مسكين شعب العراق. وفي حين ان ما سبق معروف، فقد وجدت هذا الاسبوع سببين جديدين للحزن على هذا الشعب المسكين. الرئيس صدام حسين أوقف بيع النفط العراقي، وهو قبل ذلك رفض عرض تعليق العقوبات بعد الاتفاق على نظام رقابة دولي جديد. هو أوقف بيع النفط لأنه يعتقد ان الطلب المرتفع هذه الأيام سيوجد ضغطاً عالمياً يطالب بالنفط العراقي. وهو رفض اتفاقاً جديداً مع مجلس الأمن الدولي لأن الاتحاد الروسي يدعم موقفه بقوة ووضوح. أقول بأوضح عبارة ممكنة ان الرئيس صدام حسين مخطئ جداً... كعادته. العراق أنتج نفطاً ثمنه سبعة بلايين دولار في الأشهر الستة الأخيرة، أو ما يعادل خمسة في المئة من المبيعات العالمية. وسعر برميل النفط وصل أمس الى 27 دولاراً، وهو أعلى سعر له منذ تسع سنوات. ولا بد ان الرئيس العراقي بات يعتقد ان العالم بحاجة الى الانتاج العراقي، لذلك فهو يعتقد بالتالي انه يستطيع المساومة. غير ان هذا ليس صحيحاً البتة، فهناك دول مثل المملكة العربية السعودية وايران وفنزويلا والمكسيك، يستطيع ان يعوّض كل منها بمفرده عن وقف الامدادات العراقية. والواقع ان سعر النفط لم يرتفع الا بعد ان اتفقت دول "أوبك" على خفض انتاجها مرتين متتاليتين، وبعد ان عجز الخفض الأول وحده عن رفع الأسعار. وهكذا فمجرد العودة الى سقوف إنتاج السنة الماضية يكفي للتعويض عن كل ما ينتج العراق من نفط. وإذا كان تحليل الرئيس العراقي لسوق النفط العالمية خاطئاً، فإن فهمه للموقف الروسي أكثر خطأ وأخطر نتائج. العراق مدين ببلايين الدولارات لروسيا، وهذه تطمع بعقود جديدة ببلايين الدولارات الأخرى، لذلك فمن مصلحتها رفع العقوبات عن العراق لأنها ستكون المستفيد الأول من عودة الدخل العالي الى العراق. هذا صحيح، إلا أن ما أكثر صحة منه هو ان روسيا ستضحي بالعراق وبلايينه غداً، مقابل صفقة مع الولاياتالمتحدة حول الشيشان. والأمر ليس سراً، فقد أثاره وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف مع وزيرة الخارجية الاميركية السيدة مادلين اولبرايت، خلال مؤتمر التعاون الأوروبي والأمن في استانبول، وعرض الوزير الروسي ان توقف بلاده معارضتها الموقف الاميركي من العراق في مجلس الأمن الدولي، اذا تعهدت الولاياتالمتحدة بألا تثير الهجوم الروسي على الشيشان في الاممالمتحدة. بكلام آخر، التجارة مع العراق مهمة الروسية، غير ان حرب روسيا على الشيشان أهم، لأنها أصبحت مسألة كرامة وطنية للروس جميعاً رغم الظلم الواضح في العدوان الروسي، واذا استطاع الروس عقد صفقة مع الاميركيين تطلق يدهم في الحرب على الشيشان، فهم سيضحون بالعراق ومصالحه فوراً. والروس في النهاية يدركون انه لم يبق للعراق حلفاء دوليون أو أصدقاء، لذلك فهم يستطيعون ان يتخلوا عنه ساعة يشاؤون، وان يعودوا اليه عندما يناسب ذلك مصالحهم، لأن العراق غير مخيّر في علاقاته الدولية. هكذا يخطئ الرئيس العراقي في تقدير مدى الحاجة الى النفط العراقي، ويخطئ بتقويم الموقف الروسي، فيرفض تمديد برنامج النفط مقابل الغذاء اسبوعين لاستكمال مفاوضات مجلس الأمن، ويوقف ضخ النفط العراقي، ويزيد معاناة شعبه، فيخطئ مرة ثالثة، اذا اعتقد ان مرض أطفال العراق أو موتهم سيحرك الضمير العالمي. الموضوعية تقضي القول ان الاخطاء ليست وقفاً على النظام العراقي، فهناك خطأ يصل الى حد الجريمة يرتكبه الاعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي، مستفيدين من أخطاء النظام العراقي ومختبئين وراءها. هل يعقل ان مجلس الأمن يناقش منذ ستة اشهر وضع نظام تفتيش جديد في العراق بعد ان ترك المراقبون الدوليون مواقعهم منه قبل سنة، فلا يصل الى قرار؟ معاهدة فرساي عقدت في أقل من هذا الوقت. وإذا كان تجديد برنامج النفط مقابل الغذاء اسبوعين هدفه الوصول الى اتفاق، فإن المندوبين يقولون صراحة انهم لا يتوقعون اتفاقاً في الأيام القادمة. والنتيجة ان الدول غير الدائمة العضوية انتقدت الدول الدائمة العضوية صراحة، وقالت انها ترفض هذا التصرف، وترفض ان تتفاوض الدول الدائمة العضوية سراً في ما بينها، وتصر على إكمال هذه المفاوضات في فترة الاسبوعين. اخطاء اعضاء مجلس الأمن، من دول دائمة العضوية أو منتخبة، وخطايا الدول الكبرى، لا تؤذي هذه الدول، غير ان سوء تقدير النظام في بغداد يدفع ثمنه الشعب العراقي كل مرة. وهو سيدفع من جديد اذا اعتقد الرئيس صدام حسين ان العالم بحاجة الى نفط العراق، أو ان روسيا حليف يمكن الوثوق به.