"إن نظرة فاحصة ودقيقة للمسار السوري - الاسرائيلي وبطئه تدل على ان هذا المسار هو في الأساس مسار اميركي - سوري يهدف بادئ ذي بدء الى ادخال سورية الى المعسكر الاستراتيجي الاميركي والى نادي الدول الموقعة على سلام شامل مع اسرائيل". هذا ما يقوله ديبلوماسي غربي معتمد في تل ابيب فضل عدم الكشف عن اسمه. ويضيف هذا الديبلوماسي انه على رغم تكثيف الاتصالات الاميركية - السورية التي كان آخرها المحادثات التي اجراها الرئيس بيل كلينتون مع وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، الا ان السوريين لا يعلمون مدى استعداد الادارة الاميركية للضغط على اسرائيل لكي تسحب قواتها الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، وما هو حجم المساعدات الاميركية التي يمكن لسورية ان تتسلمها من الولاياتالمتحدة في حال توقيعها على اتفاق سلام. وعندما سئل داني ياتوم رئيس الطاقم الأمني والسياسي في حكومة باراك ضمن مقابلة صحافية نشرت في الرابع من تشرين الأول اكتوبر الجاري عن سبب التشدد السوري ومطالبة سورية بالانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 67 من دون استثناء الحمة على شاطئ بحيرة طبرية كحدود سورية مع اسرائيل، أجاب ياتوم قائلاً: "يجب علينا التحقق من ذلك وفحص هذا التعنت وكافة الأمور الأخرى مع الاميركيين". ويقول الصحافي حيمي شليف لصحيفة "الحياة": "لا يوجد حتى الآن أي تقدم يذكر في المفاوضات مع السوريين، ويحاول الاميركيون ايجاد صيغة مبتكرة من أجل البدء في المحادثات وأهم عناصرها ما اقترح على باراك من ان يحمل تراث اسحق رابين السلمي، ولكن السوريين، على رغم مطالبتهم اياه بالاعتراف بما اعطاهم رابين، لا يكتفون بذلك". ويوافق البروفيسور موشيه ماعوز استاذ علوم الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس، وهو مؤلف عدد من الكتب عن سورية والرئيس حافظ الأسد، على ما ذكره الديبلوماسي الغربي ويقول ان "لاسرائيل وسورية مصالح أساسية ومشتركة لإبرام اتفاق سلام بينهما، إذ بينما تريد سورية دعماً مالياً كبيراً لتطوير بنيتها التحتية، فإن الولاياتالمتحدة وحدها تستطيع توفير هذا الدعم، وعلينا ان لا ننسى ان للولايات المتحدة مصالح حيوية في المنطقة تشمل، من ضمن ما تشمله، عزل العراق نهائياً وتحييد ايران ضمن اطار سياسة الاحتواء المزدوج، اضافة الى سلام اسرائيلي - سوري يستقطب سورية لنادي الدول المؤيدة لها أميركا في المنطقة". لكن الولاياتالمتحدة تستطيع، كما يضيف البروفيسور ماعوز، تزويد سورية دعماً اقتصادياً وجلب الاستثمارات اليها وإزالتها من قائمتها للدول الداعمة للارهاب، ودمجها مع تركيا واسرائيل ضمن برنامج مياه اقليمي للمنطقة في حال ابرامها اتفاق سلام مع اسرائيل. وعندما سئل البروفيسور ماعوز عن حجم المساعدات المتوقعة لسورية من الولاياتالمتحدة في حال توقيعها على اتفاق سلام مع اسرائيل أجاب: "لقد كانت لي محادثة قصيرة مع أحد اعضاء الكونغرس الجمهوريين آرلن سبكتر الذي يعرف جيداً الملف السوري وقابل الرئيس الأسد مرات عدة، عن مدى حجم المساعدات الاميركية في حال ابداء سورية موقفاً ايجابياً تجاه العملية السلمية، فقدر حجم هذه المساعدات ببضع مئات من ملايين الدولارات وبعض الاستثمارات التي لا يصل حجمها الى بعض ملايين الدولارات". وهناك تماثل كبير بين رغبة ومصالح اسرائيل للتفاوض مع سورية مع المصالح الاميركية الرامية الى دمج سورية في المسارات التفاوضية المقبلة. وفي استطلاع لعدد من الباحثين والصحافيين الاسرائيليين عن سبب الرغبة الجامحة لإبرام اتفاق سلام مع سورية ذكر أهمها: 1- منع تهديدات وائتلافات مستقبلية عسكرية واستراتيجية بين سورية وايرانوالعراق. 2- وقف هجمات حزب الله بدعم سوري. 3- حل مشكلة المياه الاقليمية. 4- ان اعتراف سورية باسرائيل وابرام معاهدة سلام معها هو بمثابة فك طوق الردع والرفض العربي على اسرائيل وجر 15 دولة عربية للاعتراف بإسرائيل، كما قال شمعون بيريز في مقابلة مع الاذاعة الاسرائيلية في السادس من تشرين الأول اكتوبر الجاري. أما الأسئلة التي تطرح نفسها فهي: ما هو الموقف السوري الحقيقي من ابرام اتفاق سلام مع اسرائيل وما هو الثمن الذي تريد ان تجنيه سورية بعد تأكدها من مواقف اسرائيل والولاياتالمتحدة، خصوصاً تلك المتعلقة بالاحتواء المزدوج كونها مواقف استراتيجية مهمة للولايات المتحدة وايضاً لاسرائيل؟ وهل يمكن القول ان التشدد في موقف سورية جاء نتيجة لإلمامها بالاحتواء المزدوج ومطالبتها بثمن لائق وليس ما نقله البروفسور ماعوز عن السناتور سبكتر، أي بضع مئات من ملايين الدولارات وبعض الاستثمارات؟ وهل تشدد سوري ناجم عن رؤيتها ان الفرصة مواتية لاسترداد هضبة الجولان كاملة من اسرائيل، نتيجة للمتغيرات السياسية الداخلية التي حدثت في اسرائيل، وعلى الولاياتالمتحدة الضغط على اسرائيل لإعادتها الى طاولة المفاوضات والانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967؟ هناك اجتهادات عدة لاحياء المسار السوري - الاسرائيلي بواسطة ايجاد صيغة ملائمة يمكن للطرف السوري الموافقة عليها، وهذا ما تسعى اليه الادارة الاميركية. ويقول الديبلوماسي الغربي الذي يراقب عن كثب التطورات من تل أبيب ان اسرائيل يمكن ان تعترف بحدود 4 حزيران 1967 اسمياً وعلى الورق مقابل موافقة سورية على سيطرة دولية على هضبة الجولان لمدة 15 - 20 عاماً مع الحفاظ على السيادة السورية على تلك المنطقة وباتفاق سلام موقع من جميع الأطراف. أما شمعون بيريز فيقول ان من الصعب البدء بالمحادثات مع السوريين، ولكن من السهل انهاءها. وتبقى المشكلة ايجاد الصيغة للتوفيق بين الرغبات والنيات المتناقضة لدى الطرفين.