اعتدنا في العالم العربي، خصوصاً في أواخر السبعينات وخلال الثمانينات، أن ننتظر العدد الجديد من مجلة "تان تان وميلو" بفارغ الصبر من أجل أن نسافر مع ذلك الصحافي الشاب الذي لا يشيب ولا يتعب، إلى عالم السحر والجمال حيث المغامرات والخرافة. كان ينقلنا من حيث نعيش إلى هدوء جبال الألب التي هي وهمية طالما لم نراها، وإلى الصحارى البعيدة الواسعة وإلى الصين وأميركا اللاتينية. كل تلك الرحلات والمغامرات كانت مليئة بالتشويق والمخاطر، وفي كل مرة تنتهي القصة بانتصار "تان تان" على أعدائه الأشرار. تحتفل دول أوروبا، والعديد من دول العالم، هذه السنة بالعيد السبعين للصحافي الشاب البلجيكي الأصل "تان تان". والسؤال حول لون "تان تان" السياسي مستمر، وهناك أوروبيون يتناقشون من دون ملل عما إذا كان "تان تان" يسارياً أم يمينياً، فاشياً، نازياً أو ثورياً. ومعظمهم يتفق على شخصية "تان تان" الاجتماعية، فهو لا يشرب الكحول وليس من نوع الأبطال أصحاب العلاقات الغرامية المتعددة، فهو لا يخرج إلى مغامرة إلى بصحبة كلبه الأبيض الوفي "ميلو". ولكن عندما يتكلمون عن لونه السياسي تدب الخلافات بينهم، خصوصاً في فرنسا حيث يوجد في البرلمان ما يسمى بالحلف "التانتاني". اختلفت الآراء حول "تان تان" من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. اليمينيون يدعون أنه ينتمي إلى أقصى اليمين وأنه معادٍ للشيوعية واثباتهم على ذلك رواية "تان تان في الاتحاد السوفياتي" الصادرة عام 1929، حيث يظهر أنه من أنصار الديموقراطية الغربية وتتنافى مبادئه مع مبادئ كارل ماركس ولينين. وبعد زيارته الاتحاد السوفياتي قام بالسفر إلى جمهورية الكونغو الافريقية "تان تان في الكونغو" ليخوض مغامرات جديدة، وهناك قام بالتفوه بعبارات مهينة للشعب الافريقي، ما جعل اليمين الأوروبي المتطرف يدعي أن "تان تان" نازي متطرف. من المحتمل أن "تان تان" كان ينتمي إلى الجبهة اليمينية، خصوصاً أن مؤلفه جورج ريمي 1907-1983 أو "هرغي" كما كان يلقب نفسه، كانت له علاقات عدة مع القادة الألمان، خصوصاً ابان ظهور النازية في أوروبا. وكان "هرغي" اعتقل بأيدي الحلفاء بعد انهزام هتلر واندحار الجيش الألماني عن بروكسيل في سنة 1944، بتهمة خدمة النظام النازي من خلال نشر قصص "تان تان" في جريدة "لو سوار" في بلجيكا. واطلق سراحه بعد اسقاط التهمة عنه، لكن الاشاعات، أو بالأحرى الحقائق، لم تتركه ولاحقته طيلة فترة حياته. مع مرور الزمن، تغير خط "تان تان" السياسي ليتجه يساراً بعد ان قام بزيارة أميركا الجنوبية "تان تان وبيكارو" في فترة السبعينات حيث خرج بمظهر الثوري المدافع عن حقوق شعوب العالم الثالث. في العيد الخمسين لميلاد "تان تان" سنة 1979، ارسل الحزب الشيوعي الفرنسي احتجاجاً إلى المؤلف "هرغي" بعد انتقال "تان تان" إلى الجبهة اليسارية، ووصف الحزب "تان تان" ب"فضيحة سياسية". ولكن الحزب أعاد نظرته ل"تان تان"، إذ أعلن أخيراً أنه يسامح "تان تان" وسيعتبره شخصية ثقافية لا سياسية. على رغم ان قصص "تان تان" التي باعت أكثر من 200 مليون نسخة منذ انطلاقها في القارة الأوروبية، خلقت نقاشاً سياسياً بين اليمين واليسار وشكلت جبهات مع أو ضد، على رغم ألاعيب "تان تان" السياسية، حيث أنه ينتقل من اليمين إلى اليسار ومن النازية إلى الثورية تكيفاً مع الأجواء، فيبقى ذلك الصحافي النشيط الذي استطاع ان يستمر بشبابه وقوته واندفاعه مصدراً للغة فرنسية جميلة استعان بها الكثير من الطلاب، ولا يزال هناك الملايين من طلاب اللغة الفرنسية الذين يلجأون إلى قصص "تان تان" من أجل تقوية لغتهم الفرنسية.