نفت بريطانيا أمس مزاعم عن تورطها في محاولة اغتيال فاشلة استهدفت الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في 1996. لكن ظلالاً من السرية الشديدة ظلّت تحيط بتفاصيل المحاولة المزعومة بسبب إجراءات قانونية تحظّر على وسائل الإعلام في بريطانيا نشر معلومات عنها وعن إدعاءات أخرى أطلقها عميل سابق في جهاز الإستخبارات الداخلية البريطانية أم. آي. 5. وكان العميل السابق في هذا الجهاز، ديفيد شايلر 32 عاماً، على وشك بث معلومات من فرنسا التي لجأ اليها قبل أشهر بعدما خشي ان تعتقله سلطات بلاده عبر شبكة الانترنت عندما أعتقلته أجهزة الأمن الفرنسية بناء على طلب الأمن البريطاني. وحُوّل شايلر على القضاء في باريس الذي يُنتظر ان يبت قريباً في طلب لندن استرداده. وتريد بريطانيا محاكمته بتهمة انتهاك "الأسرار الرسمية" لبلاده التي حصل عليها خلال عمله في القسم المعني بملف ليبيا في "أم. آي. 5". وتتركز إتهامات شايلر، في خصوص ليبيا، على ان جهاز الإستخبارات البريطانية الخارجية "أم. آي. 6" تورط في شباط فبراير 1996 في محاولة فاشلة لإغتيال القذافي. وتقول الإدعاءات ان خطة المحاولة كانت تقضي بزرع قنبلة في سيارة الزعيم الليبي، وان شخصاً ليبياً ينتمي الى جماعة إسلامية ليبية قام بها لقاء مئة الف جنيه استرليني 160 ألف دولار. لكن المحاولة المزعومة فشلت لإن القنبلة زُرعت خطأ في سيارة أخرى وأدى إنفجارها الى مقتل مواطنين أبرياء. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" إدعاءات شايلر أول من أمس، وأعادت صحيفة "الغارديان" نشرها أمس. لكن ناطقاً باسم وزارة الخارجية البريطانية قال ان لا صحة للتقرير. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية ان "مزاعم الضابط بوجود خطة رسمية لقتل القذافي غير صحيحة ... من غير المتصور ان توافق سلطات الاستخبارات السرية على القيام بمحاولات اغتيال في اوقات السلم المعتادة". وكانت "الحياة" أوردت في التاسع من آذار مارس 1996 خبراً عن محاولة إغتيال القذافي في سرت. وبُني الخبر على معلومات لجماعتين معارضتين هما "الجماعة الإسلامية المقاتلة" و"الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا". وكانت "الحياة" تلقت بياناً من "المقاتلة" البيان الرقم 3 بتاريخ السادس من آذار/ مارس 1996 قالت فيه ان اربعة من عناصرها حاولوا قتل القذافي في مدينة سرت، وان المجموعة التي كان يقودها أحد "الليبيين الأفغان" المعروف باسم "عبدالمهيمين"، اشتبكت مع قوات الأمن الليبية التي قتلت أعضاء المجموعة باستثناء قائدهم الذي فر. وأورد البيان أسماء قتلى "المقاتلة" في العملية. وأكدت وقتها هذه المعلومات "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا". إذ قالت مصادر فيها ان القذافي نجا بالفعل من محاولة لإغتياله في سرت، في الإسبوع الأخير من رمضان 1996، وان المهاجمين شباب من "ذوي التوجه الإسلامي". راجع "الحياة" العدد 12067 بتاريخ 9-3-1996. وكتبت "الغارديان" أمس ان جهاز الاستخبارات الخارجية "أم. آي. 6" يمكنه قانونياً القيام بعمليات خارج بريطانيا، ولو كان ممنوعاً القيام بها داخل المملكة المتحدة، شرط أخذ إذن من وزير الخارجية. وأشارت الى ان مالكولم ريفكند كان وزيراً للخارجية عند حصول المحاولة المزعومة. وعلى رغم النفي البريطاني لحصول المحاولة، إلا ان مصادر مطلعة تؤكد ان أجهزة الاستخبارات الليبية كشفت محاولة لقتل القذافي في شباط فبراير 1996 بسيارة ملغومة. وقالت ان دولة أوروبية كانت متورطة في المحاولة التي نُفّذت إنطلاقاً من دولة عربية. وقالت ان جهاز أمن أوروبياً كان أرسل عملاء ينتمون الى جهاز الكوماندوس الخاص فيه على شكل سيّاح الى دولة مجاورة لليبيا. وكانت مهمة "السياح" استكشاف الحدود الليبية، لا سيما المناطق الصحراوية، لدرس طرق الدخول سراً الى ليبيا. وأضافت ان الليبيين سعوا بعد كشفهم خطة تفجير السيارة الملغومة، الى شراء أجهزة متطورة لكشف المتفجرات من دولة أوروبية ترتبط معها طرابلس بعلاقات حسنة. وتنشط في ليبيا تنظيمات وجماعات عدة معارضة تبنّى معظمها في السابق محاولات لقتل الزعيم الليبي. ومن أبرز هذه التنظيمات الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا والحركة الليبية للإصلاح والتغيير. ومن التنظيمات الإسلامية تبرز "الجماعة الإسلامية المقاتلة" و"حركة الشهداء الإسلامية"، وهناك كذلك وجود مهم لتيار جماعة "الإخوان". وترددت أخيراً معلومات عن ظهور تنظيم جديد في شرق البلاد يدعى "أحفاد عمر المختار"، علماً ان السلطات الليبية قضت على تنظيم "أفغاني" بهذا الإسم في 1992 بعدما اعتقلت قادته. وغالباً ما تتهم ليبيا التنظيمات المعارضة بالعمل لمصلحة أجهزة استخبارات أجنبية. وهي تركّز حملتها في هذا السياق على "جبهة الإنقاذ" بسبب وجودها البارز في الولاياتالمتحدة وعلاقتها الجيدة بالمسؤولين الأميركيين. وتبنت الجماعتان الإسلاميتان الليبيتان، "المقاتلة" و"الشهداء"، في حزيران يونيو هذه السنة محاولة جديدة مزعومة لإغتيال القذافي مطلع ذلك الشهر في منطقة بنغازي، شرق ليبيا. وأصدرت "المقاتلة" في 16 حزيران الماضي بياناً هددت فيه بضرب "مصالح ليبية في الخارج" إذا نفّذت طرابلس تهديدات أطلقتها مسؤولة ليبية بملاحقة معارضين في الخارج. وأكدت نشرة "الفجر" الليبية في عددها الأخير الصادر هذا الشهر، صحة بيان "المقاتلة" وتهديدها بنقل المعركة الى خارج ليبيا.، ومسؤوليتها عن المحاولة الجديدة لقتل القذافي. شايلر وكان العميل البريطاني السابق أطلق منذ فترة سلسلة ادعاءات في شأن فساد داخل جهاز "أم. آي. 5" وأشار الى ان الجهاز كان يمكن ان يساعد في تفادي حصول عمليات ارهابية لو استخدم المعلومات التي كانت متوافرة لديه. ويتولى الدفاع عن شايلر أحد المحامين البارزين في بريطانيا، جون ودام، الذي يشرف على جماعة "ليبرتي" المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات. وتوقعت مصادر مطلعة ان يأخذ بت فرنسا في قرار تسليم شايلر الى لندن أشهراً عوضاً عن أسابيع. ولا تزال فرنسا تنتظر قراراً من بريطانيا بتسليمها ناشطاً إسلامياً جزائرياً يدعى رشيد رمدة تتهمه باريس بالتورط في سلسلة التفجيرات التي شهدتها العاصمة الفرنسية في صيف 1995. وينفي رمدة، المعتقل منذ تشرين الثاني نوفمبر 1995، الإتهامات الفرنسية، ويقول انه لن يلقى محاكمة عادلة في فرنسا اذا سُلّم اليها.