بينما لم يلق قرار مجلس الأمن أول من امس السماح للعراق بزيادة صادراته النفطية بما تعادل قيمته 3.04 بليون دولار في حلول أواخر تشرين الثاني نوفمبر المقبل حماسة لدى الأوساط السياسية والشعبية في العاصمة العراقية، اكدت موسكو نيتها التصدي لمحاولات "إزاحتها" من الاسواق العراقية، ودعا وزير في الحكومة الروسية الى "مراجعة الموقف" من الحصار المفروض على بغداد. واشار وزير الطاقة والوقود فيكتور كاليوجني الذي ترأس وفد بلاده الى اجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة في بغداد الى ان روسيا فقدت تسعة بلايين دولار بسبب نظام العقوبات، مؤكداً في الوقت ذاته ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا "كسبتا" 13 بليوناً رغم وجود الحصار. وتابع ان العراق "شريك استراتيجي" لروسيا في مشاريع النفط والغاز، وذكر ان شركة "لوك أويل" ستواصل تنفيذ التزاماتها وفق العقود المتعلقة بمشاريع "غرب القرنة 2" والتي قدرت قيمتها الاجمالية ب3.8 بليون دولار. وفي إشارة الى احتمال "تحويل" المشاريع الى الولاياتالمتحدة أو دول أخرى أكد كاليوجني ان موسكو "لن تسمح بأن تزاح" من الاسواق العراقية، وذكر ان ذلك يمكن ان يؤدي الى زعزعة مواقع روسيا في العراق. واكد ان على موسكو ان "تراجع موقفها" من الحصار وتنظر في امكان تنفيذ مشاريع مشتركة على ان لا يكون لها طابع عسكري. وكان كاليوجني اجتمع لمدة ساعتين الى الرئيس العراقي صدام حسين ونقل اليه رسالة شخصية من الرئيس بوريس يلتسن الذي اكد ان بلاده ستسعى الى "تسوية سياسية سريعة ورفع العقوبات" وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية و"تتصدى ... لذهنية القوة" حيال العراق. وأعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية فلاديمير رحمانين ان موسكو تعتبر المساعدات الانسانية الى العراق "اجراء موقتاً وليس بديلاً من رفع العقوبات". وأبدى استياء بلاده لأن عقوداً موقعة بين روسياوالعراق لتصدير معدات نفطية "محاصرة" في لجنة المقاطعة التابعة للامم المتحدة. من جهة اخرى، اجمع مراقبون واقتصاديون في بغداد على ان قرار مجلس الأمن أول من أمس رفع قيمة صادرات النفط العراقي الى نحو ثمانية بلايين دولار خلال الشهور الستة من 20 تشرين الثاني نوفمبر الى 26 ايار مايو المقبل ضمن اطار "برنامج النفط مقابل الغذاء" لن يمكن العراق من الاستفادة بشيء من هذا القرار الذي اطلق عليه اسم "قرار رفع العتب" في الشارع العراقي. ويفسر المراقبون الأمر بأن طاقة العراق الحالية لا تتجاوز 2.6 مليون برميل يومياً، واذا كانت حاجة السوق الداخلية الاستهلاكية اليومية مقدرة ب400 ألف برميل، فإن طاقة التصدير لن تتجاوز في أحسن الحالات مليونين وربع مليون برميل يومياً. ويؤكد الخبراء النفطيون ان المساعي التي تبذلها وزارة النفط العراقية لرفع قدرتها الانتاجية تصطدم بعقبات عدة منها عقبة اللجنة 661 التي ترفض الموافقة على عقود مبرمة لتجهيز العراق بالمعدات وقطع الغيار اللازمة لرفع الانتاج النفطي، وعقبة تطوير الحقول العملاقة الموقعة بين العراق وبين كل من روسيا وفرنسا والصين، والتي لا يمكن تنفيذها الا بعد رفع الحصار. أضاف الى هذا ان اسعار النفط مقبلة على التدهور من جديد، بسبب السياسات التنموية لدى الدول المستهلكة، مما سيخفض من استيراداتها النفطية، وبالتالي، فإن المخزون الاحتياطي العالمي، وما ستتمكن دول آسيا الصغرى من انتاجه، ستجعل الطلب على نفط "أوبك"، وبالتالي، على نفط العراق، محدوداً في احسن الحالات، فإنها ستشتري نفوط أوبك بأسعار متهاودة، وفي الحالتين لن تكون حصة العراق أكثر من 50 في المئة مما يسمح به قرار مجلس الأمن الجديد. وفي بيان نقلته وكالة الانباء العراقية طالب العراق بالمشاركة في جميع أعمال اللجنة واشار الى المبالغة في مبالغ التعويضات، معتبراً إياها "أبشع عملية نهب لثروات الشعب العراقي، وتهديد مستقبل أبنائه من خلال آلية غير عادلة وقرارات غير قانونية ما زالت تصدر عن المجلس". الى ذلك، افادت وكالة الانباء العراقية أمس ان وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف كرر اثناء لقائه الامين العام للامم المتحدة كوفي انان في نيويورك أول من أمس، طلب العراق رفع الحظر الدولي المفروض عليه منذ اكثر من تسع سنوات. ونقلت الوكالة عن الصحاف اثر اجتماعه مع انان قوله "ان هذا هو موقف العراق العادل ولن نقبل الا برفع الحصار". واشار الصحاف بعد اللقاء الثاني بين الرجلين على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة الى انه "شرح للامين العام بالتفصيل طبيعة العقود الانسانية التي علقتها الولاياتالمتحدة وبريطانيا" وتشمل تعليق 372 عقداً في المرحلة الخامسة و37 عقداً في المرحلة السادسة، مبيناً ان جميع هذه العقود تتعلق "بتجهيز العراق بالمعدات الكهربائية والعلمية والزراعية اضافة الى الاغذية والمواد الصحية ومعدات الماء والصرف الصحي والاتصالات والمعدات النفطية الاحتياطية". واضاف: "تبين هذه الحالة بدون شك ان الأحوال الانسانية في العراق لن تتغير ما لم يتم وضع حد للنهج الذي تمارسه الولاياتالمتحدة وبريطانيا والمتمثل بوضع العقبات امام التنفيذ السليم لبرنامج النفط مقابل الغذاء".