عن المكتبة العصرية صدر كتاب "الفضل المأثور من سيرة السلطان الملك المنصور" لمؤلفه "شافع بن علي الكاتب العسقلاني المصري" والذي حققهُ المؤرخ والباحث المدقق الدكتور عمر تدمري، والكتاب بصفحاته ال216 هو سيرة مفصلة لسيرة السلطان الملك المنصور". يبدأ الكتاب بالتعريف بالمؤلف شافع بن علي الكاتب العسقلاني المصري الذي أرّخ له المؤرخ "ابن الجزري" نقلاً عن كراسة كتبها "شافع" بخطه، وفيها مولده، وهو ينتسب الى الجد الأعلى "روح بن زنباع" الجُذامي الفلسطيني، الأمير على جُند فلسطين في عهد يزيد بن أبي سفيان". والكاتب المؤلف يمتاز بالنظم الكثير والنثر الكبير، وقد كتب الخط المنسوب فأحسن وأجاد، وباشر كتابة ديوان الإنشاء بمصر زماناً الى أن أضرّ ويعود الفضل للأمير سيف الدين بلبان الرومي الظاهري بتقديمه لخدمة السلطان، حيث عَول عليه في المكاتبات، سيرها وجهرها مع صغر سنّهِ وكِبر قدْر وسِنْ من في ديوان الإنشاء... وللمؤلف مُصنفات عديدة ذكر منها الدكتور تدمري "الأحكام العادلة فيما جرى بين المنظوم والمنثور من المفاضلة". 2 - الإشعار بما للمتنبي من الأشعار. 3 - الرأي الصائب في اثبات ما لا بد منه للمكاتب. وغيره العديد الذي يبلغ 24 مصنفاً. ويشير الدكتور تدمري الى أن الدكتور "شاكر مصطفى" قد أضاف الى قائمة مُصنفاته التاريخية كتاب "نظم السلوك في تواريخ الخلفاء والملوك". وقال ان "ابن الفرات" اعتمده في مواضيع كثيرة من تاريخه، وهو تاريخ إسلامي ينتهي الى سنة 806، ويستند الى ابن الأثير، وابن أبي طي وابن مُيسر، وابن واصل، وابن عبد الظاهر، أما مصادر ترجمة المؤلف فقد عدّدها المؤرخ تدمري ومنها "الوافي بالوفيات للصفدي"، و"أعيان العصر" للصفدي، و"فوات الوفيات" لإبن شاكر الكتبي، و"السلوك" للمقريزي، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة، وغيرها الكثير. أما أهمية الكتاب ومادته فيشير الدكتور تدمري الى ان هذا المؤلف يكتسب أهميته من كونه مصدراً أساسياً لحقبة من أهم الحقب التاريخية في صراع الشرق والغرب، إذ تؤرخ لفترة من الحروب الصليبية. ولصفحة من العلائق بين المماليك وكل من الفرنج والتتار والأرمن وغيرهم. وذلك من خلال التأريخ لسيرة السلطان المنصور قلاوون، ولكون مؤلفه مؤرخاً معاصراً، ومشاركاً في مُجريات بعض الأمور التي نطالعها بين طيات كتابه، يُضاف الى هذا وذاك أنه يؤرخ لسيرة السلطان قلاوون مؤسس الأسرة التي حكمت دولة المماليك أكثر من مائة عام. وهو لم يحصر كتابه ضمن إطار الإثنتي عشرة سنة فقط، وهي المدة التي قضاها قلاوون في الحكم 678 - 689ه/1279 - 1290م بل يؤرخ لقلاوون منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره حين اختصه لنفسه السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب، الذي استنابه أبوه السلطان الكامل محمد على مصر سنة 625/1229م، كما يؤرخ لسيرته في عهد السلطان الظاهر بيبرس، مروراً بعهد شجر الدُر، والملك عزالدين أيْبك التركماني، وتزويج الملك العيد ابن الظاهر بيبرس من ابنته، وسلطنة الملك السعيد بعد وفاة أبيه الظاهر، ثم سلطنة أخيه بدرالدين سلامش، حتى تولى هو السلطنة، ما يعني أن الكتاب يؤرخ لنحو خمس وستين سنة، ولم يقف المؤلف بكتابه عند وفاة قلاوون سنة 689/1290، بل زاد على ذلك سنة أخرى 690/1291م، وهي التي تم فيها فتح عكا وصور وصيدا وبيروت وتحريرها من الفرنج الصليبيين، على يد السلطان الأشرف خليل بن قلاوون. وفي الكتاب مجموعة من نصوص المعاهدات والمراسلات السلطانية والمكاتبات التي تُعتبر من وثائق الحروب الصليبية، بعضها انفرد به المؤلف ولا توجد في أي مصدر آخر، وبذلك تتوفر لدى المهتمين بدراسة الوثائق مادة جديدة كما يجد المعتنون بالآداب نثراً ونظماً وشعراً كمية تُضاف الى المتوفر من أدبيات عصر المماليك، ومن ذلك ما كتب المؤلف من إنشائه يُبشر بالنصر على التتار في وقعة حمص سنة 680ه/1281م. وما أنشدهُ ممتدحاً السلطان قلاوون بنصره في الواقعة على رغم اصابته هو بسهم نشّاب جرح جسمه وقلمه، بقصيدة مطلعها: نجحت مساعي سيفك البتْار / بالحدّ في دم أرمنِ وتتار وكتابتهُ لمشور باستقرار الأمير سُنقُر الأشقر بصهيون، وكتاب موادعة السلطان قلاوون لخضر ابن السلطان الظاهر ونزوله من الكرك وكتابة جواب على كتاب خضر ابن الظاهر باستدعاء الأمير علاء الدين الحرّاني، والتهنئة بفتح طرابلس، نثراً وشعراً، ورثاء السلطان قلاوون عند وفاته، والتهنئة شعراً بفتح عكا وصور وصيدا، وهي نصوص لا توجد عند غيره. ومن الأخبار التي انفرد بها المؤلف في الكتاب خبر وجود مكاتبين نُصَحاء للسلطان قلاوون داخل طرابلس الشام وهي تحت حكم الفرنجة الصليبيين، ومحاولة الفرنج التنكر لإيهام المسلمين وخداعهم. ومحاججته بنفسه لرسول فرنجة طرابلس في شأن عرقة القريبة منها. ووصفه لحصن المرفي، ما يعني أنه رآه قبل أن يفقد بصره في سنة 680ه. وفتواه للسلطان الأشرف خليل بفسخ الهدنة مع الفرنجة في عكا. ولا ينسى المؤرخ تدمري أن يعرج على وصف المخطوطة وتحقيقه فيشير الى أنه توجد من المخطوط نسخة فريدة في مكتبة البودليات بإكسفور، رقم 424 وتتألف من 136 ورقة وهي في الأصل نسخة خزائنية برسم الخزانة العالية للسلطان المنصور قلاوون، مسطرتها 21×5،14سم. في الصفحة 13 سطراً وفي السطر 11 كلمة، وهي بخط الثُلث، جيدة واضحة، ذهبت الأزمنة بقليل من الكلمات في الصفحة الأولى. وهي قليلة الحواشي إلا أن النص يحتوي على كثير من الأخطاء والأغلاط النحوية واللغوية، أما محتويات الكتاب فتشير الى وجود كمٍّ وافر من المعلومات التي تتعلق بسيرة السلطان المنصور قلاوون منها على سبيل المثال سلطنة المنصور قلاوون مباشرة مهام السلطنة، مكاتبة الملوك بالسلطنة، الأوضاع والعلاقات الخارجية عند سلطنة قلاوون، خروج السلطان قلاوون لمواجهة التتار، كُتب السلطان بالاحتراز من التتار، ذكر ما اعتمده مولانا السلطان في أيام إقامته بحمص، عودة السلطان المنصور الى القاهرة، ظهور أمر التتار اعتباراً من سنة 615ه، مقتل المُظفر قُظر، سلطنة الظاهر بيبرس، التهنئة بنصرة السلطان، اسلام أحمد بن هولاكو ومراسلته السلطان قلاوون الى السلطان أحمد ملك التتار، دخول السلطان قلاوون دمشق، موت أحمد بن هولاكو، ترتيبات السلطان قلاوون وهو بدمشق ذكر مهادنة طرابلس الشام، دخول الظاهر بيبرس طرابلس مُتنكراً، محاججة رسول بوهموند صاحب طرابلس، ذكر السبب فيها، فتح طرابلس الشام. التهنئة بفتح طرابلس الشام من إنشاء ابن الأثير، ذكر أمر مهادنة عكا وفاة السلطان قلاوون، رثاء المؤلف للسلطان قلاوون - فتح عكا تهنئة الأشرف خليل بفتح عكا من انشاد محيي الدين بن عبد الظاهر والكتاب بما احتواه من معلومات دقيقة لفترة مهمة من تاريخ حكام المماليك دأب المؤرخ عمر تدمري على تقديمها بأسلوب تاريخي موضوعي وعرض شيق يقود القارىء للوقوف على مرحلة مهمة من تاريخ الدولة المملوكية والوقوف على سير الأحداث الداخلية والخارجية التي أصابت بلدان الشرق أثناء فترة الغزو الفرنجي والتتري لتلك البلاد.