في صالة دمشق وخلال معرضه الأخير، يفاجئنا الفنان وضاح السيد بهذا الأرابيسك التعبيري لتشكيلاته الجديدة ومشاهد تلك الأشكال المتداخلة عبر علاقات لونية هي سمة تجربته وانفعالاتها، والزمن الراسخ في عمق لوحة نكتشف فيها حدة التعبير الشعري العالي حيث التكثيف والاختزال والمهارة والتناغم... كل ذلك يؤسس ويدون سِفراً مفتوحاً يقرأ بلغة اللون. وهذا التحويل لوظيفة اللون، الذي أصبح صيغة من صيغ التعبير الأدبي، تأخذ اللوحة من خلاله موقعاً تجاورياً إلى جانب اللغة المقروءة في نصوص شعرية لشعراء سوريين حملت لوحاته عناوينها... مثل "فهرس لأعمال الريح" لأدونيس، و"مونادا دمشق وسهر الورد" لمحمود السيد و"أنوثة الاشارة" لخضر الآغا، و"تأبين البحر ووردة الاصغاء" لغهد فاضل، و"ميثاق الموج" لأسامة إسبر، وغيرهم. وهو بذلك يضيف إلى تجربته السابقة التي تدخل في سياق معرفة اللون وعوالمه المجهولة مستوى فكرياً تضمن اضافة إلى المرجعيات الشعرية آنفة الذكر، مرجعيات أدبية وأسطورية قديمة، حيث الأثر الحسي للغة الشعرية يعيد تشكيل الأثر الفني للون بقوة اسلوبية درامية، يبدو فيها وضاح السيد مخلصاً لخياله الخصب، تجعل تشكيله التصويري يمد جسوراً إلى عالمه الشخصي وتعبيراته في لعبة الظلّ والنور، العتمة والنهار، وتلك التفاصيل الحيوية التي تبدو أكثر جلالاً وعاطفة وقوة بمعالجة مشهدية عميقة الأداء لما هو شعري. بهذه الحماسة يعيد وضاح السيد اكتشاف اللون من خلال تحقيق بعد تشكيلي جديد... وذلك بانقياده نحو تدوين سيرته بحركة ريشة طائرة، وسكين مصقولة على سطح قماشته البيضاء حيث التغاير وشدة الحلم، والسرعة، وإظهار الفراغ الهوائي، والبعد الثالث، وحرارة الانتقال من مادة اللون وتماسكه، إلى خطوط واهية ومتلاشية، وفي بعض الأحيان منكسرة. ففي هذه العلاقة تظهر امكانات التقابل الحذر والملهم والغريب - في الهيئة الجسورة - لريشة تعيد انتاج قصيدة مصنوعة بطين الكلمة. وبين اللوحة المحفورة بالظلال وبين لغة النص الشعري يتجلى ذلك التردد الخادع للتعبير، حيث النص بخطوط أنفاسه يتجاور - وقد يتحد - في صورة ثنائية ملتهبة، مع الحدود الممكنة لاستلهامات اللون. وبامكاننا تذكّر الفنان الفرنسي دولاكروا حين اعتبر أن بين الرسامين ناثرين وشعراء كون الشعر ببنائه وتشكيله اللغوي والايقاعي يقابل ذلك التوازن الخفي والتردد المدرك وهما ينظمان اللقاءات أو تباعد الخطوط واستعادة اللون