أخيراً حققت حلمها وأصبحت البارونة جاي JAY عضواً في حكومة بلير البريطانية "العمالية الجديدة" عشية بلوغها الستين من العمر، وذلك اثر تعيينها في التغيير الوزاري الاخير زعيمة مجلس اللوردات، اي رئيسة المجموعة العمالية في هذا المجلس. البارونة جاي لا تحتاج الى حكومة بلير كي تكتسب الشهرة، فهي شخصية معروفة في الحياة العامة البريطانية طوال اربعة عقود ومنذ ان كانت طالبة جامعية، حيث برزت كشخصية مثيرة للجدل ومثيرة لفضول وسائل الاعلام. ورغم انها ابنة احد ابرز الزعماء النقابيين البريطانيين الذي اصبح فيما بعد رئيساً للوزراء، فهي كانت تثير اهتمام اوساط طبقة الأثرياء والارستقراط التقليدية. اسمها الاصلي مارغريت وهي ابنة جيمس كالاهان آخر رئيس وزراء بريطاني عمالي حزب العمال القديم الذي هزم في انتخابات 1979 العامة على يد زعيمة حزب المحافظين السابقة البارونة مارغريت ثاتشر. لقد كانت في الواحد والعشرين عندما عين والدها وزيراً للخزانة في حكومة هارولد ويلسون في النصف الاول من السبعينات. وما اضفى على شخصيتها اطيافاً اخرى من الشهرة زوجها الاول بيتر جاي الذي لا تزال تحمل اسمه، حيث جمعتهما علاقة غرامية انتهت بزواجهما مباشرة بعد تخرجهما من الجامعة. وذاع صيت بيتر جاي الصحافي والكاتب في صحيفة "التايمز" اللندنية في ذلك الحين - ومعه صيت البارونة طبعاً - عندما عينه حموه رئيس الوزراء كالاهان سفيراً لبريطانيا في واشنطن عام 1978، وهذه الوظيفة "جوهرة" الوظائف التي يحلم كبار الموظفين في وزارة الخارجية البريطانية بالحصول عليها كمكافأة لهم قبل احالتهم على التقاعد. اثناء وجوده في واشنطن تنبأت مجلة "تايم" الاميركية لبيتر جاي بأن يصبح "زعيماً عالمياً". في هذه الاثناء كانت زوجته مارغريت مركز اهتمام الاعلام الاميركي نظراً لنشاطها الواسع اجتماعياً وثقافياً. فهي لم تكتف بدور زوجة "رجلنا في واشنطن" - كما يدعى السفير البريطاني في العاصمة الاميركية في الدوائر الرسمية في لندن - بل وجدت لنفسها دوراً ينسجم مع نزعتها الاستقلالية وشخصيتها القوية وكانت تتصرف وكأنها "السيدة الاولى" في السلك الديبلوماسي البريطاني. وتمكنت مارغريت جاي من سرقة الاضواء من زوجها جراء نشاطها خارج اطار الزوجية، وبالتحديد بعد ان نشأت علاقة غرامية بينها وبين الصحافي كارل بيرنشتين واشنطن بوست الذي كان يرتوي من مناهل الشهرة في ذلك الحين لمشاركته في الكشف عن فضيحة "ووترغيت" المعروفة. زوجة بيرنشتين الكاتبة نورا إفرون كانت للبارونة جاي بالمرصاد حيث قامت بنشر "فضيحة" علاقة البارونة مع زوجها بالحديث عنها في رواية خيالية - واقعية اسمها "كيّ القلب" Heartburn، التي صورت فيلماً سينمائياً في فترة لاحقة. "هذه قصة اصبحت من التاريخ على كل حال" تقول البارونة جاي. فهي وزوجها بيتر انفصلا في الثمانينات ودب الطلاق بينهما اثر علاقة لزوجها مع مربية اطفالهما بعدما عادا الى لندن في الثمانينات. وهي تردد الآن ان علاقتها مع بيرنشتين سيرد ذكرها في بيان نعوتها ولن تفارقها مدى الحياة. الا ان التحدي الكبير امام البارونة التي توشك ان تصبح جدة قريباً هو مهمة اصلاح العملية التشريعية في بريطانيا من خلال اصلاح مجلس اللوردات اعضاؤه ليسوا منتخبين الذي تزداد الاصوات المطالبة بالغائه لأن العضوية فيه تقوم على عنصر الوراثة او التعيين. اللورد ريتشارد سلف البارونة جاي يقول ان اختيار بلير لها لخلافته في مجلس اللوردات "اشارة الى تراجع الحكومة عن تعهدها الانتخابي بالغاء اللوردية الوراثية" بحجة انها عينت في مجلس اللوردات بالوراثة. الا ان البارونة تنفي ذلك وتقول ان الجميع يعرفون "انني اصبحت عضواً بالتعيين ولم ارث والدي، ويعرفون ايضاً اننا سنلغي هذا النوع من العضوية في مجلس اللوردات قبل نهاية القرن الحالي". الغاء العضوية الوراثية له هدف سياسي قبل ان يكون غاية تشريعية. وهذا الهدف هو التخلص من الاغلبية التقليدية التي تؤيد حزب المحافظين، وهي اغلبية تعززت واتسعت خلال سنوات مارغريت ثاتشر في الحكم 11 سنة. كما ان تحقيق هذا الهدف يخفف من ضغط الدوائر الليبيرالية داخل حزب "العمال الجديد" وخارجه والتي تطالب بالغاء مجلس اللوردات برمته. والمعروف ان عضوية مجلس اللوردات تتم بطريقتين: بالوراثة وبالتعيين من قبل رئيس الوزراء البريطاني بعد حصوله على الموافقة الشكلية لرئيسة الدولة الملكة اليزابيث الثانية. وتقود البارونة جاي المعينة في مجلس اللوردات في 1992 فريقاً من الاصلاحيين داخل المجلس جميعهم من النساء يطلق عليهن اعضاء المجلس الطاعنون في السن - وهم عادة الاغلبية - اسم "فتيات التوابل" Spice Girls، وهن البارونات بلاكستون وهوليز وسيمونز. هذا الفريق وبقية اعضاء المجلس من حزب العمال "القديم" و"الجديد" - وبينهم والدها اللورد كالاهان - عليهم مسؤولية استكمال عملية اصلاح مجلس اللوردات قبل نهاية القرن الحالي. فالمجلس هو بمثابة الهيئة التشريعية الثانية بعد مجلس العموم المنتخب بالاقتراع كل خمس سنوات. وهذه الهيئة يجب ان تصدق على مشاريع القوانين قبل ان تصبح تشريعات بعد تصديق مجلس العموم عليها. للبارونة جاي حضور مميز ويساعدها على ذلك بنيتها الجسمانية اذ تزيد قامتها عن الطول المتوسط، كما انها كانت قبل عضويتها في مجلس اللوردات صحافية نشيطة في برنامج "بانوراما" الاسبوعي الذي يبثه تلفزيون بي.بي.سي. المحطة الاولى وعضو في "الوقف الوطني لمكافحة الايدز" حيث التقت بزوجها الثاني والحالي البروفسور مايكل أدلر الاختصاصي في مرض الايدز. وخبرة البارونة جاي الشخصية والسياسية والاسرية ذات قيمة كبيرة بالنسبة لعائلة رئيس الوزراء بلير نفسه، وخاصة بالنسبة لزوجته شيري. فقد كانت البارونة هي التي اقنعت العائلة بلير بالسكن في المنزل رقم 11 في "داوننغ ستريت" بدلاً من رقم 10 حيث المقر الرسمي لرئيس الحكومة البريطاني. فرقم 11، وهو المقر الرسمي لوزير الخزانة، اكبر وغرفه اوسع واكثر ملاءمة لأبناء عائلة بلير الثلاثة. متى ترتاح البارونة؟ "لا يزال هناك متسع من الوقت" تقول مارغريت جاي كالاهان. وتضيف: "بالتأكيد لن استمر على هذا المنوال حتى اصل الى الثمانين من عمري. اريد ان اتفرغ في وقت ما لاشغال المنزل وترتيب الزهور في حديقة بيتي".