ملف سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام في لبنان ما زال مفتوحاً، بعدما تسبب بعاصفة سياسية كبيرة بين اركان الحكم اللبناني، نظراً الى تشابكه مع الوضع المالياللبناني والوضع السياسي المتوتر الآن، وإن أقرّته اللجان النيابية المشتركة بعناصره الثلاثة: الاداري والعسكري والقضائي، واندلعت زوبعة نيابية - حكومية في شأنه، اذ جاء انجاز اللجان مهمتها خلافاً لرأي الحكومة لجهة ادخال التعديلات عليه، ما رفع التمويل المطلوب لأكلاف السلسلة، من 415 بليون ليرة الى 850 بليوناً. وتبقى الكلمة الفصل في شأن اقرارها للهيئة العامة للمجلس النيابي التي أحيل عليها المشروع، علماً ان انعقادها مرهون بفتح الدورة الاستثنائية التي بقي مصيرها في دائرة المجهول بعد العطلة النيابية ومعها السلسلة. وأغلب الظن ان موضوعاً مالياً وسياسياً وإدارياً بهذا الحجم سيترك للعهد الرئاسي الجديد ليُعالَج خارج دائرة التجاذب السياسي القائم الآن. وفي حين يرى نواب ان هذه التجاذبات ظاهرها السلسلة وباطنها تحصين المواقع من جانب رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري تمهيداً للعهد المقبل، اكد نواب آخرون ل "الحياة" شاركوا في اجتماعات اللجان المشتركة "ان هناك تناغماً في فتح الدورة، بين الحاجة الى إقرار السلسلة وعوامل اضافية مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، خصوصاً اذا فرضت المناخات الاقليمية المحيطة بهذا الاستحقاق اقرار تعديل المادة الپ49 من الدستور المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية"، اما من اجل التمديد للرئىس الياس الهراوي واما لانتخاب موظف من الفئة الاولى يشترط الدستور استقالته قبل سنتين من الاستحقاق الرئاسي. ويؤكد نواب مؤيدون لإنصاف الموظفين ان الحكومة تماطل منذ اربع سنوات في هذا الموضوع ولو طبّقت بنود الورقة الاصلاحية التي أقرّت بين الرؤساء الثلاثة الخريف الماضي، لتوافرت الأموال المطلوبة لها وأن التذرع بمصادر التمويل في غير محله، اذ ان زيادة الرسوم الجمركية والميكانيك تقدر بنحو 500 مليون دولار، ما يوازي ثلث اعباء السلسلة. وفي المقابل، تؤكد الحكومة ان اقرار السلسلة بهذا الحجم ستكون له مفاعيل على المدى الطويل تؤثر مباشرة في خزينة الدولة، وان هذه الارقام، بحسب وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة، "تسبق الزيادة التي ادخلتها اللجان على المشروع وترفع اكلاف السلسلة الى 850 بليوناً وبالتالي تحتاج الى موارد اضافية". إلا ان ما توصلت اليه اللجان والحكومة واتفقتا في شأنه هو موضوع المفعول الرجعي الذي قضى الاتفاق بتقسيطه خمس سنوات على ان يدفع اعتباراً من 1/1/1999، اضافة الى حسم موضوع اساتذة الجامعة والقضاة، فيما الغيت المادة الپ12 من السلسلة المتعلقة بالتعويضات والمخصصات للسلطات العامة، اي عدم شمول الزيادة مخصصات النواب والوزراء والرؤساء ورواتبهم. ومن المواضيع التي ما زالت عالقة في السلسلة قضية توزيع الاموال لصندوق المصادرات في الجمارك على العاملين فيها، اضافة الى موضوع المتعاقدين والاجراء والمستخدمين والمتعاملين مع وزارة الاعلام، اذ انه عالق بين اعتراضين: اعتراض حكومي على ادراجهم في خانة المستفيدين من السلسلة باستثناء زيادة ال20 وال10 وال5 في المئة، واعتراض نيابي على الموقف الحكومي واصرار على ادراجهم ويبلغ عددهم نحو 1932 موظفاً، وكثر منهم، بحسب وزير الاعلام باسم السبع هم "خوّة سياسية" مفروضون على الوزارة ولا يعملون. اذ ان تعيينهم يتم من دون المرور بمجلس الخدمة المدنية المولج فرز المرشحين للتوظيف في الدولة، بحجة القيام ببعض المهمات الاعلامية التي تتطلب الوجود خارج مراكز العمل. اما لجهة تقليص الفارق بين المتقاعدين وردم الهوة في ما بينهم أقرت اللجان النيابية الصيغة التي وضعتها لجنة نيابية مصغرة مؤلفة من محمد عبدالحميد بيضون وأنور الخليل وخليل الهراوي وتنص على اعطائهم زيادة قدّرت بنحو 50 بليون ليرة، لكن الحكومة من جانبها اقرت مشروعاً فصلته عن السلسلة بكلفة 170 بليون ليرة، بتشجيع من الحريري، ما زاد الاكلاف ايضاً. وتتلخص اسباب اختلاف المعاشات التقاعدية للمدنيين والعسكريين بالتضخم، الذي طرأ خلال سنوات الحرب وبسببها، بنسب فاقت بكثير نسب زيادة المعاشات التقاعدية. قضية السلسلة، فضلاً عن ابعادها الادارية والمالية والسياسية، تمسّ نحو 166 الف موظف وعامل في الدولة اللبنانية وعائلاتهم لذلك هي قضية ساخنة. "الحياة" التقت احد الذين هيّأوا لمعالجة اوضاع هؤلاء عبر السلسلة، النائب انور الخليل، الذي أعدّ اول دراسة لها حين كان وزيراً للاصلاح الاداري في الحكومة السابقة منذ العام 1994 وواكب المناقشات في شأنها حتى الايام الماضية في المجلس النيابي، فأكد انها "خطوة في خطة الاصلاح الاداري التي اخذت مدة من الزمن وكانت خاضعة لدراسات مستفيضة مع خبراء دوليين ومحليين وعرب توصلنا في نتيجتها الى وضع خطة لإعادة تأهيل الادارة اولاً ومن ثم البدء بخطوات حثيثة في ملف الاصلاح الاداري، اذ ناقشنا مشكلة السلسلة بعمق ووجد الخبراء ان هناك تشوهات كبيرة دخلت على رواتب الموظفين من خلال تعويضات اضيفت على هذه الرواتب بضغوط مختلفة على الحكومات المتعاقبة، تارة على شكل رفع التعويضات على الرواتب او تنويعها حتى صار التعويض يتبع تعويضاً في عدد من القطاعات التي اخذت قطاعات اخرى في الدولة بمعاملتها بالمثل الى ان اصبح هناك غابة من التعويضات تمثل قسماً اكبر بكثير من واقع الراتب ومهمات الموظف. ووجدنا نحن والخبراء في العام 1994 ان هناك اجحافاً كبيراً بالنسبة الى واقع السوق واحتياجات الموظف والمبالغ التي تدفع له من خلال وظيفته، وكان لا بد من ان نتعاطى مع هذا الموضوع كجزء من خطة الاصلاح الاداري". وأضاف: "تعاطينا في موضوع السلسلة من خلال اربعة ابواب: الاول يتعلق بالمواضيع التنظيمية للرواتب والتعويضات، اذ دمجنا اكثر التعويضات الممكن دمجها في صلب الراتب فأصبح واضحاً، وصرنا نعرف ان أحد الموظفين اصبح راتبه مثلاً 300 الف ليرة لا مئة الف، تضاف اليها تعويضات تحت 20 او 30 عنواناً نقليات - تمثيل ... وأعدنا تنظيم هذه الارقام، الموضوع الثاني هو اصلاحي اذ ادخلنا في السلسلة مواد اصلاحية تتعاطى مع تغيير الدوام وتقويم الاداء وتعيين الموظفين في الفئتين الاولى والثانية من جانب لجنة اختصاص عالية الكفاية يترأسها رئىس مجلس الخدمة المدنية، وتقوم بدراسة حثيثة لتعيين الموظف بعد مباراة خطية واختبارات عدة والتأكد من صلاحية اشغاله لهذا المركز. والقسم الثالث اجتماعي يتعلق بالمتقاعدين الذين خدموا الادارة من قضاة واساتذة جامعة وعسكريين وأمنيين وإداريين ومعلمين كانوا سرّحوا في مراحل مختلفة ويتقاضى القسم الأكبر منهم رواتب تقاعدية متدنية". اما القسم الرابع، بحسب الخليل، فهو الشق المالي وانعكاس كلفته على الخزينة. "ولهذا طرحت السلسلة في تموز يوليو 1995 على مجلس الوزراء وبعد مناقشات طويلة وأخذ وردّ ارسلت الى المجلس النيابي في اذار مارس 1996 فدرستها اللجان، ومنها الى الهيئة العامة للمجلس ثم سحبتها الحكومة من جديد لتعديل بعض الارقام والجداول ومن ثم اعيدت في ايار مايو الماضي الى اللجان المشتركة والآن احيلت على الهيئة العامة لإقرارها". ويعزو الخليل التقصير في الاصلاح الاداري في ما يتعلق بالموظفين الفائضين والفاسدين وغير المؤهلين وعدم اتخاذ اجراءات في حقهم، الى "تراكمات من عهد الاستقلال والحكومات التي تتالت حتى اليوم". ويقول: "في السابق لم نكن نرى هذه الامور بأهمية لأن عدد الموظفين لم يكن كبيراً، وكذلك مالية الدولة، فيومها كان الفاسد يمر مرور الكرام من دون ان يشعر به احد، لكن كان ثمة فساد ورشوة وعلى اعلى المستويات، إلا ان هذه التراكمات وصلت الى حد لم يعد يطاق. فاذا لم تتخذ الحكومة اجراءات جذرية لمكافحة هذا الوضع الشاذ فان البلد لن يستقيم، والحكومة لم تعمل بما فيه الكفاية حتى تظهر ان هناك فعلاً تغييراً للمسار، اضافة الى ان السبب الاساسي هو ان القرار السياسي الداعم للاصلاح الاداري لم يتخذ حتى اليوم، وفي ظل عدم وجود التزام سياسي حياله من العبث القيام به. وفي شأن الفائضين من الموظفين اشرف مجلس الخدمة المدنية على دراسة تبين ان هذا الموضوع لا يزال شائكاً لأن القرار السياسي ليس جاهزاً والحكومة ليست في وارد الاستعداد للقول لموظف فائض او غير فاعل بترك العمل لانه محسوب على جهات معينة". ويكشف ان الدراسة تعطي تسعة حلول للتعاطي مع عملية الفائضين تبدأ بإعادة تدريبهم في الادارة وإدخالهم في مباريات مختلفة لتبيان العدد المؤهل منهم لاستيعابه في الملاك الاداري وتنتهي بتحفيز الموظفين الذين من الممكن ان يتركوا الادارة في سن مبكرة على ان تدفع لهم الحكومة تعويضات اضافية جديدة. وهؤلاء قد يجدون عملاً جديداً في القطاع الخاص، لكن ما تم عمله حتى اليوم ان مجلس الخدمة بدأ باجراء مباريات محصورة وظلت محدودة في بعض الادارات التي عملت على ترتيب اوضاعها تتعلق بالاجراء. ويلاحظ الخليل "ان معالجة موضوع الموظفين الفاسدين والمفسدين ما زالت غير فاعلة، بدءاً بالرقابة الذاتية للإدارات ولكن لم نجد الى الآن اي احالة صدرت عن هذه الادارات لموظفين يرتكبون اعمال فساد كبيرة على المجلس التأديبي. ونحن نعلم ان هناك عدداً كبيراً من هؤلاء". موظفو القطاع العام في احصاء لموظفي القطاع العام يشير الخليل الى ان عددهم هو نحو 166 الفاً، القسم الاكبر منهم عسكريون وأمنيون يليهم المعلمون الابتدائيون والثانويون وعددهم نحو 32 الفاً مروراً بالاداريين في المؤسسات العامة والقضاة واساتذة الجامعة والأجراء. ولم يرَ الخليل ان التركيبة السياسية قادرة على انصاف الموظفين الفاعلين ومعاقبة الآخرين الفاسدين وغير المؤهلين، لان هذه التركيبة هي "اساس العلّة في ما يحصل وبالتالي لا رجاء من سبب العلة ان تكون العنصر المعالج لهذا الموضوع، وما استطيع قوله ان تفاقم الوضع وصل الى درجة لم يعد من المقبول السكوت عنها، فاذا كان القصد انهاك لبنانمالياً واقتصادياً ومنع دخول استثمارات اساسية اليه نبقي الوضع على حاله كما هو الآن في الادارة، اما اذا اردنا فعلاً ان نشرع ابوابنا لاستثمارات جديدة، وهذا الحقل هو الوحيد الذي يخفف من حدة البطالة في لبنان وفتح المجال لأجيال المستقبل للعمل، فيجب ان نخوض معركة قاسية وشرسة جديدة ضد كل من له علاقة بهيمنة السياسة على الادارة في شكل يحمي الفساد". وفي شأن الاجراءات التي طرحت لتمويل السلسلة، يقول الخليل: "ان كل فريق يطرح الموضوع من زاويته هو، والمجلس النيابي لا يزال يرتقب ان يكون هناك مشروعاً لدى الحكومة تتقدم به مع علمنا ان ارقاماً ضخمة من هذا النوع لا يمكن ان تتحقق فقط من جانب الحكومة، بل يجب ان يكون هناك نوع من التوافق على الرؤية بينها وبين المجلس النيابي، ولكن على الحكومة ان تقوم بالخطوة الاولى، كونها تمثل القوى السياسية الاساسية في المجلس النيابي، ولهذا عليها ان تراجع هذا الأمر وتطرح الخيارات بتوافق اعضاء مجلس الوزراء، وهذا خطوة كبيرة في اتجاه التوافق مع المجلس عموماً. لذلك نأمل ان تأتي الحكومة بهذه الخيارات لأن هناك اموراً يصعب عليها مواجهتها، وقد تكون هناك ضرائب يجب ان تفرض. اما بالنسبة الينا كنواب فليس في امكاننا اعطاء ارقام او التعاطي مع التفاصيل لأن الحكومة تبقى هي الأقدر على تزويدنا هذه المعلومات واقتراح الامور التي يمكن ان توفر للخزينة المال المطلوب لاحتواء السلسلة". ويرفض الخليل فكرة "تولي النواب التفتيش عن طريقة تمويل الحكومة لمشاريعها لان ذلك ليس من اختصاصهم الذي هو مناقشة المشاريع المقدمة منها. وعلى الحكومة ان تحدد الاعباء، فاذا رأت صعوبة في تأمينها تسحب المشروع وتلغي السلسلة، وهذا يتطلب قراراً لديها تكون مقتنعة به، مبنياً على انها لم تعد تريد الخوض في مشروع كهذا. ساعتئذ نحاسبها نحن على هذا الموقف. ونحن كنواب على استعداد لأن نتفهم ونتعاون الى ابعد الحدود ضمن الحفاظ على المصلحة العامة والوطنية". ويفصّل الخليل حقيقة أكلاف السلسلة التي قفزت ارقامها ضعفين، بالقول ان هذا الموضوع "تطور عندما طرحنا السلسلة على مجلس الوزراء. فوفق تسلسل تاريخي، تقدمنا في 21 آذار 1996 بمشروع الى المجلس النيابي عندما كنت وزيراً للإصلاح الاداري، كانت كلفته 362 بليون ليرة سنوياً. فأقرّ المجلس سلسلة المعلمين الرسميين للمرحلتين الابتدائية والثانوية بلغت 90 بليوناً من اصل المبلغ. ومن ثم احيل المشروع على لجنة المال والموازنة التي اقرّت ما تبقى منه فبلغت كلفته 292 بليون ليرة. ولما وصل المشروع الى الهيئة العامة سحبته الحكومة وتقدمت بمشروع جديد ضم العسكريين وفروقات التعويض وصرف التقاعد. وقفزت ارقام المشروع من 292 بليوناً الى 415 بليوناً، بناء على ما تقدمت به الحكومة ثم احيل في ايار من العام الجاري على اللجان التي ادخلت بدورها تعديلات عليه، كلفتها 80 بليون ليرة اضافية ليخرج من اللجان ب495 بليوناً يضاف اليها المفعول الرجعي للموظفين وال170 بليون ليرة التي اقرّتها الحكومة في مجلس الوزراء للمتقاعدين لتصبح اكلاف السلسلة 880 بليوناً". ويضيف الخليل: "نحن كنواب لا يمكننا إلا ان نتعامل مع هذه المشاريع بجدية، لأن الحكومة أقرّت هذه الزيادة، لكننا نسأل من اين التمويل؟ والظاهر ان ضخامة الرقم يشجع الحكومة على التمويل". ويلفت الى ما تجنيه الخزينة "من خلال رسوم الميكانيك والهاتف الخليوي التي تؤمّن نحو 50 في المئة من اكلاف السلسلة سنوياً، وتبقى الپ50 في المئة التي تبحث الحكومة عن مداخيل لها". ويستبعد الخليل ان يكون وارداً اليوم "السيناريو" الذي حصل في عهد حكومة الرئيس عمر كرامي فأسقطها نزول الاتحاد العمالي العام الشارع في 6 أيار من العام 1992 بعدما انهارت الليرة بفعل زيادة ال60 في المئة مرتين من جانب وزير المال آنذاك علي الخليل اذ ان المعطيات كلها تغيرت، بمعنى ان هناك ترقباً وبُعد رؤية ونظر في مصرف لبنان الذي بدأ منذ مدة التحسب لهذا الموضوع ودخل السوق المالية وجعل مدة سندات الخزينة القصيرة المدى سنة وسنتين بدلاً من ستة اشهر، وشجع المصارف على التعامل بسندات الخزينة، وبذلك خفّض امكان توافر السيولة الكافية للمضاربة على الليرة. ومن ناحية ثانية فان موجودات مصرف لبنان اليوم هي غيرها في ايار 1992، وهي قادرة على مقاومة اي تلاعب في السوق لمدة طويلة من ضمن تحرك عادي لأسعار الصرف، اضافة الى الآليات المتاحة اليوم للقوانين والتشريعات والتعاميم الموجودة لدى المصرف والتي ستساعده، في حال وجود اي حركة ضد الليرة، فتجعل المواجهة معه غير سهلة، وفي امكانه النزول الى السوق بتعديل كبير على اسعار الفائدة وبرفع نسبة الحسم على السندات التي يمكن ان يعاد حسمها، بمعنى ان لديه مجالات عدة للوقوف في مواجهة اللعب بالليرة اللبنانية. وما استطيع قوله ان السوق قد تتحرك صعوداً او نزولاً لمدة معينة اذا كان ثمة مناكفات سياسية قوية تجعل المودع يخاف ويحاول ان يتخلص من الليرة لاستبدال عملات اجنبية بها، ولكن ليس بسيناريو 6 ايار على الاطلاق". ويتساءل الخليل: "كيف نشغل البلد بمناكفات سياسية وننتظر من المستثمرين توظيف اموالهم في لبنان؟ وكيف نشرّع لفرد ولا نشرّع لمؤسسة؟"، ملخصاً ذلك بأمرين "التشريعات المؤاتية لاستقطاب الاستثمارات والوضع النفسي للمستثمرين المحليين وخارج لبنان. فاذا كانت سياسة الحكومة تشجيع قطاع الفنادق، فعليها تشجيع كل المستثمرين سواء كان حجم المستثمر مليون دولار او مئة مليون. لذلك لا يجوز ان يكون ثمة تشريع بالمفرّق. ونحن نقول ان ثمة تشريعات ايضاً يجب ان تذهب الى ابعد من ذلك لاستقطاب المستثمرين ضمن رؤية الحكومة وخطتها التي لم نرَ اثراً لها بعد، وما هو فعلاً مخططها حيال القطاعات المختلفة؟ ثمة بوادر للسياسات التي صدرت في عملية تشجيع القطاعات المنتجة من خلال دعم بعض فوائدها لكن هذا ليس كافياً. وثمة بلدان اخرى تقدم الأرض في مقابل مبالغ زهيدة جداً كإيجار او بدل استثمار وتمنح اعفاءات ضرائبية لمدد طويلة تصل احياناً الى عشر سنوات". ويتابع الخليل: "هناك ايضاً موضوع اساسي هو وضع قانون العمل في لبنان، وهو قانون قديم جداً يتطلب مراجعة كاملة حتى نستطيع ان نضاهي البلدان التي تطرح سوقها للمستثمرين". ويرى "ان الجو الاستثماري العام يحتاج الى استقرار سياسي وأمني ونقدي. فالأمن متوافر لكن السياسة تؤدي دوراً كبيراً، اذ لا يمكن ان نبقي البلد مشتعلاً بمناكفات سياسية وخصوصاً بين كبار المسؤولين وفي الوقت نفسه ننتظر من المستثمرين ان يستثمروا اموالهم في لبنان. فالمستثمر ينظر الى امرين اساسيين: الاول استقرار القوانين والتشريعات ليرى عندما يوظف استثماره ان الحال الطبيعية ستستمر، لا ان تجذبه اليوم مغريات وبعد سنة او سنتين تتغير. والموضوع الثاني يحتاج الى ربح كاف حتى يبرر لماذا يأتي الى بلد من دون ان يذهب الى بلد آخر. فالاستقرار التشريعي يجب ان يكون مدعوماً بالاستقرار السياسي". ويحصر الخليل الحديث عن السلسلة بموضوعين اساسيين: "الأول موضوع الأكلاف المختلفة، فاذا كان القرار السياسي ان تبقى الحكومة وأجهزتها والدولة بجميع عناصرها في هذا الترهل والحجم الكبير فنحن ذاهبون الى خراب لا شك فيه". ويسأل: "هل دور الدولة ان تستوعب كل الناس غير المنتجين وغير الفاعلين وأن تدفع لهم رواتب وأجوراً؟ او ان تقوم بأشغال وهي عاجزة عن امكان تقديم خدماتها بكفاية وبكلفة محدودة؟ وما هو دور القطاع العام، ودور القطاع الخاص؟ وكيف يمكن ان تجمع هذين القطاعين المهمين حتى نتمكن من تقديم الخدمات الى المواطن؟ من هنا السؤال الاول: ما هو دور الدولة؟ فاذا كان فقط ان تظل تعمل سلاسل رتب ورواتب حتى يفرح الموظفون وكلما طرق شخص سيئ باب سياسي يذهب الاخير ليجد له وظيفة ويثقل الدولة والخزينة بوجوده فمعنى ذلك اننا ذاهبون الى خراب". ويتابع الخليل: "اما الموضوع الثاني فهو: ما المتاح في هذا الجو السياسي الذي نعيشه للوصول الى اصلاح اداري حقيقي؟"، ويجيب: "ان هذا الامر ممكن من خلال خطوات صغيرة متواصلة اذا التزم هذا القرار السياسي رؤية وخطة للإصلاح". وإذ خطا موضوع السلسلة خطوة الى الامام، فانها جاءت ناقصة بسبب فقدان التمويل من جهة والتباين في الرأي بين المشروع الذي اعلنه الرئيس الحريري في مسألة انصاف المتقاعدين ومشروع اللجان النيابية. وفي اختصار، اصبحت السلسلة كحكاية ابريق الزيت والحديث عنها بات عنواناً يختصر في مضامينه عناوين وقضايا خلافية كثيرة، ظاهرها مالي يتعلق بمسألة التمويل التي اصبحت ككرة النار يحاول كل طرف رميها على الآخر، وباطنها سياسي يقوم على خلفية الاستحقاق الرئاسي والعلاقة بين الرؤساء وتحصين المواقع مستقبلاً.