حين تصبح الثقافة إنساناً    ميقاتي يتابع قضية اختطاف مواطن لبناني    دوري روشن: الفتح يلحق بتعادل إيجابي امام ضيفه الفيحاء    "فيفا" ينهي تقييمه لملف ترشح المملكة لإستضافة مونديال 2034    جدة: القبض على 5 لترويجهم 77,080 قرص «أمفيتامين» و9,100 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    بورنموث يواصل التألق ويلحق الهزيمة الأولى بالسيتي في الدوري الإنجليزي    فرع الصحة بجازان ينظم مبادرة "مجتمع صحي واعي" في صبيا    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    وزير الإعلام يرعى ملتقى المسؤولية المجتمعية الثاني في 20 نوفمبر    المملكة تُعلن عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية في البحر الأحمر    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    ضبط (21370) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    ما الأفضل للتحكم بالسكري    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد برادة يتقصى أحوال الذات في الرواية العربية
نشر في الحياة يوم 05 - 06 - 2010

يتأكد ولع الناقد محمد برادة ويتعمق بالنص الروائي، مع كل كتاب جديد يصدره، سواء كان هذا الكتاب نقداً أم رواية. في الواقع يمثل صاحب «أسئلة الرواية أسئلة النقد» حالاً فريدة في جمعه النقد بالكتابة الروائية، على أن الفرادة هنا لا تكمن في هذا الجمع، فعدد من النقاد يكتب النقد إلى جانب أنواع أدبية أخرى، لكن في حالة برادة نعني المستوى الإبداعي الرفيع والممتع في آن، الذي يسعى بدأب ومثابرة إلى ترسيخه، أي تحول الكتابة لديه إلى ممارسة إبداعية خلاقة، أياً كان تصنيفها.
يواجهنا في كتابه الجديد، «الذات في السرد الروائي» (دار أزمنة - عمان) أكثر من سؤال أمام عشرات الدراسات، التي يضمها الكتاب، حول روايات عربية من أقطار مختلفة (مصر، لبنان، سورية، المغرب، اليمن، الجزائر وسواها)، ما الذي يدفعه إلى قراءة الرواية ثم الكتابة عنها، هل ثمة ما يفتش عنه في هذه النصوص، أم أنها تعبر عن مشاغل، هي مشاغله نفسها؟
لكنها تساؤلات لن يصعب العثور على إجابات لها في متن الكتاب.
في ما يبدو جلياً أن منطلقه إلى كتابة هذه القراءات، ليس فقط الاحتفاء ولا التعريف بالنصوص الجديدة، على نحو ما يفعل بعض النقاد، إنما لأن هذه الروايات تطرح، كل على حدة، سؤالها الجمالي وتسعى إلى تخييل موضوعها بطرائق جديدة، تنم عن وعي وحضور في اللحظة الراهنة التي تعيشها الرواية العربية، والعالمية.
يحرص صاحب «مثل صيف لن يتكرر» على قراءة ما يعتبره مهماً من الروايات العربية، الساعية إلى تقديم اجتهادات في الشكل والمضمون واللغة، إذ يتحرى ألا تكون فاقدة للمسافة الجمالية الضرورية، التي تُبعد النص عن الاستنساخ والاجترار. فهذه القراءات، كما يعبر، تتصادى مع ذائقته الإبداعية والنقدية، «لأنني أبحث في منجزات الآخرين عن احتمالات نظرية وشكلية». ولأنه يعتقد أن على النقد العربي «أن يبدأ بقراءة أولى للنصوص اللافتة، حتى يمهد الطريق أمام الدراسات المقارنة والاستخلاصية، على مستوى النتاج الروائي في مجموع الأقطار العربية».
وفي الواقع أسباب عدة تكمن وراء اهتمام محمد برادة بالخطاب الروائي، منها عنصر «التذويت» الذي يجعل المتكلمين في النص الروائي يبرزون خصوصية الذات المتكلمة، «سواء على مستوى اللغة أم زاوية النظر والتفاعل مع الأحداث، أم تشخيص الصراع الأبدي بين الفرد ومؤسسات الدولة والمجتمع». يستعمل برادة التذويت انطلاقاً من تحليل فوكو ل «نظام الخطاب» الذي يرى أن الكاتب - الروائي، «لا يوجد مستقلاً عن وظيفته التي تتحدد من خلال وجود الخطاب بصفة عامة، والطرائق التي يتمفصل بها الأدبي والثقافي والعملي مع علائق اجتماعية وخطابات أخرى أوسع».
يعتبر الناقد المغربي قراءة روايات عربية ينتمي كتابها إلى أقطار مختلفة، مدخلاً ممكناً لملامسة تحولات الوعي والسلوك والقيم، في سياق يتسم بشح الدراسات السوسيولوجية والنفسية، ويطغي فيه الخطاب الرسمي الممجد للوحدة لفظياً، المعرقل لها عملياً. لكن ذلك، في رأي صاحب «الضوء الهارب» لم يحل دون قيام حقل روائي عربي «يستفيد من اللغة المشتركة والتفاعل بين الروائيين العرب في جميع الأقطار، ويتابع منجزات الرواية العالمية التي تتوغل في دواخل النفس، وترتاد الفضاءات الحرجة، وتستنطق ما حرمته الممنوعات والمقدسات»، لافتاً إلى أن هذا التفاعل جعل الكثير من الروائيين يحرصون على مراعاة المستوى الجمالي والشكلي، الذي يوفر للنص خصوصيته ويحميه من الابتذال واستنساخ ما هو قائم وسائد.
تتسم القراءات التي يتضمنها الكتاب، بعدم الإغراق في التفاصيل والاستشهادات المرجعية، فهي تراهن على الوصول إلى عدد واسع من القراء لاستثارة فضولهم، وتحريضهم على القراءة. غير أن برادة مع ذلك لا يتخلى عن منهج ما في القراءة، إذ يلجأ إلى تحديد عناصر تؤطر خطوات القراءة وتحميها من الاتكاء على مجرد التلخيص وإيراد التأويلات الجاهزة. وتتمثل هذه العناصر في ثلاثة، أولاً: الاهتمام بطرائق السرد. ثانياً: النص ينتج معرفة ومتعة، فالرواية لا تختص بمجال معرفي واحد، لأن الخطاب الروائي ينتج من المحسوس والمفكر فيه، من الحلم والمعاش، من رصد السلوك واستحضار التاريخ. ثالثاً: الرؤية إلى العالم.
وفي ضوء ذلك أنجز صاحب «امرأة النسيان» تحليلاته لأربعين رواية عربية، صدرت في زمن متقارب، ثم عاد لقراءتها وتصنيفها، كما يذكر في الكتاب، على أساس تقسيم واسع: نصوص تسعى إلى كتابة الذات واستنطاقها و «التأريخ» لها، وأخرى تتوخى مساءلة المجتمع وتمثيله روائياً.
«كتابة الذات عبر السيرة والتخييل الذاتي»، تندرج ضمن هذا العنوان 13 رواية هي: تمارين الورد، قاع الخابية، كباريه سعاد، مواعيد الذهاب إلى آخر الزمان، حكايتي شرح يطول، مديح الهرب، صورة يوسف، من قال أنا؟ كأنها نائمة، دنيا، المدينة الملونة والتلصص. يجد برادة أن العنصر الجامع بين هذه الروايات هو كتابة سيرة ذاتية، أو التأريخ الشخصي لذات الكاتب، «لكن في أشكال لا تتقيد بالشكل الكلاسيكي للسيرة الذاتية».
ولئن كانت هناك قرائن تحيل على شخصية الكاتب، كما يوضح، «فإن الشكل يأخذ تنويعات عدة تتباعد عن السيرة المألوفة»، مشيراً إلى أن هذه ظاهرة تتجاوب مع التحولات التي طرأت على كتابة السيرة الذاتية في الآداب العالمية، «فلم تعد تعني التطابق مع الحياة «الواقعية» إنما أصبحت السيرة تستوحي التجربة الحياتية والمحيط الاجتماعي لصاحب السيرة من دون التقيد ب «حرفية» الواقع والأحداث، ومن ثم اللجوء إلى التخييل وما يستدعيه من حذف وإضافة تمشياً مع المقتضيات الجمالية السردية». ويطرح أن هذا التفاعل حيوي ومشروع، وإن أخذ على بعض الكتاب عدم إدراكهم «التلاوين والفروق التي اكتساها مصطلح التخييل الذاتي، من خلال الإنجازات النصية داخل فرنسا وخارجها في الثلاثين سنة الأخيرة».
من السمات التي تلفت برادة في روايات القسم الأول من كتابه، التنويع الشكلي المتعدد التجليات ضمن جنس سردي، «كان أسير قوالب تعوق انبثاق الطاقة التعبيرية للكتابة واللغة»، إضافة إلى نوعية المعرفة التي تنطوي عليها هذه النصوص «والتي لا تقتصر على ما يتصل بالحياة الخاصة للكاتب، وإنما تتعدى ذلك إلى فضاء أوسع يواجه فيه صاحب السيرة مواقف تضعه أمام أسئلة العالم الخارجي، أو تجعله يؤرخ لمجتمعه بترابط مع المسار الحياتي الخاص».
القسم الثاني من الكتاب يضم سبعاً وعشرين رواية، وعنوانه «مساءلة المجتمع روائياً»، تمييزاً لها عن النصوص التي تنحو إلى كتابة الذات عبر السيرة وتفريعاتها، ولأن قسطاً مهماً من الإنتاج الروائي، كما يقول برادة، يسعى إلى استيحاء عناصره ومكوناته من المجتمع في وصفه عالماً خارجاً عن الذات، مناهضاً لرغائبها ونزواتها، «وفي وصفه أيضاً مجال صراع يخوض الفرد غماره لتحقيق نوع من التوازن بين الغيرية والفردية. لكنها مساءلة ذات خصوصية، إذ إنها تتوسل الشكل الروائي الذي يفرض تقنياته ومسالكه غير المباشرة».
يعمد صاحب «الرواية ذاكرة مفتوحة» إلى تقسيم هذه الروايات إلى ثلاث خانات، على أساس الثيمة المهيمنة، أولاً: صورة المجتمع المتداعي: وهي صورة تأخذ تجليات عدة تحيل على ثغرات وعيوب وآفات تتهدد المجتمعات العربية، نتيجة احتقار المواطن، وفشل قوى التغيير (أرخبيل الذباب، خطبة الوداع، ميترو محال، والتشهي). أو بسبب طغيان السلطة واتباع سياسة التدجين (الخالدية، صبوات ياسين، كتيبة الخراب، والحارس). أو لاستمرار وجود قيم بالية تنتمي إلى أهل الكهف الذين يعاكسون مبادئ المساواة والعدالة والتحرر (دق الطبول، صمت الفراشات، وثلاثية دملان).
ثانياً: الوجود الفردي في مواجهة العالم الخارجي: ويقصد النصوص التي توظف أحداثاً ووقائع ومحكيات لطرح أسئلة تمس الوجود الفردي، وهو يصارع قوى خارجية ترغمه على الاختيار وتبرير العلاقة مع العالم (ماكياج خفيف لهذه الليلة، سيدي وحبيبي، المرأة والصبي، عتبات البهجة، التل، أسرار عبدالله، وتصحيح وضع).
أو من خلال أصوات نسائية تواجه وضعية الدونية التي يفرضها المجتمع الذكوري (الكرسي الهزاز، المحبوبات، ولحظات لا غير). ثالثاً: التاريخ يضيء الحاضر، ويعنى بالنصوص التي توظف التاريخ لقراءة الحاضر، «أي أن الروائي لا يتوخى الاضطلاع بمهمة المؤرخ المدقق للكشف عن معلومات غير مسبوقة، وإنما يحرص على الانطلاق من وعيه الحاضر ليعيد قراءة الحدث في ضوء أسئلة راهنة، فيأتي الصوغ الروائي لها إعادة تركيب للمتشابهات والمختلفات من العناصر البنيوية والظرفية (قطعة من أوروبا، صمت الطواحين، معبد ينجح في بغداد، وكوكو سودان كباشي).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.