الكاريكاتور كان بداية كلود مونيه مع الفن. عرض في شبابه في المقاهي والحدائق، الى ان ساعده الفنان يوجين بودان فقدم أعماله للبيع في متجر كان يرسم فيه. وعن طريق لوحات الفنان انتقل حب رسم المناظر الطبيعية الى مونيه، وانفتحت موهبته على اللوحة في التعبير عن الحالة العاطفية للفنان والمنظر على السواء. تشير الاعمال التي رسمها في بدايته مثل "ميناء سانت ادريس" انه كان يعتمد على خبرته في الكاريكاتور ابتداء من الاختصار والمبالغة الى التركيز على الاجزاء. بعد ان أنهى فترة التجنيد في شمال افريقيا عاد يدرس الفن في باريس. ساعدته صداقته مع الفنانين فريدريك بازيل، ورنوار والفريد سيسلي على تحديد الاتجاه الذي يريد ان يسير فيه. ازدادت مصاعبه بعد زواجه من كميل دونسيو التي رزقت منه بإبن فكثرت ديونه فحجزت لوحات له في معرض. اختلف النقاد في تقويم اعمال مونيه عندما ساهم في صالون المعارض لعام 1865. غير ان الناقد اميل زولا اشاد بمقدرة الرسام على ترجمة روح المشهد، اذ كان يطور أسلوبه على أساس ان الفنان مصدر العمل وليست المتاحف والنظريات. ركز مونيه في الفترة ذاتها على مناظر الشاطئ، متخذاً من الملاحظة والرؤيا موضوعاً اساسياً في التشكيلة، ظل يرسم مناظر نهر السين، وتشكل المناطق ما بين لوهافر وباريس عناوين للوحات انجزها حوالى 1868. انتقل بعدها ليعيش مع زوجته وطفله في قرية غلوتون معتمداً على أصدقائه. الا هذا لم يمنع طرده من البيت بعد تراكم الديون عليه. وعلى رغم الظروف فقد رسم واحدة من أهدأ لوحاته "على ضفاف السين" التي تصور امرأة تنظر الى قارب والى انعكاس الماء، فتجذب المشاهد الى التأمل معها في هدوء. لجأ مونيه إلى ارجنتيو في الحرب الفرنسية البروسية التي انهزم فيها الجيش الفرنسي بعد حصار باريس. ظل شاغله في انتاجه هناك كيف يظل على اتصال بما يفهمه الناس مع تطوير أسلوبه في طريقة راديكالية. تشهد لوحة "بيت الفنان"، على محاولته في هذا الاتجاه، وتصور طفلاً يلعب في الحديقة مع زوجة الفنان تراقب أمام الباب. ولا تزال اللوحات التي رسمها في البيت والمنطقة من الاعمال المحبوبة لدى الجمهور. وقد تساءل نقاد كيف استطاع مونيه تنفيذ أعمال جميلة في أوقات حرب حرجة، كان شاغله الوحيد هو تطوير أسلوب شفاف يوحي للناظر انه يتخيل الموضوع ولا يراه بالفعل. ما دفع زولا الى التعليق ان الفنان كان يحاول نقل انطباع الانسان وتأثيره اينما كان. كان متعهد الفن رونالد دونالد يرعى مونيه بشراء لوحاته ما ساعده على التنقل بحثاً عن مناظر جديدة. رسم محطات القطار، ولعبت لوحة "محطة سان لازار" دوراً في تطوير اسلوبه. لم يكن الرسام يهتم كثيراً بالطبيعة الجامدة مع ان الجمهور يقبل على شرائها إلا انه استعمل هذا الاتجاه وسىلة لتحديد موقفه من الألوان ودرجة قوتها كما في "التفاحة وعنب" التي عاد فيها الى تحديد زاوية النظر من داخل اللوحة. تغير الوضع المالي للسوق الفني في باريس، فأفلس عدد من التجار المؤيدين له. ومن بينهم ايرنس هوشيدي وكان فارسياً يملك مصنعاً للنسيج. فعادت اليه الضائقة المالية في فترة ولادة طفله الثاني، وتدهورت صحة زوجته التي توفيت بعد مرض طويل. فبدأ مونيه يبيع لوحاته بأسعار زهيدة حتى تلك التي لم يكن أنهى العمل فيها. وهنا بدأ يرسم من أجل ان يبيع لوحاته في معارض وأروقة تجارية عوضاً ان يعرضها في صالونات للفن. في العام 1884 انتقل مونيه الى جيفنشي، منطقة طبيعية جميلة لم تفسدها الحضارة فاشترى بيتاً وضم اليه أرضاً مجاورة حولها الى حديقة غناء صارت موضوعاً للوحات تعتبر من أهم الأعمال الفنية للقرن العشرين. وتعرض هذه الاعمال في معرض كبير "مونيه في القرن العشرين" تقدمه "رويال أكاديمي" في لندن ابتداء من 23 من هذا الشهر. لم يبدأ كلود مونيه 1840 - 1926 العمل مباشرة في رسم مناظر الحديقة الا بعد ان أنهى رحلات استغرقت فترة طويلة باحثاً فيها على امتداد شاطئ "بريتاني" عن مناظر جاذبة. كان يدعو تلك الرحلات "الحملة" ويكتب عنها يومياً الى زوجته الثانية. وعلى رغم أنه كان ينفذ المناظر في الاستوديو فإنه عمل وكأنه ينقل المشهد من خياله مباشرة. ادى به البحث عن المنظر المدهش الى زيارة لندنمرات عدة، في أولها كتب الى صديق له يقول "من دون الضباب تفقد لندن جمالها" هرب مرة اخرى الى العاصمة البريطانية اثناء الاضطرابات السياسية في أزمة دريفوس التي فرقت المثقفين والفنانين ما بين مؤيد للجيش ومعارض له، فاستقر في فندق يطل على التايمز. ومن شرفته رسم "واترلو بريدج" ثم انتقل الى الضفة الثانية ليرسم بناية البرلمان وتشارينغ كروس، وينهل من ضبابها مناظر تبدو لندن فيها كأنها مدينة الأحلام أو الأشباح. توقف مونيه عن الرسم بعد وفاة زوجته وابنه الثاني. واستطاع صديقه جورج كليمنصو اقناعه بالعودة الى الرسم فبدأ مشروعاً في الاستوديو "اورانجري" الجديد يعتمد زنبقة الماء موضوعاً استغرق ما تبقى من حياته. وعلى رغم تدهور بصره واندلاع الحرب العالمية الأولى فقد ظل منكباً على الموضوع بتشجيع من كليمنصو الذي صار رئيساً للوزراء في العام 1917 فأقنعه بإهداء لوحة زاد طولها عن ستة أقدام الى الشعب. بعدما شفي من عملية جراحية في عينه تابع رسم مناظر الحديقة. في الاستوديو كان مونيه يزاول عملاً تزيينياً، في حين ظل خياله منغمساً في تجربته مع العالم الحقيقي. كان هناك صراع بين الاتجاه الطبيعي العفوي وبين اتجاه التزيين. بين مونيه القريب الملتحم بالموضوع وبين مونيه المتخيل الحالم فيه. ربما ساهم ضعف بصره على المزج بين الاتجاهين في صورة طبيعية غير مفتعلة أدت في ما بعد الى ظهور مذهب فني جديد، لا يزال اتباع التجريد الانطباعي يدينون بالفضل فيه لهذا الرسام الكبير. Royal Academy of Arts TEL: 0171 300 8000 من 23 كانون الثاني يناير الى 18 نيسان ابريل 1999.