مع اقتراب موعد تقديم الرئيس محمود عباس طلباً الى مجلس الأمن للحصول على عضوية كاملة لدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يزداد الجدل في المجتمع الفلسطيني حول جدوى هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي. وفي وقت يرتفع فيه سقف توقعات الشارع الفلسطيني ازاء النتائج «الكبيرة» التي قد تتحقق في حال حصلت فلسطين على العضوية الكاملة، يقلل عدد من الخبراء والحقوقيين والاعلاميين من أهميتها ويحذرون من تداعيات وخاطر محتملة. ورأى هؤلاء أن السبب وراء «تعظيم» النتائج المتوقعة يعود الى عدم معرفة الشارع الفلسطيني بحيثيات التوجه الى الأممالمتحدة، والغموض «المقصود» المضروب حول هذا التحرك من قبل الرئيس عباس ومستشاريه. واعتبروا أن القيادة الفلسطينية «لا تزال تدور في حقل الأوهام السياسية»، ووصفوا توجهها الى الأممالمتحدة الذي جاء بناء على وعد من الرئيس الأميركي باراك اوباما واللجنة الرباعية الدولية بأن فيه «قدراً من الاستهتار». وللبحث في»ايجابيات» و «سلبيات» التوجه الى الأممالمتحدة تداعى حقوقيون واعلاميون لمناقشة هذه الخطوة ودور الاعلام فيها في مقر المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية في مدينة غزة أمس. ورأى مدير مركز الميزان لحقوق الانسان عصام يونس أن عوامل عدة لعبت دوراً في التوجه الى الأممالمتحدة، بينها «حصاد الآثام للمفاوضات مع اسرائيل التي وصلت إلى طريق مسدودة باعتراف الرئيس عباس نفسه، وعدم تحقيق المصالحة، وعدم وجود كلفة سياسية عالية مثل خيارات اخرى بينها تفعيل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول جدار الفصل العنصري، وتفعيل تقرير غولدستون حول جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزة». وشدد يونس على أن القيادة الفلسطينية «ملزمة بتوضيح الاستراتيجية التي تتبعها في خطوة التوجه الأممالمتحدة»، معتبراً أن «هذه الخطوة تأتي في سياق منفصل عن الاشتباك والصراع السياسي مع اسرائيل». واعتبر أن هذه الخطوة، في حال كانت تهدف الى «نزع الشرعية عن الاحتلال»، تقتضي في حدها الأدنى «مقاطعة اسرائيل». وحذر من مخاطر «تفتيت تمثيل» منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، ومخاطر على قضية اللاجئين، متسائلاً عن قدرة «الدولة الفلسطينية العتيدة» على تطبيق بنود ميثاق الأممالمتحدة على أرض الواقع وهي «لا تملك الاستقلال والسيادة» في حال أصبحت عضواً كاملاً، مبدياً تخوفه من امكان «تغيير المركز القانوني للأراضي الفلسطينية كأرض محتلة». من جهته، قال الكاتب الصحافي طلال عوكل إن قرار الذهاب للأمم المتحدة «فُرض» على الشعب والفصائل الفلسطينية التي وجدت نفسها أمام «أمر واقع وخيار مضطرة للدفاع عنه». وقلل عوكل من المخاطر المحتملة على القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية اللاجئين في شكل خاص «نظراً لوجود قرارات أممية في هذا الشأن لا يلغيها سوى صدور قرارات جديدة وتشكيل مرجعيات جديدة». وتساءل عوكل عن «طبيعة الصيغة» التي ستقدم الى مجلس الأمن و «النوايا» التي توجه توجهات القيادة الفلسطينية، وما اذا كان الهف من هذه الخطوة «الانتقال من مرحلة المفاوضات الى مرحلة الاشتباك مع الاحتلال بأدوات سياسية وقانونية، أم لايجاد مخرج وحل من حال استعصاء المفاوضات؟». واعتبر أن القيادة الفلسطينية «تسعى الى تحسين شروط المفاوضات وليس الى الصراع والاشتباك مع الاحتلال»، مشدداً على أن «ارادة القيادة بأن تكون التحركات المرافقة لهذه الخطوة وما بعدها سلمية لا تحكم موقف الشارع ورد فعله على تطورات الأحداث» في اشارة الى احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة أعنف من سابقتيها. ورأى أن «القيادة لا تزال تدور في حقل الأوهام السياسية»، واصفاً التوجه الى الأممالمتحدة «بناء على وعد» من الرئيس الأميركي واللجنة الرباعية الدولية بأن فيه «قدر من الاستهتار». لكن عوكل رأى أن أهمية هذه الخطوة تكمن في أنها «تمثل مراجعة لكل مسيرة التسوية والمفاوضات» المستمرة منذ 20 عاماً، و «تفتح الطريق أمام نوع جديد من الصراع قد يكون مختلفاً عن كل ما سبقه من أشكال»، محذراً من أن اسرائيل تسعى الى «جر الفلسطينيين الى العنف والصراع الدموي».