الذهب ينخفض مع تعافي الدولار من أدني مستوى وارتفاع عائدات سندات الخزانة    حملة "صم بصحة" تسجل "2 مليار خطوة" عبر 223 ألف مشارك خلال 5 أيام    أبرز ثلاثة علماء رياضيات عرب لا يزال العلم الحديث يذكرهم حتى اليوم    القيادة تهنيء رئيس جمهورية غانا بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده    وزارة التعليم و"موهبة".. تعلنان عن اكتشاف 29 ألف موهوب في المملكة    هجوم إسرائيلي على فيلم وثائقي فاز بجائزة الأوسكار صنعه فلسطينيون و اسرائيليين    انطلاق مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية في نسخته الثانية تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين    طقس الخميس: أمطار غزيرة وثلوج محتملة في تبوك.. والرياح تصل إلى 50 كم/ساعة    سمو أمير منطقة تبوك يستقبل عضو مجلس الشورى احمد الحجيلي    في ذهاب ثمن نهائي يوروبا ليغ.. مانشستر يونايتد في ضيافة سوسيداد.. وتوتنهام يواجه ألكمار    بالشراكة مع "صلة".. تركي آل الشيخ وTKO يعلنان عن إطلاق منظمة جديدة للملاكمة    17.6 مليار ريال إنفاق أسبوع.. والأطعمة تتصدر    محافظ الطائف يشارك فرع وزارة الصحة حفل الإفطار الرمضاني    أفراح البراهيم والعايش بزفاف محمد    بيئة عسير تقيم مبادرة إفطار صائم    حرم فؤاد الطويل في ذمة الله    الزهراني يحصد جائز التميز    تحذيرات أممية من شح الغذاء في القطاع.. وجنوب إفريقيا: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحاً للإبادة الجماعية    الاحتلال يقضم أراضي الضفة.. وفلسطين تطالب بتدخل دولي    ابنها الحقيقي ظهر بمسلسل رمضاني.. فنانة تفاجئ جمهورها    تفاصيل مهرجان أفلام السعودية ب"غبقة الإعلاميين"    مشروع الأمير محمد بن سلمان يجدد مسجد الحزيمي بالأفلاج    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    نائب أمير منطقة مكة يشارك الجهات و رجال الامن طعام الإفطار ‏في المسجد الحرام    جمعية التنمية الأهلية بأبها تطلق برنامجي "أفق الرمضاني" و"بساتين القيم"    همزة الوصل بين مختلف الجهات المعنية بخدمة ضيوف الرحمن.. مركز عمليات المسجد الحرام.. عين الأمن والتنظيم في رمضان    في الجولة ال 24 من دوري روشن.. الاتحاد في اختبار القادسية.. وديربي العاصمة يجمع النصر والشباب    طبيبة تستخرج هاتفًا من معدة سجين    تعليم جازان يطلق جائزة "متوهجون"    الاتفاق يتعثر أمام دهوك العراقي في ذهاب نصف نهائي أبطال الخليج    فوز برشلونة وليفربول وبايرن ميونخ في ذهاب الدور ثمن النهائي في دوري أبطال أوروبا    المملكة تؤكد التزامها بأحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية    2.8% انخفاض استهلاك الفرد للبنزين    14 تقنية مبتكرة في البيئات الصناعية بالسعودية    مشروع "ورث مصحفًا" يستهدف ضيوف الرحمن بمكة بثمان وعشرين لغة    أمين الجامعة العربية: السلام خيار العرب الإستراتيجي    «سلمان للإغاثة» يوزّع 48 سماعة أذن للطلاب ذوي الإعاقة السمعية في محافظة المهرة    الاتحاد أكمل تحضيراته    الحكم السعودي"سامي الجريس" ينضم لحكام فيديو النخبة على مستوى قارة آسيا    أهالي الدوادمي يشاركون في تسمية إحدى الحدائق العامة    أمير حائل يشهد حفل تكريم الفائزين بمسابقة جزاع بن محمد الرضيمان    "تعليم الطائف":غداً إيداع أكثر من 4 ملايين ريال في حسابات مديري المدارس    نخيل العلا.. واحات غنية تنتج 116 ألف طن من التمور سنويًا    أوروبا تبحث تعزيز قدراتها الدفاعية بعد تعليق الدعم الأمريكي لأوكرانيا    ترمب وكارتلات المخدرات المكسيكية في معركة طويلة الأمد    لغة الفن السعودي تجسد روحانية رمضان    محافظ جدة يُشارك أبناءَه الأيتام مأدبة الإفطار    الصين تصعّد سباق التسلح لمواجهة التفوق الأمريكي في آسيا    40 جولة لتعطير وتطييب المسجد النبوي    كيف نتناول الأدوية في رمضان؟    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن الإفطار في الميدان    وزير الدفاع ونظيره السلوفاكي يناقشان المستجدات الدولية    5 نصائح لضبط أعصابك في العمل    أمير جازان يستقبل منسوبي الأمارة المهنئين بشهر رمضان    التسامح.. سمة سعودية !    4 ملايين فحص لنقل الدم بالمناطق    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    محافظ الطائف يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية بالمحافظة الإفطار الرمضاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين كتابين أو ثلاثة - بغداد وثقافتها
نشر في الحياة يوم 06 - 09 - 1998

لقد فقدت بغداد في العقود الأخيرة كثيراً من معالمها وشواخصها العريقة، وهاجر الكثيرون من نخبها المثقفة، أو جرى تهجيرهم، وغزت الأطراف المتخلفة هذه المدينة التي كانت ذات يوم مركز الحضارة العالمية، وتراجعت القيم، والأفكار، والممارسات، والاخلاق الى الوراء، وساد منطق العنف، وصخب الشعارات، وجلجلة التبويق والتهريج، وحورب الفكر الحر، وغاب التسامح تماماً.
فهل بغداد اليوم هي التي عرفت واحتضنت الرصافي والزهاوي والشبيبي والجواهري والكرخي والسياب والبياتي وبلند ونازك ومظفر النواب، وغيرهم من الشعراء، ومصطفى جواد والمخزومي وجليل الطاهر وعلي جواد الطاهر وعلي الوردي وجلال الحنفي وعبدالرزاق الحسني والكرملي ومحمد سلمان حسن وطه الراوي وعبدالجبار عبدالله وصفاء خلوصي، وغيرهم من فطاحل البحث والفكر، ومن المسرحيين يوسف العاني وجيله، ومن الساسة الوطنيين اللامعين جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي ومحمد مهدي كبه، ورضا الشبيبي، وسعد صالح ويوسف سلمان يوسف وسلام عادل وعبدالفتاح ابراهيم ويونس السبعاوي وعبداللطيف الشواف وصالح اليوسفي وآخرين، ومن الكتاب والأدباء ابراهيم شكر وفهمي المدرس وفوزي ثابت صاحب جريدة جنربوز، وذو النون أيوب ومحمود السيد وعبدالملك نوري وغائب طعمة فرمان وغيرهم، وفي الموسيقى الشريف محي الدين وسلمان شكر والاخوان جميل ومنير بشير، وفي الغناء حضيري وداخل حسن وعزيز علي والقبنجي وسليمه مراد وصديقة الملاّيه وزكيه جورج وهم ما بين مسلم ومسيحي ويهودي؟
أما النشء الجديد، الذي يشب في ظل الحصار والقمع الشمولي، فإنه لن يجهل فقط، حين يكبر، تاريخ بغداد وشمائل الأجداد وأجدادهم، ولكنه أيضاً سيترعرع شبه أمي، مشرباً بعقلية العنف والبندقية، والتحايل، مدفوعاً بفعل الجوع وما حل بنا من كوارث الى متاهات الجريمة والفساد. أي جيلاً مشوهاً معوقاً حتى إن رفع الحصار.
ومن حسن حظ بغداد ان ظهرت طائفة من الباحثين والكتاب الذين أولوا بغداد ما بين الحربين اهتماماً خاصاً في سلسلة من الدراسات والمؤلفات المفيدة والبديعة، وكان آخر ما أطلعت عليه في هذا الشأن كتاب عباس بغدادي عن بغداد العشرينات، وهو جامع مانع، وقد كتب بأسلوب شيق، ووجدت فيه تفاصيل لم أجدها في المؤلفات التي سبق لي مطالعتها باستثناء كتاب أمين المميز الذي لم أستطع الحصول عليه، والذي أثنى عليه كل من قرأه من معارفي. ان ما قدمه عباس بغدادي من ثروة تاريخية وفولكلورية واجتماعية هو استكمال لما سبق ان قدمه جلال الحنفي عام 1962 في كتابه الرائع "الصناعات والحرف البغدادية" والذي ذكر منها ما لم يستوفه الآخرون ومنهم الاستاذ بغدادي. وكذلك موسوعة الضابط المتقاعد عزيز جاسم الحجية المعنونة "بغداديات" في أربعة أجزاء والتي صدرت ما بين الستينات وبداية الثمانين، ولعله من أوائل من اهتم بتوثيق تفاصيل الحياة الاجتماعية والعادات البغدادية خلال مرحلة بداية قرننا والثلاثينات، بما في ذلك رصد تفاصيل الملابس والأزياء مع صورها والهوايات والألعاب الشعبية بكل أنواعها، ورصد "لالوات بغداد" أي شيوخ الكتاتيب أو الملالي والطب الشعبي، ومراسيم الزواج والمآتم... الخ.
وأيضاً موسوعة "البغداديون أيام زمان وحتى سنة 1926" لراسم الجميلي، الصادر جزؤها الأول عام 1982، وفيها عن الشوارع، والمحلات، والمستشفيات، والمدارس، والمقاهي، والملاهي، والمجالس الأدبية، والمغنين، والمغنيات والسجون، والشرطة في العهد العثماني وما بعده ببغداد. ومنها دراسة جميلة واسعة في مجلدات الموسوعة التاريخية لعبدالحميد العلوجي عن مناحي الفولكلور الشعبي كافة. ومن أفضال عباس بغدادي انه جمع في كتاب واحد الكثير مما ورد لدى سواه مع اضافة تفاصيل شخصية حية ودقيقة وذات أهمية، كوصفه التفصيلي الرائع لشارع الرشيد طولاً وعرضاً وعمقاً، ولسوق الصفافير والبزازين، متراً متراً. ولو أنه سار على النهج نفسه في بقية الفصول لاكتمل كتابه، ولكنه وقع في فصول أخرى، لا سيما في الأقسام الأولى، تحت إغراء سرد أكبر عدد ممكن من معلومات وردت في كتب من سبقوه.
ولا شك عندي ان دراسة هذه المصادر "الفولكلورية" ضرورية ضرورة دراسة كتاب توثيقي كتاريخ الوزارات للحسني وكموسوعة الوردي الاجتماعية، اذا أريدت الإحاطة الشاملة والمتنورة بالمجتمع البغدادي في ما بين الحربين الدوليتين. وأضيف ان من المفيد أيضاً عودة الى مجتمع بغداد في عصر العباسيين لنلتقي بجذور بعض العادات والمناسبات والطقوس والقيم. وهنا أصح بقراءة كتاب "العامة في بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجريين" لفهمي عبدالرزاق سعد بيروت، الأهلية، 1983.
أما كتابي هذا الذي اشتغلت في إعداده منذ حوالى العام، وعلى فترات متقطعة، فإنه جهد آخر، لاستعادة صورة بغداد القديمة، وبالتحديد بغداد الثلاثينات والأربعينات من خلال توظيف تفاصيل سيرتي الحياتية نفسها، متجنباً جعله كتاب بحث وتوثيق كتب الجميلي والحجية مثلا أو "نصف - نصف" ككتاب بغدادي مثلا.
فهل آمل ان يجد قارئي بعض الفائدة؟ وهل للمطلعين مساعدتي بالملاحظة والنقد؟
وأخيراً، هل يمكن تمني اليوم الذي يعاد فيه نشر الموسوعات والدراسات البغدادية الصادرة على مدى العقود الماضية تحت سلسلة عنوانها "بغداديات"؟ وهل من أمل في ان تنجز هذا المشروع الفريد في نظري لجنة عراقية مختصة، ودار نشر جادة وذات امكانات؟
* المنشور أعلاه مقتطف من مقدمة الكاتب لكتابه المعد للنشر "بغداد كما عرفتها" والذي يتناول الثلاثينات والاربعينات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.