعب الديمقراطي، والأمة». غير أن معظم الأحزاب الإسلامية في نظر عبدالمجيد، خرجت من التحالف الديمقراطي اعتراضاً على محدودية ما أتيح لها من مرشحين لم يكن وضعها أفضل في هذا التحالف الذي يقوده حزب النور. ولذلك يمكن القول إن «هذا التحالف يضم حزب النور مع تمثيل محدود للأحزاب الأخرى، كما خرجت الأحزاب الأخرى من التحالف لخوض الانتخابات بمنأى عنه، وفى مقدمتها حزب الوفد الليبرالي. وكان حزب النور السلفي قد انسحب من التحالف قبيل الشروع في بحث التنسيق الانتخابي، وقرر خوض الانتخابات منفرداً». أما عن تحالف «الكتلة المصرية» و»الثورة مستمرة» فهو- برأي الباحث – يختلف عن «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» الذي تم تأسيسه باعتباره تحالفا سياسيا قبل التفكير في الانتخابات، أنشئت «الكتلة المصرية» لتكون تحالفاً انتخابياً على أسس سياسية يعبر عن توجهات الأطراف الليبرالية واليسارية التي يجمعها شعار «الدولة المدنية»، وقد ضمت هذه الكتلة عند تأسيسها في سبتمبر (أيلول) 2011 أحزاباً جديدة أنشئت بعد الثورة أهمها المصريون الأحرار (ليبرالي علماني) والمصري الديمقراطي الاجتماعي (يسار وسط يعبر عن توجهات ديمقراطية اشتراكية) والتحالف الشعبي الاشتراكي (يساري انشق أبرز مؤسسيه عن حزب التجمع اليساري القديم) والوعي (ليبرالي بادر بتأسيسه عدد من مؤسسي ائتلاف شباب الثورة) والمساواة والتنمية (ليبرالي يعتمد على شهرته مؤسسته الفنانة تيسير فهمي) وحزب التحرير المصري (أسسه قادة إحدى الطرق الصوفية) وأحزاب قديمة هي حزب التجمع اليساري وحزب الجبهة الديمقراطية ذواتا التوجه الليبرالي، والحزب الشيوعي الذي ظل يعمل تحت الأرض لعقود حتى أعلن عن نفسه بعد الثورة ولكنه لم يؤسس رسميا وثلاثة أحزاب تحت التأسيس هي الحزب الاشتراكي المصري (ماركسي) ومصر الحرية (ليبرالي) والمستقلون الجدد الذي لم تعرف له هوية بعد، فضلاً عن مكونات مجتمعية مثل نقابة الفلاحين المستقلين، غير أن «الكتلة المصرية» واجهت المعضلة نفسها التي عانى منها «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» على الرغم من أن عدد مكوناتها أقل منه. فقد اختلفت أحزابها بشأن عدد مرشحي كل منها وترتيبهم في القوائم الانتخابية، وتبادل بعضها الاتهامات بضم أعضاء سابقين في الحزب الوطني المنحل (الحاكم سابقا) ممن يطلق عليهم «الفلول». ولم يقم الدكتور عبدالمجيد للتحالف «الناصري» الصغير وزناً، الذي ضم حزبا من الأحزاب القديمة ذا توجهات قومية عربية وهو حزب الوفاق القومي، وحركة ناصرية تسمى «المؤتمر الشعبي» بالإضافة إلى جناح من الأجنحة المتنازعة على حزب العمل، بل لم يعتبره إلا ضيفاً شرفياً في الانتخابات البرلمانية. إمكانيات التوافق بين المرجعية الإسلامية والديمقراطية الديموقراطية والهوية والتراث والأصالة، قضايا كانت مثار جدال واسع بين المفكرين، اختار الباحث بلال مؤمن مقاربتها، عبر دراسة طروحات المفكرينِ التونسي محمد الحداد، والمصري طارق البشري. في مقاربته يتوقف مؤمن عند نظرة البشري، الذي يرى أن «عصر النهضة الذي طرح سؤالَ ما يمكن أخذه من التراث، وما يمكن قبوله من الوافد الغربي، تحول إلى منتج لأفكار الغرب، فما لبث إلا وأعاد إنتاج الغرب بكل ما فيه، وبنى تحفظه على الديموقراطية على شك»، أما الحدّاد فقد تناول «محدودية التمثل الديمقراطي في خطابات مفكري النهضة، لاسيما عند محمد عبده، ورفض اعتبار فكر النهضة مجرد انعكاس للأنوار الأوروبية، ورفضه اعتباره تطورا ذاتيا للماضي، تناول الدراسة إشكالية البِشري في كون النظم الأوروبية صاحبت سفنا وبارودا وحروبا، وهي وليدة شخصية وتجارب الآخر الغربي، وهو ما يسر لها سبل نجاحها في مجتمعاتها». يشير الباحث إلى أن المشكلة الحقيقية في نظر الحدّاد تتمثل في «عجزنا عن قراءة موجبات الأحداث السياسية التي تدور حولنا. فمنذ قيام حرب الخليج الثانية، ساد الفرح بسقوط الصنم لكننا لم نقدر على تقديم مشروع سياسي بديل، ظننا أن الأمور تسير على طريقة أوروبا الغربية بأن تخرج الجماهير لتعبر عن فرحتها بالتحرر الجديد، لكننا نسينا أنه لا وجود لماض ديمقراطي لنا كي يستعاد بالتحرير، ونستفيق اليوم على واقع مؤلم لا يبشر بالسير نحو الانبعاث الديمقراطي وإنما يوشك أن ينتهي بالمنطقة إلى وضع قديم، هو وضع الانتماءات العشائرية والطائفية والاجتماعية، في حين أن الديمقراطية تتطلب انصهارا لعناصر المجتمع كي تقوم المشاركة السياسية على أساس من المواطنة وليس على أساس من هذه الانتماءات». البشري من جهة أخرى، – كما يشير الباحث – رأى أن «أمريكا لا تريد ديمقراطية حقيقية في العالم العربي»، وأن أسباب تأخر التطبيق الكامل للديمقراطية داخلية وخارجية، والاستعمار «فعل غير ديمقراطي»، والهيمنة الأجنبية «لا تعيش إلا من خلال نظم غير ديمقراطية»، مضيفا «إن التعويل على الديمقراطية إذا كوسيلة لتجاوز مشكلات الواقع العربي دون الأخذ في الاعتبار الخصوصية الحضارية واختلاف ظروف التحول الديمقراطي خطأ بالغ، لأنها إذا كانت نجحت في أوروبا فلأنها كانت متفتقة عن ذواتهم أولا، ولأن الأوروبيين لم يكونوا تحت ضغوط خارجية تحول دون إتمام مشروعاتهم الإصلاحية ثانيا؛ على عكس واقع مجتمعاتنا العربية التي تعاني فروض الهيمنة الغربية الثقافية والسياسية والاقتصادية». ويضرب البِشري مثالا لهذا الاختلاف في شروط التحول الديمقراطي بين المجتمعات، التي أنتجت الديمقراطية والمجتمعات الشرقية بنشأة التعددية الحزبية بين الشرق والغرب، قائلا «إن النظام الحزبي الغربي نشأ تعبيرًا عن أوضاع الجماعات الفرعية الأوروبية المتنازعة على نصيب كل منها في حصيلة المنتج الوطني العام؛ في ظروف كانت المجتمعات القومية الأوروبية آمنة على نفسها من أي خطر خارجي عليها، بينما الأحزاب في بلادنا الشرقية (سواء كانت عربية أم إسلامية أم غير ذلك من بلاد الهند والصين.. إلخ) نشأت الأحزاب فيها بعد سقوط مقاومة دولها في مواجهة الغزو الأجنبي الحادث في القرنين الماضيين، ونشأت كتجمع وطني ينظم الجماعة الأهلية لمهام مقاومة ذلك الغزو. ومن الطبيعي أن التعددية لم تكن مما يقوم بالأداء المطلوب لهذه المهمة، حتى استعادت هذه البلاد استقلالها. ولكننا كنا نغفل عند المقارنة عن هذا الفارق المهم». مظاهرة تأييد السلفيين للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل (الشرق) شعار حزب الحرية والعدالة مركز المسبار للدراسات والبحوث