الكتاب: ثلاثية الرباط رواية الكاتب: عبد الكبير الخطيبي ترجمة: فريد الزاهي الناشر: الرابطة، الدار البيضاء 1998 أقدمت الرابطة على اعادة نشر بعض مؤلفات الكاتب المغربي عبد الكبير الخطيبي في ترجماتها الى العربية. ومنها روايته الأخيرة "ثلاثية الرباط" التي تلتقي وروايات مغربية أخرى صدرت في السنوات القليلة الماضية تحت هاجس واحد: اضاءة المتغيرات والوعي بالمرحلة التاريخية الراهنة. بيد أن لرواية الخطيبي ما يميزها عن الأخريات لأنه كتبها بمنظور نوعي وصياغة مخصوصة أراد بهما إظهار درجات التبدل الذي أصاب المجتمع، وووصف نهاية الأحلام الجماعية التي رافقت التخلص من الأجنبي - المستعمر: لقد انتهى المجتمع الممثل في مجتمع مدينة/عاصمة كالرباط الى قيم الفردانية والانتهازية والى الصراع من أجل مكان في السلطة" عصب القوة والنفوذ. يقيم الكاتب مشهدها عبر ثلاثية وسمت النص الروائي منذ عنوانه: المال، الجنس، السلطة. تقوم رواية "ثلاثية الرباط" على هندسة الوقائع المفترضة ووصلها ببعض ما شهدته المدينة من أحداث وظواهر في السنوات القليلة الماضية، في ذلك تُخوين للكتابة والفعل الروائي للإيهام بقوة التخييلي باعتباره مجال الرواية وطريقها لاستكشاف دلالة التغيير السياسي والمجتمعي بمنظور فني وإنساني: عبر الشخوص والحوارات" أو بوصف الهواجس والتطلعات المصاحبة لعملية التغيير. ويشير الكاتب لها باستقصاء بعض الأسباب التي جعلت العمل السياسي في المغرب عملاً من أجل موقع في السلطة بدل الاستمرار في العمل الى جانب المجتمع ومن أجله كما دأبت الروايات المغربية الى بداية التسعينات على تأكيده بدعوى الإصلاح الذي اعتُبر أطروحتها الأولى. فالبيئة التي يتحرك ضمنها إدريس الشخص الرئيسي في الرواية لا تمتّ الى ما نشأ عليه من قيم ومبادىء تؤمن بالعمل الجماعي وبضرورة التضامن، فقد أبدلت نوازع التسابق نحو الإغراءات التي تمثلها السلطة والمصالح الفردية من جهة" واضطرام الإحساس بالخذلان واليأس من امكان حدوث التغيير لما أصاب المجتمع ومظاهر الحياة من إبدالات" من جهة أخرى، هكذا تحمل رواية الخطيبي شخوصها على تبيين مصائرهم الفردية المتشابهة والمتماثلة في بداياتها، كما في مآلاتها، اختلاف الطرائق وأساليب الوصول من أجل تحقيق الأهداف "الشخصية" بحصر المعنى. من خلال سيرة ادريس الموزعة على ثلاثة عشر فصلاً تُنقل سيرٌ أخرى تقوم بكشف جانبي للعلاقات والمصالح ولأنسجة صنع القرار الذي أخرج ادريس من دائرة الإلغاء والإحباط الى دولاب السلطة كما توهمها تخييل الرواية، بعدما كان أزيح عن موقع الشاهد على قضايا الفساد الى طريق بدا فيها "قوقعة نظام فارغ... دون هدف". بعد سنتين من ذلك" نال منهما طلاق زوجه والعيش على ايقاع متاهة المدينة والتسيب، وصل إدريس الى "أدنى مستويات طموحه، وحيداً في الآلام، بل في هذه الكواليس... ]لأنه[ لم يكن يرغب في هذا الانحدار والانعزال عن العالم "فقد جعل من الرغبة وصدفة لقائه ببعض شخوص الرواية مدخلاً لبداية مشروعه من أجل التغيير والانتقام ممن أقصوه عن موقعه الإداري بسبب نشاطه النقابي وأبعدوا أصدقاءه عنه الى السجن. تلعب الصدفة دوراً في الأحداث: اللقاء بنفيسة بعد ثماني سنوات! والعودة الى بيت الزوجية والى ذكريات الطفولة حملت المحكي نحو تثبيت الوقائع في الملفوظ الأول بما يُفيد تداخلها وتطورها ضمن حلقة مغلقة تجسد الأفق المغلق والمحتوم للأحداث وللشخوص" ولكل نظام أو سلطة. هكذا تتميز الأحداث في ثلاثية الرباط بحافز يدفع المحكي الروائي ويتمثل في "البحث": أولاً: عن نفيسة التي تُجسِّد رمز كل الرغبات المُعلنة في الرواية اجمالاً، بدءاً من الحاجة للأنثى قصد استغلالها واستدامة "اللامساواة العمودية". وحضورها دال على تواصل الأحداث وصدفة المصير المترابط بين المشاركين. تأتي من الغياب/الذكرى لتحمل إدريس على البحث عنها في متاهات المدينة" بين شواهد القبور" وفي الأماكن الليلية المغلقة، حيث تنتعش كواليس الأحداث وتُنجز الصفقات السياسية في غفلة من النائمين، انها تجسيد للعنصر الأول في الثلاثية حيث يُهضم حقها في الإرث" وتوصف بالجنون، وفي النهاية تدفن في قبر مجهول الهوية. ثانياً: البحث عن "السلطة". وهي ثاني عناصر الثلاثية التي تقوم عليها الرواية، يُكلِّف الوصول اليها تغييراً في القيم والقناعات التي تُربى عليها إدريس ليصبح كالآخرين فإذا كان الفعل ضد "الطغمة" ممكناً في المرحلة الأولى، فإن المستجدات وظهور المنتفعين جعلت تلك المهمة مستحيلة من الخارج وخصوصاً في زمن تكاثر فيه عدد الذين أدركهم "الوعي الشقي" إذ نسوا من أجل السلطة ومكانة في النظام كل الشعارات التي رددوها من قبل. فبالنسبة لإدريس - كشخصية مركزية أنموذج في الرواية - تحدد انتقاله الى السلطة عبر وسيط مجهول الإسم، ومن الراوي لحضوره بحرفيّ "أ.ل" ما يتعلق الأمر بشخصية رئيسة في المحكي. هي سبب التحولات التي عرفتها حياة إدريس غداة تكليفه بمهمة الإصلاح الإداري في الوزارة التي عُيّن أ.ل. وزيراً لها. ورغم الالتباس الذي يسم علاقاته بالآخرين ما دام موصوفاً ب"العدل والظلم" معاً، فقد كان على مودة مع إدريس الذي رأى فيه "رجلاً متعدد الفكر"، وعلى مسافة من الطغمة التي أدركت أنه تجاوزها... والحال أن النظام أصبح قادراً على اخضاع الجميع بآلية التربية والتعليم! ثالث عناصر الحلقة في ثلاثية الرباط تمثل في المال، انه على مقربة من أماكن السلطة به تقوم وعليها يعتمد في تطوير مصالحه، حتى وان كانت على الحساب العام، دخول إدريس الديوان الوزاري جعله من رواد "المجتمع الراقي" حيث تتقاطع المصالح والأطماع بين الفواعل كما تتقاطع في أماكن القمار، يستغل الراوي إحدى زياراته لينقل الحلم التالي "وفي تلك الليلة حلم نفسه جالساً أمام رجل الإعمال... أحس بكرسيه يدور على نفسه، ثم بقبر ينفتح تحته. غاب إدريس في القبو متدحرجاً في دراج سُلم خفي، ثم سار في قامة يعُمّها هدوء جنائزي...". لا شك أن إدراك الأحداث والتخييلات في ثلاثية الرباط يتأسس على المرجع الواقعي، إن لم نقل الإيديولوجي الذي غلفها بالخصوص ضمن نسق ثقافي وسياسي يُمثل التسابق نحو السلطة، وما تؤول اليه القيم الجماعية غداة الإحساس بالإحباط أو باليأس من الإصلاح. هكذا تتقدم رواية الخطيبي كتحيِينٍ للأوضاع يعمل الكاتب على تجليتها في أفق البحث عن الوعي الشقي لتاريخ النخبة المحكومة بالعجز وباليأس تارة، وبالبحث عن طريق أخرى للتغيير ولو كانت في انضِمَامهم الى النظام والعمل من داخله تارة أخرى وأخيرة حيث "إدريس نقطة وصورة في الخريطة والنظام الجديد"