انسحب التباين في الرأي حول سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام والمعلمين في لبنان، على جبهة معسكري فصل السلسلة من عدمه عن مشروع الموازنة العامة، بين الكتل السياسية الممثلة في الحكومة، على الجلسة التشريعية التي انطلقت أمس برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري ومشاركة رئيس الحكومة سعد الحريري. وسرعان ما تحول هذا التباين إلى فرملة التفاؤل، لدى مناقشة أرقام كلفة ضم المتقاعدين المقدرة وفق مصادر نيابية ل «الحياة» ب794 بليون ليرة فروقات مضافة إلى سقف ال1200 بليون الذي وضعه مشروع الموازنة للسلسلة، ومصادر التمويل بما يتلاءم وواقعية المالية العامة. وأتاح تصويب النقاش مع إقفال الجولة الأولى قرابة الرابعة إلا ربعاً أن تشق السلسلة طريقها بشق الأنفس، إلى الإقرار وإن بحذر وربطاً بالتمويل. وفي ظل رفض أي زيادة محتملة عليها، عاد الحديث عن سلة الضرائب مجدداً، والضريبة على القيمة المضافة لتغطية السلسلة، فيما الهيئات الاقتصادية تضغط لإبعاد الضرائب عنها، ما يؤشر لعودة المواجهة النقابية في الشارع، وقد بدأت تباشيرها أمس تزامناً مع انعقاد الجلسة. وكان أبرز ما أقر في أولى جولات النقاش البرلماني الذي يمتد على أربع جلسات صباحاً ومساء وينتهي اليوم، هو إعطاء زيادات لمعلمي مدارس القطاعين الرسمي والخاص بعد نقاش دار حول أحقية أن تشمل هذه الزيادة معلمي الخاص من عدمها، انتهت إلى التصديق على «المساواة» بينهما بعد التصويت برفع الأيدي. كما أُقر أيضاً إعطاء المتقاعدين حقوقهم مع تجزئتها على 3 سنوات. واعتبر وزير المال علي حسن خليل بعد الجلسة «أن السلسلة أقرت عملياً»، إلا أنه يتوجب توفير الإيرادات الكافية لتغطية تكاليفها التي سترتفع حكماً بعد 3 سنوات. وأشار بري خلال افتتاح الجلسة إلى أن «السلسلة حق للناس ويجب إقرارها لكن مع مراعاة الخزينة والمصلحة العامة، وحين ننتهي من درس الموازنة، سأعلن جلسة لمناقشتها خلال 48 ساعة ولكن ذلك لا يحجب أننا يجب أن نصل إلى نتيجة في موضوع السلسلة». وأضاف: «السلسلة موجودة منذ خمس سنوات على جدول الأعمال والموازنة منذ أكثر من عشر سنوات وهذا تقصير من الجميع، فلو كنا نعطي غلاء معيشة سنوياً لما وصلنا إلى هنا». أما الرئيس الحريري فقال بصراحة: «لا أوافق على سلسلة من دون موارد، وتراجع بعضهم عن بعض الضرائب التي كنا أوردناها هو كمن يقول لا نريد السلسلة، فمالية الدولة ليست موظفين فقط، بل حقنا الحفاظ عليها وحمايتها»، معتبراً أن «السلسلة سلة واحدة: إصلاحات وموارد وضرائب حتى لا نقع في المهوار وهذا ما توافقنا عليه». ولفت النائب نقولا فتوش إلى أن «كل زيادة تعطى للموظفين منذ عقود لا علاقة لها بالواردات، وإلا سنصبح أمام فرص ضرائب لإعطاء زيادة، وهذا مخالف للدستور». وقال: «تأمين الأموال مسؤولية الحكومة، ولا تلقى على المجلس النيابي. إذا أقررنا السلسلة لا أحد يطعن بها أمام المجلس الدستوري، ولكن إذا طعن بالسلسلة مع القوانين كجزء منها فيطعن بها، هناك حق للموظف ولا يجوز القول لا نعطيهم الحق من دون ضرائب». واقترح «إقرار السلسلة من دون ضرائب، ومن ثم الحكومة تبحث عن التمويل». وأعلن النائب إبراهيم كنعان «أننا بتنا على بعد أيام من إقرار موازنة ستؤمن وفراً بقيمة 1000 بليون ليرة تعوض عن إجراءات ضريبية مرصودة سابقاً للتمويل». وقال: «لا نطرح تأخير السلسلة بل أخذ وفر لجنة المال بالاعتبار، لا سيما أن حقوق المتقاعدين والمعلمين تتطلب رفع سقف السلسلة إلى أكثر من 1200 بليون». وهنا بدأ تفنيد بنود السلسلة ال38 ومناقشتها بنداً بنداً والتصويت عليها. وقد استوقفت المادة 13 منها، النواب وهي تنص على إعطاء الزيادات لمعلمي المدارس الخاصة الداخلين في الملاك مساواة مع معلمي المدارس الرسمية. فكان سجال في هذا الشأن إذ عارض الحريري والرئيس فؤاد السنيورة إلزام المدارس الخاصة بهذه الزيادة وطالبا بترك الحرية لها، فيما تمسك وزير التربية مروان حمادة ومعه النائب بطرس حرب بالمساواة، مذكّرين بأن «المساواة بين القطاعين العام والخاص موجودة في القانون منذ أكثر من 60 عاماً». وبعد تصويت برفع الأيدي، صادق المجلس على استفادة معلمي القطاع الخاص من الزيادة المقرة لمعلمي القطاع الرسمي. وقال السنيورة تعقيباً: «للتاريخ أقول، من هنا سيبدأ الانزلاق»، محذراً من اختلال التوازن ومن زيادات محتمة ستطاول الأقساط المدرسية». أما في المادة 18 المتعلقة بالمتقاعدين، فكان أيضاً بحث مفصل خصوصاً أن توسّع السلسلة لتشملهم أيضاً، سيزيد من كلفتها. وأعلن الحريري «أننا مع حقوق المتقاعدين لكننا مع الشباب أيضاً وتأمين مستقبلهم ونحن مع تأمين الإيرادات لكل زيادة»، سائلاً: «ماذا يستفيد المتقاعد إذا انهارت الليرة»؟. ورد بري: «لا شيء يعطى ببلاش فهناك زيادة ضرائب وإصلاحات عدة «نستقتل» لتطبيقها»، معتبراً أن الطبقة الوسطى هي أساس الاقتصادات في العالم». وقال النائب أكرم شهيب: «بعيداً من الشعبوية، نحن متمسكون بسقف ال1200 بليون ليرة وأي زيادة ستفتح الشهية أكثر وسندخل المجهول». وحذر من أن «أي قرش زيادة على هذا السقف سيكون لنا موقف متحفظ في الكتلة التي انتمي إليها». وخلال النقاش، حصل خلاف حاد وصراخ بين وزير المال علي حسن خليل وكنعان على خلفية وصف خليل كلام كنعان عن وفر بقيمة ألف بليون بالموازنة ب «المزحة»، فاعترض كنعان، فرد خليل «ما تقاطعني»، كنعان: «عيب هذا الكلام». خليل: «عيب عليك أنت، بلا أدب». كنعان: «احترم حالك». فتدخل بري طالباً وقف السجال». وهنا دخل النائب أحمد فتفت على الخط، وقال لكنعان: «مرقوها متل الإبراء المستحيل»، فأجابه كنعان بحدة: «بعدو إبراء مستحيل». وتوجه فتفت لبري: «فينا نرفع الجلسة يا دولة الرئيس: هيئتوا فقد أعصابو». كنعان: «عيب هذا الكلام». ثم اشتعل السجال مجدداً بين خليل وكنعان فتدخل بري مراراً حتى تمكن من وقف التهجمات الكلامية. فعقب كنعان إن «لجنة المال تقوم بعمل رقابي برلماني جدي مثبت بالمستندات والأرقام وما عدا ذلك من كلام هو المزحة». وهنا، سأل النائب وائل أبو فاعور وزير المال وكنعان: «هل صحيح هناك وفر ألف بليون ليرة؟ وإذا صح ذلك لماذا نفرض 1 في المئة T.V.A على المواطن». وأضاف «بدل أن نسترجع المال من السارقين لنعطي المواطن حقه، نفرض ضرائب إضافية على المواطنين». فرد بري: «السلسلة حق وليست شعبوية قبل كل انتخابات»، أبو فاعور: «أنا مصر على معرفة ما إذا كان الوفر موجوداً أم لا». أما النائب سامي الجميل فطالب بمنح النواب مدة أطول للكلام، مشيراً إلى أن المعارضة لا تتمكن من مساءلة الحكومة أو التحدث مع الوزراء إلا من خلال المجلس النيابي. وتحدث عن توظيف عشوائي في الدولة. وقال: «هناك كمية من المتعاقدين وجزء منهم يقبض ولا يعمل. إضافة إلى وجود تخمة في عدد الموظفين». ودعا إلى «إجراء عملية شاملة لتنظيف الإدارة». ودعا «للتصويت على الحقوق إذا كانت مكتسبة بغض النظر عن التمويل وهو مسؤولية الحكومة». وانتهى البحث في هذه المادة، بإقرار إعطاء المتقاعدين حقوقهم مع تجزئتها على 3 سنوات. وبعد الوصول إلى المادة 20 والانتهاء منها، رفع بري الجلسة إلى السادسة عصراً لاستكمال البحث في بنود السلسلة ال18 المتبقية، وهي المواد الإصلاحية إضافة إلى الموارد». وبعد رفع الجلسة جمع بري خليل وكنعان والنائب جورج عدوان في مكتبه، لترطيب الأجواء بعد السجال الحاد بين كنعان وخليل. وقبل الجلسة، أكد عدوان أنه «سيتم إقرار السلسلة وربطها بالموازنة التي ستقر بدورها قريباً وخلال مدة لا تتجاوز ال10 أيام»، مشيراً إلى «أنني اجتمعت والرئيسين بري والحريري قبل الجلسة وسعينا لتكون هناك صيغة متوازنة بين إقرار السلسلة والموازنة»، مؤكداً «أننا لن نغادر المجلس قبل أن نقر السلسلة وسيكون موعد ثان لإقرار الموازنة قريباً». أما النائب علي فياض فقال إن هناك «اتفاقاً على إقرار السلسلة مع التزام بإقرار الموازنة في الأسابيع المقبلة». ولفت إلى أن «لو لم تقر الموازنة، فإن السلسلة مفصولة عنها و «راح تمشي وحدا».