شهد مجلس اللوردات، وهو غير منتخب، أول عملية انتخاب في تاريخه البالغ 800 سنة، وفقد أكثر من مئة لورد بالوراثة مناصبهم في الانتخاب الأول من نوعه. واحتفظ 75 منهم بمقاعدهم من اصل 208 حضروا الاقتراع من اللوردات البالغ عددهم 645 لورداً، 220 لورداً محافظاً، و166 لورداً من حزب العمال، و54 لورداً من حزب الديموقراطيين الأحرار. وبلغ مجموع الذين حافظوا على مقاعدهم بالوراثة أو التعيين 102 لورد. وتم هذا التغيير الدستوري في نطاق عملية تحديث لمجلس اللوردات تعهد بها حزب العمال في بيانه الانتخابي، وبدأ في تقليصه بدلاً من إلغاء المجلس كله حتى يستمر في آلية سن القوانين. قبل بدء التصويت غادر أكثر من 450 لورداً المجلس احتجاجاً على الاقتراع، ويتوقع ان لا يعود كثير منهم إلى المجلس قبل انتهاء عضويتهم، حين يجتمع مجلس العموم قبل خطاب الملكة السنوي وبدء الدورة الجديدة للمجلس. وتم الاتفاق بين الحكومة العمالية وحزب المحافظين، الذي يحظى بالغالبية بين اللوردات، على صفقة لتجنب معارضة ضخمة للتعديلات. فأبقت 15 لورداً في اللجنة الادارية، وصوتت لقائمة جرى الاتفاق عليها مسبقاً. وشملت الصفقة بأن يكون للمحافظين ثمانية اعضاء في اللجنة، ولوردان لكل من حزب العمال والديموقراطيين الاحرار، وثلاثة للمستقلين. وقال المحافظون إنه من غير العدل احتفاظهم بكل أعضاء اللجنة لمجرد انهم أكثرية في المجلس، لأن ما يهمهم ان يبقى اللوردات اصحاب الخبرة في المجلس. تركزت اتجاهات تحديث مجلس اللوردات بداية على تبسيط مراسم دخول المجلس، وعمرها 370 سنة، وضعت في عهد الملك جيمس الاول سنة 1621. وكان رئيس الوزراء السابق جون ميجر رشح 57 شخصاً. ورشح رئيس الوزراء الحالي توني بلير عدداً مماثلاً. وتعود سلطة منح لقب لورد تقليدياً للتاج، ولكن منذ صدور قانون 1958 سمح لرئيس الوزراء، ولرؤساء الاحزاب بنسبة من الترشيح. ويتمتع اللوردات بعدة صلاحيات، منها القانوني، إذ يشكلون محكمة عليا في القضايا المدنية، تشمل سلطاتها المملكة المتحدة كلها، وانكلترا وويلز وايرلندا الشمالية في القضايا الجنائية. ويقضي المجلس في حوالى 70 قضية في السنة عبر لجنة "النقض"، يوصدر الحكم في قاعة المجلس الرئيسية، وتضم حوالى 11 قاضياً. اللوردات المعينون مدى الحياة يتقاضون رواتب بموجب قانون سنة 1876. ولا يمارس بقية اللوردات نشاطاً محدداً وعددهم 1197، وبعضهم لا يهتم باللقب واجراءات تسلمه ولا حتى حضور المجلس وعددهم نظرياً 924، وعملياً لا يحضر أكثر من 317 في اليوم. ولا يتلقى هؤلاء رواتب، بل مصاريف مختلفة من أهمها نفقات السفر ومكتب وسكرتارية. يتميز الدستور البريطاني أنه ثمرة تطور متوال أكثر مما هو نتيجة تغيير ثوري، فلم يسبق ان الغي وحل محله مجلس آخر. وكانت هناك باستمرار اضافات وتعديلات وفق الظروف، وبموجبه يمكن تحديث مجلس اللوردات من غير تخريب في نسيج الحياة البرلمانية. بقي المحافظون يدورون في حلقة مفرغة في معالجة مطالب تحديث المجلس، ويركزون على ان ذلك يجب ان يتم في نطاق عمليات التحديث الدستوري عموماً وليس في عملية منفردة. وكانت التكتيكات تتركز على الحفاظ على آلية انتقال اللقب وراثياً، لأنهم لا يستطيعون التحكم بعملية تسمية التاج للوردات. وكان منطلقهم أن التحديث سيقضي على سيطرة حزب المحافظين على الغالبية في المجلس. لم يكن بلير أول رئيس وزراء عمالي يواجه معارضة في اصلاح مجلس اللوردات، ولم يكن وليم هيغ أول رئيس لحزب المحافظين يواجه صعوبات من اللوردات داخل حزبه. فقد قام رئيس الوزراء السابق هارولد ولسون بمفاوضات حساسة مع اللوردات لتلافي معركة دستورية طويلة، وفكر في إلغاء مجلس اللوردات كلياً بعد ان قام المحافظون بمحاولة اسقاط حكومته لمجرد تفكيره في تحديث المجلس. ألقت الحكومة الاضواء على الافكار الجديدة المطروحة في عملية التحديث في 20 كانون الثاني يناير الماضي، واقترحت منح الجمهور حق تسمية "لوردات الشعب"، مقابل إلغاء الوراثة. ويكون بمقدور الناس الكتابة الى المفوضية المستقلة التي تختار اللوردات الجدد، وقال بلير إن تجربة جون ميجر السماح للجمهور بتزكية الاشخاص الذين يستحقون اوسمة الشرف يمكن توسيعها وتطبيق المبدأ نفسه فيقوم المفوض بتسمية من يزكيهم "الشعب"، إضافة الى من تزكيهم الاحزاب. هزم اللوردات الحكومة للمرة الأولى في معركة تحديث المجلس دامت خمسة شهور، حين اجبروها على تعيين مفوض للحكم على وضع اللوردات مدى الحياة. وعلى رغم ان الحكومة وعدت بتحقيق ذلك في مطلع السنة الجارية، وأعلنت البارونة جيي رئيسة اللوردات العماليين في المجلس بأنها بدأت بتشكيل المفوضية، وبأنها ستكون جاهزة في مطلع السنة المقبلة، صوّت المجلس ب231 صوتاً ضد 189 لصالح تعديلات المحافظين لمشروع قانون مجلس اللوردات في مرحلة التقرير. وهدد هذا 92 لورداً وعدت الحكومة بالمحافظة على مقاعدهم موقتاً. ومع ان اللوردات بالوراثة وضعوا مئات التعديلات على مشروع القانون، جرى الاتفاق على سحبها من دون تصويت. وقامت الحكومة بتقديم تنازل، بقبولها للمرة الأولى، بإمكان اللوردات ال92 ان يجدوا من يحل محلهم في حال وفاتهم. مهما تكن اعتراضات وتعديلات مجلس اللوردات لمشاريع القوانين، فإن أهم استثناء هو عدم الموافقة على التمديد للبرلمان اكثر من خمس سنوات. ويخشى المحافظون ان يقوم رئيس الوزراء بزيادة عدد اللوردات مدى الحياة حتى يحوز حزبه اكثرية في المجلس، ويستطيع تمرير أي قانون يشاء. والتعديل الاساسي الذي يريده المحافظون هو منع اللوردات مدى الحياة من التصويت على مثل هذا الاجراء إذا عينوا بعد آخر انتخابات عامة. ورد العمال بأن المجلس لم يتوسع كثيراً في تاريخه سوى مرتين في اعقاب الحربين العالميتين، ومرة في القرن السابع عشر. وفي الاحوال كلها ستشكل مفوضية مستقلة للبت في طلبات الترشيح. ولكن أهم ما يلوي ذراع المحافظين هو تنفيذ مرحلة ثانية في عملية اصلاح المجلس قد تقضي عليه كلياً. وفي سبيل تحقيق ذلك تخلوا عن معاكستهم لمشاريع القوانين الاساسية التي تريد الحكومة الحالية اصدارها، وآخرها مشروع قانون الضمان الاجتماعي الذي أخره مجلس اللوردات، وكان ينوي احراج الحكومة بطلب تعديلات جديدة، لكنه تخلى عن ذلك ووافق على مشروع القانون في العاشر من الشهر الجاري. * كاتب وصحافي سوري مقيم في بريطانيا.