لماذا لا يتم استدعاء الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة المقاومة الاسلامية لزيارة الجزائر؟ الشيخ ياسين الذي أطلق سراحه وقام بعدها بزيارات عدة بعضها لغرض العلاج والبعض الآخر لغرض سياسي، ولم يرفض معظم الدعوات الرسمية وغير الرسمية التي وجهت اليه، ولن يرفض، في الغالب، دعوات أخرى. الشيخ ياسين زار بلداناً عربية كبرى مثل مصر والسعودية، وأخرى مثل قطر والامارات. كما زار ايران، ومن المتوقع زيارته لجنوب افريقيا حيث سيلتقي الجالية المسلمة هناك وربما بالزعيم مانديلا. ويبدو ان هذه الدعوات تمت في ظل عاملين مهمين، أولهما تعثر عملية السلام وتعنت اسرائيل. وثانيهما الرؤية المعتدلة والمتفحصة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي والحريصة على وحدة الصف الفلسطيني. التي أبداها الشيخ ياسين بعد خروجه من سجون اسرائيل، والتي فاجأت الكثيرين وربما شملت المفاجأة حتى بعض المناضلين في حركته. زيارات الشيخ ياسين السابقة واللاحقة بدت وستبدو طبيعية في اطار التعامل مع اللاعبين المختلفين في الصراع العربي - الاسرائيلي. ولكن، ماذا لو تمت دعوة الشيخ للجزائر؟ يبدو ان الأمر سيكون مختلفاً بعض الشيء، وستكون للدعوة ولاستجابتها أبعاد كثيرة. من غير الوارد ان تكون الدعوة المفترضة رسمية، وانما الجهة المعنية بالدعوة هي احدى المنظمات الاسلامية الجزائرية، وتحديداً حركة "مجتمع السلم"، الشريك الرئيسي لحزب الرئيس زروال في الائتلاف الحكومي القائم. معروف ان كلاً من هذه الحركة الجزائرية وحركة الشيخ ياسين تقتربان في فلسفتهما لإدارة العمل السياسية والاسلامي عموماً. ثم ان الرؤية المرجحة لدعوة هذه الحركة الجزائرية الشيخ ياسين تقوم على دافع رئيسي ومهم في خطتها الاستراتيجية وهو العمل على تبديد صفة التدجين التي ألصقت بها جراء المواقف التي اتخذتها مع المسارات التي عرفها الصراع الجزائري منذ بدايته العنيفة ثم الدموية مع مطلع التسعينات. كما أنها ستستفيد بإطلاقها لمثل هذه الدعوة وتكون صاحبة مبادرة مهمة ستغير الجو السياسي الجزائري الممل حالياً. وستكون شبيهة، مع الفارق الشاسع طبعاً، بالدعوة التي وجهتها وزارة الثقافة الجزائرية للفنانة العربية ماجدة الرومي، واذا كانت ماجدة كلفت خزينة الدولة مبالغ كبيرة فإن الشيخ ياسين لن يكلفها شيئاً يذكر. ثم معروف ان حركة "مجتمع السلم" تسعى للعب دور في المستوى الديبلوماسي بعدما حققت انجازات في مستوى السياسة الداخلية. ومن ثم فإنها ستضفي على الزيارة المفترضة طابعها السياسي والديبلوماسي وستتجنب الصبغة الشعبوية التي كانت تميز نشاطها في السابق. إلا ان العلاقات الخارجية لحركة الشيخ نحناح صارت معقدة بعض الشيء بعد دخولها العمل السياسي في بداية التسعينات وتركيزها على المشكلة الجزائرية. وصارت النشاطات الخارجية لهذه الحركة تتم عبر القنوات الديبلوماسية والحكومية الرسمية في الغالب. الطرف الأهم في العملية كلها هو نظام الحكم والقائمون على رسم السياسة الخارجية فيه. وأعتقد ان الفكرة ستكون مثيرة لمختلف الدوائر الرسمية الجزائرية. كما انها ستأخذ نقاشاً موسعاً قبل القرار بقبول الزيارة وربما في كيفية التعامل مع الجهة الداعية ايضاً. الكثيرون يعتقدون انه على الرغم من النجاحات الواضحة التي حققها النظام الجزائري في اعادة بناء المؤسسات السياسية، وقدرته على تجنيد قوى المجتمع أو معظمها على الأقل في صف مواجهة الجماعات الارهابية، فإنه من الواضح ايضاً إخفاقه أو عدم بذله جهوداً كافية من أجل تحسين صورته خارجياً والتي طبعتها أدبيات الجماعات الارهابية بالادعاء انه معاد للاسلام. هذا الانطباع يشغل الكثيرين داخل أجهزة الحكم الجزائري. وزيارة الشيخ ياسين للجزائر كفيلة بتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الأسلوب الذي اختاره النظام في تعامله مع ما يسمى بالاسلام السياسي. وسيوضح انه "ليس رافضاً لكل أنواع الاسلام السياسي وانما للفصيل المتطرف فقط". الا انه ينبغي توقع تيار متشدد داخل النظام، سيرفض قبول الزيارة وسيسرد قائمة طويلة جداً من العوامل تحول دون تحقيقها، بدءاً بالمزج بين ظروف الجزائر الداخلية والظروف العربية الأخرى، وانتهاء بالموقف الرسمي المؤيد للمفاوضات التي يجريها الرئيس عرفات مع اسرائيل. على رغم ان الشيخ ياسين زار بلدين عربيين موقعين على معاهدات سلام مع اسرائيل. ثم لا بد من تسجيل نقطة مهمة بعض الشيء، وهي ان الشيخ أحمد ياسين ستثيره مثل هذه الدعوة. وعلى رغم توقع علاقاته الجيدة مع الشيخ نحناح، الا ان بعض المتشددين في حركته سيعملون على إفشال هذا المشروع الجميل، نعني الزيارة، من خلال نوع المعلومات التي سيزودونه بها عن أحداث الجزائر التي كان حبيس السجون الاسرائيلية أثناءها. كما ان الشيخ ياسين بتبصره الذي أبداه في مناسبات عدة سيتجنب الحديث عن ظروف الجزائر المعقدة، ولن يتطرق سوى للحديث عن الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي وطلب مواصلة الدعم من الجزائر، حكومة وشعباً، للشعب الفلسطيني. وهو ما سيزيد من مكانة الشيخ السياسة داخل الوطن العربي كله. لو كنت مستشاراً للشيخ نحناح، لاقترحت عليه القيام بإطلاق مثل هذه المبادرة، خصوصاً ان الظروف الحالية مواتية، وهي - أي الزيارة - ان تمت ستكون مفيدة لكل الأطراف، وستعزل الأصوات المتطرفة.