لم يمر انتقال التنظيم الإخواني الأهم في الجزائر "حركة مجتمع السلم" (حمس) من المشاركة في الحكم إلى معارضة السلطة دون أن يحدث خلخلة داخل بيت الشيخ محفوظ نحناح، الأب الروحي لإخوان الجزائر، صارت آثارها واضحة للعيان اليوم في أوّج الحراك السياسي، لعل آخرها التحاق قياديان اثنان من (حمس) أبو جرة سلطاني وعبدالرحمن سعيدي بمشاورات جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس) التي قاطعتها الحركة وقالت على لسان رئيسها الحالي عبدالرزاق مقري أنها لم تضف شيئا لما اقترحته المعارضة مجتمعة في ندوة مزفران 10 يونيو الماضي. الدكتور محمد بوضياف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المسيلة، وصاحب كتاب "الأحزاب السياسية في الجزائر" الصادر في 2010، حذر من مواجهة تنظيم الاخوان الجزائري أزمة وجود جراء التناقض الجاري بين اركانه ودعا في حوار مع "الرياض " الى ضرورة العودة الى الخط التأسيسي للحركة وفيما يلي نص الحوار: * حالة شد وجذب تشهدها هيئة أركان الحزب الإخواني الأهم في البلاد (حمس) على ماذا يؤشر ذلك؟ - لقد استطاع الشيخ محفوظ نحناح رحمة الله عليه تأسيس حركة وطنية واعية شاركت بكل جدية وحماس في حماية الدولة الجزائرية دون منّ أو أذى، وكرست خطا سياسيا معتدلا تماهى مع طموحات الكثير من ابناء الوطن، ويعترف بذلك الخصوم قبل الاصدقاء. وترك عند وفاته ميراثا، عجز عن تسييره والمحافظة عليه من كان يرافقه لاسباب يتداخل فيها الفكري والتنظيمي، السياسي والنفسي، وزادها تعقيدا، طبيعة النظام السياسي الجزائري ومتطلبات تعاطيه مع القوى الاجتماعية الفاعلة، وكذلك شروط الاخوان المسلمين في الاعتراف بعضوية من يمثلهم في بلد المليون ونصف المليون من الشهداء. هذه المعطيات وصرامتها فجرت بيت الشيخ، وتفرق الجمع، كل فرح بقسمته، وبحسب ما اعلم ويشاركني في ذلك الكثير من المتتبعين، فان (حمس) اليوم لا تمثل الاخوان، كتنظيم، في الجزائر وان كانت لا تزال تتحرك وفقا لفكرهم واعرافهم. * ما علاقة هذا الجدل بالخط التأسيسي للحركة؟ - لقد بنى الشيخ خط المشاركة على أسس ومبادئ لاتزال الى اليوم قائمة، فالاعتراف بموازين القوة، وإدارة الصراع من خلال المشاركة، والمساهمة في ترقية منظومة الحكم كأحد واجبات المرحلة، والبعد عن فكر التفرد بالسلطة وضرورة اشراك الجميع، كلها منهج سياسي أصيل عند الشيخ رحمة الله عليه. والعزوف عن هذا المذهب، هو في تقديري عجز عن المزاوجة بين متطلبات المدرسة (مدرسة الاخوان) ونهج الشيخ الوطني الاسلامي الجامع والذي يتميز بمرونة ومقاصدية عالية، اظن انها لم تستوعب من رفقائه، سواء لاسباب نفسية او تتعلق بالاستشعار والحس القيادي، او بسبب الانتقام السياسي، اذ حرمت حمس من الوصول الى الحكومة رغم كل الاستثمار الذي مارسته السلطة، والذي مهد لبروز خط ناقم، رأى ان الحركة يمكنها ان تراهن على شعبيتها بعيدا عن السلطة، فانبت حوارا وجدلا جديدا قد يمس وحدتها من جديد. * تحوّل (حمس) إلى المعارضة لم يخدمها بالشكل الذي كانت تطمع فيه، وظلت مشاركتها الماضية في الحكم تفسد عليها مهمة إقناع الشارع بقطيعتها مع السلطة. هل يضعف هذا حظوظ نجاح مساعيها في قيادة المعارضة؟ - المؤسسات ليست كيانات عاقلة ورشيدة، كما دأبت عليه كتابات المثاليين والعقلانيين، بل هي في العادة تخضع لمنطق من يقودها، والدكتور عبدالرزاق مقري، رئيس الحركة، رجل شديد ومندفع، وهو صعب المراس، وقد عرف عليه في زمن الشيخ ان له مواقف راديكالية، تبتعد بعض الشيء عن مراوغات الشيخ نحناح، والتوجه عكس التيار هو إضعاف لحمس من الداخل؛ فكثير من اطاراتها لايزال يتشبث بخط المشاركة، رغم ما جناه عليهم سياسيا (الانتفاع بالسلطة والبحث عن الامتيازات)، وقد كان من الممكن معالجة الامر (الانحرافات المزعومة) وترشيده، عوض التنصل من منظومة قائمة، والتوجه الى "العراء"، فالتنسيقية بقيادة الدكتور عبدالرزاق هو مراهنة على الرصيد الشعبي الذي لايزال يتوفر للحركة، اذ ان الحلفاء (داخل التنسيقية) لا يملكون أي مقدرات، ومن ثم صعوبة جرّ المجتمع واقناعه بالسير وراءها، ومواجهة تكتلات سياسية عريقة ولها من الخبرة والامكانيات، خاصة في ظروف اقليمية ودولية كالتي نعيشها. * مشاركة قيادات من الحركة في المشاورات السياسية التي أطلقتها السلطة و تلك التي يقودها اقدم حزب معارض في الجزائر "جبهة القوى الاشتراكية" حاليا لحمل المعارضة على الجلوس إلى السلطة، وهي المشاروات التي قاطعها الحزب الإخواني، تشير أن الخط التأسيسي للحركة لم يعد يقنع جميع أبنائها؟ - السيد أبو جرة سلطاني رئيس (حمس) السابق، وعبدالرحمن سعيدي رئيس مجلس شوراها السابق، قادا الحركة بعد رحيل الشيح نحناح، وهذا في حد ذاته تحد، ولهما من الخبرة والعلاقات والقوة، ما يؤثران به على مجريات الامور، وكان على من يكيل لهما الاتهامات بخصوص استجابتهما لدعوة (الافافاس) ان يعرف لهما مقامهما ويشركهما في صناعة القرار ويقربهما ويغلق المنافذ، لا العكس. ان قيادة تنظيم بحجم حمس يحتاج الى ثقافة تنظيمية عالية، وبناء نفسي يتجاوز كل خلاف، واعتراف بفضل الرجال (مهما كان التقييم)، والا فان الامر سيؤول الى ما هو عليه. لقد حاول الاستاذ ابوجرة ان يستغل زمن الربيع العربي، ويعلن تمرده على السلطة ظنا منه ان احجار الدومينو ستصل الى ارض الجزائر، فتسرع وقطع الصلة، وربما انتفخ بعض الوقت فأسس لخط معارض هو يعاقب به اليوم، وتستدعيه متطلبات الصراع داخل الحركة ان يعيد ضبط عقارب الساعة اتجاه السلطة و(الافافاس) هو المدخل. * خروج قيادات عن قرارات الحركة، هل هو مؤشر على ترجيح خيار الحوار (المشاركة) التي ظل يؤمن بها مؤسسها الراحل نحناح، في ظل أنباء تفيد أن أنصار هذا الخيار صاروا كثيرين على اعتبار أن "المعارضة" التي يتبناها مقري لم تعد تخدم الحركة المعروف عنها وسطيتها؟ - لقد استنفذت قيادت (حمس) كل رصيد، من خلال صراعها الداخلي على القيادة، وابتعدوا عن كل قيمة فكرية، وتنظيمية، وسياسية، وزاد رفع تنظيم الاخوان عنهم الغطاء من تيههم، فبوصلة (حمس) اليوم شتات وبدون افق في ظل توجه يبدو ثابتا للقوى السياسية نحو "المبادرة الوساطة" للافافاس، ولا أبوجرة سلطاني يمكنه اقناع السلطة بقيادة مناضلي حمس، وهنا تتحمل قيادة المؤتمر الرابع كامل المسؤولية في الزج بالحركة في هذا المنعطف، ولا استبعد مؤتمرا استثنائيا يعالج هذا الارتباك.