أكدت مصادر وثيقة الاطلاع على المحادثات الفرنسية - البريطانية في شأن مشروع القرار الخاص بالعراق ان تقارباً حصل في الموقفين في شأن "آلية" اطلاق تعليق العقوبات، وأوشكت الدولتان على التوصل الى لغة مشتركة لهذه الآلية. وقالت ان القاسم المشترك الآن بين بريطانياوفرنسا هو الرغبة في الخروج من الوضع الراهن المتمثل في غياب المفتشين والرقابة البعيدة المدى لبرامج التسلح العراقي وفي استمرار العقوبات، بينما تبدو روسيا والصين والولاياتالمتحدة في غير عجلة ولا تدفع في اتجاه التوصل الى موقف مشترك للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في شأن مشروع القرار الخاص بالعراق، كل منها لأسبابه الخاصة. ومثّلت عقدة "آلية اطلاق العقوبات" العقبة الأساسية امام توافق آراء الدول الخمس، اذ اصرت الولاياتالمتحدة على شرط "امتثال" العراق كاملاً لكل متطلبات نزع السلاح والمراقبة البعيدة قبل "تعليق" العقوبات، فيما اصرت روسيا والصين وفرنسا في البداية على ان "الامتثال" الكامل يقابله "رفع" العقوبات بموجب قرارات مجلس الأمن، وان "تعاون" العراق يجب ان يشكل آلية تعليق العقوبات. وتوقفت الدول الخمس عن المباحثات الجماعية في الاسبوعين الماضيين بعد اجتماعات لرؤساء الدوائر السياسية في وزارات الخارجية في لندن ونيويورك، واستمرت المباحثات الثنائية في العواصم لا سيما بين باريسولندن. وحسب المصادر المطلعة على هذه المباحثات "باتت فرنسا قريبة جداً من بريطانيا في افكار آلية اطلاق تعليق العقوبات"، وهي مستعدة للموافقة على صيغة تنص على "التعاون وعملية التقدم" كآلية للتعليق، بحيث يتم الربط بين التقدم في تعاون العراق مع هيئة نزع السلاح الجديدة وبين تعليق العقوبات. وهذا موقف جديد لفرنسا علماً بأن موقفها السابق الأقرب الى الموقفين الروسي والصيني ربط بين استئناف العراق التعاون بموافقته وبين تعليق العقوبات. بين الاسباب التي أدت الى تطور الموقف الفرنسي نجاح المنطق البريطاني لدى باريس بأن ما تم احرازه مع الجانب الاميركي هو، اولاً، موافقة واشنطن على مبدأ تعليق العقوبات، ثم موافقتها على تطبيق التعليق على الواردات كما على الصادرات. وثانياً، ضرورة التحرك بما يأخذ في الحساب مركزية الموافقة الاميركية على مشروع القرار. وحسب المصادر المطلعة حدث تحرك في تعريف ما تبقى من مسائل نزع السلاح لجهة حصرها في المسائل "الرئيسية"، الا ان العقدة بقيت في ناحية "الامتثال" الكامل. وحسب الطرح الاميركي - البريطاني، فان تحديد ما تبقى من مسائل رئيسية امر يعود الى الهيئة الجديدة التي ستحل مكان "اونسكوم" ولدى تقديم رئيسها الجديد تقريراً بأن العراق لبى متطلبات المسائل الرئيسية، يبدأ تعليق العقوبات. اما الموقف الروسي والصيني والفرنسي فانه نص على ان لدى تقديم الرئيس الجديد تقريراً بأن الرقابة البعيدة المدى عاملة، عندئذ يبدأ تعليق العقوبات. وازاء تمسك المعسكرين كل بمواقفه انتهت المباحثات الى "حوار الطرشان". وللخروج من حالة التوقف تواصلت المباحثات البريطانية - الفرنسية بهدف ايجاد صيغة تتجاوب مع الموقف الاميركي المصر على اكثر من مجرد استئناف الرقابة البعيدة المدى، وتثبت ان العراق يحرز التقدم في عملية نزع السلاح. لذلك ركزت الديبلوماسية الفرنسية - البريطانية على التوصل الى لغة تجمع بين التعاون والتقدم المحرز الى درجة تشابه الامتثال لتشكل آلية اطلاق تعليق العقوبات. وحسب المصادر الوثيقة الاطلاع حصل توافق الآن على اعتبار ان تقرير رئيس الهيئة الجديدة لنزع السلاح ينص على ان "تقدماً احرز"، يعد مفتاحاً لتعليق العقوبات. الا ان روسيا والصين لا توافقان. المسألة الثانية بالغة الأهمية في مداولات الدول الخمس هي القيود المالية على انفاق العراق للعائدات. وحسب المصادر ذاتها "مسألة القيود المالية لم تبحث"، وان الفكرة السائدة بين الدول الخمس ان تُترك هذه الناحية للأمين العام للأمم المتحدة ليفاوض السلطات العراقية كما سبق وفاوضها على "مذكرة التفاهم" لتطبيق القرار 986 الذي سمح للعراق بيع كمية محدودة من النفط لسد الاحتياجات الانسانية الملحة. لكن هذه المسألة الأساسية وُضعت جانباً، في هذه المرحلة، الى حين التوصل الى تفاهم في شأن آلية اطلاق تعليق العقوبات. وحسب هذه المصادر، فإن المباحثات لم تتطرق الى تفاصيل الهيئة الجديدة لنزع السلاح، كما لم تقدم بريطانيا او الولاياتالمتحدة الى فرنسا أية اسماء مرشحة لترؤس الهيئة الجديدة. كذلك لا يتضمن مشروع القرار أية اشارة الى مناطق حظر الطيران في شمال العراق وجنوبه، الا ان فرنسا تصر على حذف الاشارة الى القرار 678 في مشروع القرار الأصلي البريطاني - الهولندي لأنه يشير الى استخدام القوة العسكرية. اما ناحية السياسة الاميركية المعلنة القائمة على "احتواء واستبدال" النظام في العراق، فانها من وجهة النظر البريطانية والفرنسية سياسة ثنائية لا اثر لها في مشروع القرار الخالي من اية اشارة الى النظام او اي ربط بين مصيره ومصير العقوبات. وفيما تقاربت المواقف البريطانية - الفرنسية بقيت روسيا غير مهتمة بهذا التقارب، مما اثار حيرة الفرنسيين، حسب المصادر التي قالت "يبدو انهم ليسوا في عجلة… وفي هذا يتلاقى الموقف الروسي مع الموقف العراقي الذي يشكك بأن الهدف هو التعليق الحقيقي للعقوبات". وفيما العراق ليس في عجلة لأسبابه ايضاً، وروسيا والصين لأسبابهما، فان الولاياتالمتحدة ايضاً لا تبدو في عجلة لأسباب مختلفة. فرنسا زحفت نحو الموقف البريطاني فقط في شأن آلية اطلاق تعليق العقوبات، لكن المصادر اوضحت ان "الطريق ما زال طويلاً"، مضيفة "قد يكون الغموض المتعمد في اللغة وسيلة للتغلب على الصعوبات، انما من الضروري ان تكون التفاهمات واضحة" بين الدول الخمس دائمة العضوية في الشأن العراقي.