يحتفل "تان تان" احد اشهر المراسلين الصحافيين وأكثرهم شعبية في العالم اليوم، بعيده السبعين. ورغم تقدمه بالسن وتوقفه عن العمل فان قصص الرحلات التي قام بها الى مناطق العالم المختلفة، تقرأ حتى اليوم بفضول ومرح من جانب ملايين الاشخاص من الاطفال والبالغين، في اكثر من اربعين لغة. ومن بين هؤلاء القراء، من بلغ اعجابهم بشخصية "تان تان" حد الولع الذي جعلهم يجمعون ألبومات مغامراته، ولا يترددون في شراء النادر منها في المزادات العلنية، وكان آخرها المزاد الذي شهدته باريس في تشرين الثاني نوفمبر الماضي وبلغت قيمة المبيعات خلاله 550 الف دولار. ولد "تان تان"، في العاشر من كانون الثاني يناير 1929، من مخيلة الرسام البلجيكي ريمي جورج، المعروف باسم "إر جي"، الذي احاطه بكلب صغير ابيض لا يفارقه، اختار له اسم "ميلو"، وبصديق مخلص وانما سيئ الطباع هو "الكابتن هادوك". وبرفقة "ميلو" و"الكابتن هادوك"، غطى "تان تان"، حوالى نصف قرن من الاحداث التاريخية والتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المروية في قصص مصورة رسمها "ار جي". فكان شاهداً على الاحداث التي وقعت في فلسطين، في بداية هجرة اليهود الأوروبيين اليها وعلى تنافس الشركات العالمية على استغلال آبار النفط، وتعرض لمخاطر عدة وعمليات خطف متعددة، رواها "ار جي" في ألبوم يحمل اسم "تان تان في بلاد الذهب الأسود". كما عايش "تان تان" احتلال النمسا من جانب المانيا النازية وسيطرة الاتحاد السوفياتي على دول اوروبا الشرقية، وزار اميركا اللاتينية، حيث وقف عند الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية البائسة فيها، نتيجة الفساد وسيطرة المهربين على مواردها. وزار الصين خلال فترة الحرب الروسية - اليابانية، وفيتنام، واستراليا، ومصر حيث لعب دوراً في الكشف عن عملية تجارة غير مشروعة بالتحف الاثرية. وتوجه ايضاً الى الكونغو، وصعد ايضاً الى القمر بواسطة الصاروخ الاحمر المقطع بالأبيض، الذي صممه له "ار جي" خصيصاً. وعبر هذه الرحلات عاش "تان تان" ظروفاً في غاية الخطورة، لأنه لم يكن يكتفي بمعاينة الاحداث بل كان يتدخل في اطارها، نتيجة شخصيته المؤيدة دائماً للضعيف ضد القوي المتسلط، واستعداده الدائم للمغامرة بحياته من اجل الآخرين، ولذا فقد حاز في احدى مغامراته على لقب "القلب الطاهر" الذي اطلقه عليه احد قادة الهنود الحمر. وجمع "تان تان" الذي لا اسرة له ولا عمر محدداً اذ انه في مرتبة وسطية بين المراهقة والنضوج، بين طهارة القلب وحدة الذكاء وسرعة البديهة والاستنتاج الى جانب التروي والهدوء الفائق. وقد تكون هذه الملامح الشخصية التي اضفاها عليه "ار جي" لعبت دوراً في شعبيته الفائقة، لكن سيرته وبعض المواقف التي اتخذها عبر مغامراته تسببت له ايضاً بالكثير من الانتقادات. اذ وُصف "تان تان" احياناً بأنه رجعي كما ان البعض وجه اليه تهمة العنصرية، بسبب اسلوبه في التعامل مع سكان الكونغو السود. وعلى هذه الانتقادات رد "ار جي" في مقابلة صحافية بأنه ينبغي عدم اخراج مواقف "تان تان" من اطارها التاريخي، فعند زيارته للاتحاد السوفياتي، كان الجميع في حينه معادياً للشيوعية وعندما زار الكونغو كان بديهياً للجميع ان وظيفة السود هي ان يكونوا في خدمة البيض. هذه التبريرات لم تقنع المنتقدين مثلما ان الانتقادات لم تؤثر في تنامي صفوف محبي "تان تان" ومؤيديه. توفي "ار جي" في آذار مارس 1983، وبقي "تان تان"، الذي قررت مجموعة النواب المؤيدة له في البرلمان الفرنسي التي يترأسها النائب دومينيك بوسرو، وينتمي اعضاؤها الى مختلف الاتجاهات السياسية، تنظيم مناقشة في الثالث من شباط فبراير المقبل، لتحديد الهوية السياسية لپ"تان تان" ومعرفة ما اذا كان يمينياً ام يسارياً.