عقد في مدينة حائلشمال السعودية الاجتماع الرابع عشر للأندية الأدبية السعوديةعددها 12 نادياً. والإعلان عن اجتماع سنوي للاندية الادبية يطلق غالبا موجة من الانتقادات والتعليقات اللاذعة في الصحف السعودية . تبدأ الاسئلة من جديد عن دور مفيد لا تقوم به الاندية تجاه الادب في السعودية. وعن اتجاهات مختلفة ومتباينة أحياناً تسلكها الأندية منفردة باعتبارها سياسة مدروسة تتبعها لتحقيق الاهداف والغايات التي من اجلها انشئت وشيدت لها المباني الضخمة ورصدت لها الاموال الكبيرة. ومن يتابع اصدارات الأندية الأدبية يجدها تصدر عن جزر معزولة بعضها عن بعض. ومن هنا يتساءل الاديب السعودي عن جدوى عقد هذه الاجتماعات في ظل عدم التناغم المزمن بين نشاطاتها. فإذا لم تثمر الاجتماعات وقد زادت على الثلاثة عشر عن وجود ارضية ثقافية مشتركة تلتقي عليها الاندية فما تراها تكون قيمتها؟ هناك اندية تتبنى أدباً قديما في اسلوبه ونهجه وان كان كاتبه في مقتبل العمر. وفي المقابل تنتهج اندية اخرى خطاً منفتحاً على المعاصرة والحداثة، وتختلف مع الأولى في تفسيرها لمفهوم الحفاظ على اللغة والتراث . ومن كثرة ما كتب عن جمود الاندية الادبية في الصحف والمطبوعات السعودية لم يبق احتمال أو سبب لم ويناقش. ومن أكثرها انطباقاً على واقع الحال، الرأي القائل أن النادي الأدبي مؤسسة على رغم كل إمكاناتها وانتماء عدد كبير متنوع من الأدباء إليها، إلا أنها ليست سوى الوجه الآخر لشخصية رئيسها الذي إذا شاء حولها إلى خلية تزخر بالعمل والابداع والتواصل مع الأدباء والمجتمع. وإذا شاء جعلها مكاناً مهجوراً خالياً من الإنس ماعدا بعض الموظفين والاداريين الذين لا يعلمون عن دور النادي الأدبي المفترض أي شيء وريما لا يريدون أن يعلموا. يؤكد ذلك قاعدة ان المدن الكبرى هي تحتضن بالضرورة اندية ادبية لها تأثير ايجابي في حركة الأدب لا تصح في السعودية. فنادٍ كنادي أبهاجنوب السعودية الأدبي أثر في الحركة الأدبية لكونه المنبر الأدبي الأول الذي انطلق من منبره الشعر الحديث في منتصف الثمانينات. بينما نادي العاصمة الرياض لا يقارن أثره في التجديد بنادي مدينة نائية في جنوب شرق السعودية هي مدينة جيزان التي أصدر ناديها عدداً لا يحصى من الدواوين والقصص الحديثة لشعراء وكتاب من مختلف مناطق السعودية ومدنها. ونادي ابها نفسه بعد ان نال صيتاً أدبياً عاد في فترة متأخرة قبل عامين تحديداً الى التنصل من سياسته السابقة، وقيل انه قام بإتلاف مجموعات شعرية كان قد أصدرها قبل سنوات. أمام هذا الركام من الانتقادات الجاهزة للأندية الادبية، وخشية من ان يثيرها كما هو متوقع الاجتماع الرابع عشر في حائل، عمد النادي المضيف الى إحاطة الاجتماع بمهرجان ثقافي، فجعل الشعار الذي يعقد تحته اللقاء "نحو مهرجان ثقافي شامل" في عمل هو الأول في تاريخ اجتماعات الاندية الادبية. وافتتح الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل فعاليات المهرجان، ثم أعقبه في الكلام المدير العام للأندية الأدبية السعودية عبدالله الشهيل ورئيس النادي الأدبي في حائل رشيد العمرو. والتقى الأمير مقرن رؤساء الأندية والأدباء المدعوين، وانتهز عدد منهم الفرصة لإقحام الأمير مقرن في قضايا الأدب واختلاف تياراته، وتباروا في استعراض ثقافتهم وقدراتهم أمامه، بينهم من ألقى باللوم على كتاب الأدب الحديث لأنهم تسببوا بأدبهم الغامض في انصراف الجمهور عن الأدب الفصيح الى الشعر الشعبيالعامي، ودافع البعض عن الشعر النبطي، فيما حاول البعض الآخر التوفيق بين الرأيين على أساس أن الشعر النبطي عربي في ألفاظه ومفرداته، لكنه غير معرب. وحضرت سيرة الشاعر أدونيس أيضاً في معرض الاتهامات، ودافع أحد رؤساء الأندية عن بدايات أدونيس الأصيلة وعن إلمامه بالتراث واللغة قبل أن ينحرف فيما بعد. كل هذا والأمير مقرن يستمع بلطف ولباقة الى هذه الأحاديث التي حلّت في غير وقتها، وحاول افهام الأدباء أن هذه الآراء هي وجهات نظر متنوعة يحترمها، وقد يختلف أو يتفق معها ، لكنها في المقام الأول قضايا أدبية تخصهم هم، وهو إذا كان يحب سماع الشعر النبطي الذي لايحتاج لفهمه الى إحضار قاموس لغوي، فإنه يحفظ أشعاراً للمتنبي وغيره. وأمام مثل هذا الموقف الذي يتكرر، نجد أسلوباً عجيباً يمارسه الأدباء في السعودية. فالمسؤول السعودي ينأي بنفسه عن الدخول كطرف في القضايا الخلافية الأدبية، قاصراً دوره على دعم الحركة والمؤسسات والأنشطة الأدبية على مؤازرتها، فيما الأدباء أنفسهم يسعون في اللقاءات العابرة الى ترجيح مواقفهم برأي هذا المسؤول أو ذاك لتكون أراؤهم مطلقة قاطعة لا تسمح بوجود غيرها مما يختلف معها. وكانت مداخلة الامير مقرن في الندوة الثانية "اللغة العربية الموحدة 00 والمؤثرات" التي شارك فيها محمد الحارثي وعبدالمحسن القحطاني وموسى العبيدان، وأدارها نائب رئيس نادي حائل الأدبي عبدالرحمن الفريح، مصيبة ومهمة، اذ لحظ أن المشاركين في الندوات لايعطون الوقت الكافي من قبل المنظمين لتوضيح أفكارهم بصورة كاملة، وأشار الى أن المدة المحددة للفعاليات الثقافيةثلاثة أيام غير كافية أيضاً. ورأى ان موضوع الندوة، لايدخل ضمن اهتمامات الحضور، وليس هذا مكان مناقشة، فندوة كهذه تعني المتخصصين في اللغة وحدهم، وعادة ماتعقد في أروقة الجامعات بين حلقات الأكاديميين. وتساءل الأمير مقرن عن الفائدة التي يجنيها المواطن العادي الذي حضر وصبر من كلام في اللغة وعن اللغة، فإذا كان هدف المهرجان الذي أعلنه المسوولون في نادي حائل الأدبي هو تعزيز التلاحم بين الأندية الأدبية والمجتمع، وتوضيح الدور المهم لها في عملية التنمية الاجتماعية من خلال بعديها الثقافي والمعرفي ، فكيف يتحقق بمثل هذه الندوة التي تحتاج الى أن تطبع وتوزع على الجمهور المتخصص مسبقاً كي يتسنى التفاعل معها؟! أما "العولمة" وشجونها فقد تسللت الى اللجنة التي نظمت فعاليات المهرجان، وخصصت لها ندوة عنوانها "اشكالية الهوية الثقافية في عصر العولمة"، اشترك فيها عزت خطاب وحسن الهويمل وعثمان العامر. ولم يكن في الأمر صعوبة تذكر، إذ "الهوية الثقافية" منذ قرن تتخبط في أدغال "الإشكالية!"، وهذه الأخيرة صالحة لأن تكون ناشئة عن المعاصرة أو الحضارة الغربية، أو الحداثة أو الغزو الثقافي أو العولمة. والآراء في كيفية إنقاذ الهوية من براثن الإشكالية أياً كان مصدرها، لا تتجاوز الثلاثة، فإما الرفض المطلق للعولمة أو القبول المطلق بها أو التوفيق بين الموقفين النقيضين، وعادة تكون هذه الإشكالية مجالاً خصباً ليمرر كل طرف سهامه الشخصية ضد خصومه المحليين. واقترح عزت خطاب تعريف الآخرين من خلال الترجمة والتعامل معهم من موقع الندية. وإقترح عثمان العامر الحوار والتثاقف مع الآخر، وأن يكون المعيار في التعامل مع العولمة هو الاجتهاد للوصول الى الحق. وضمن الفعاليات أقيمت أمسية شعرية أحياها الشاعران عياد الثبيتي وإبراهيم الوزان وأدارها الشاعر محمد الخطراوي، لاقت استحساناً لولا أن جمهور الحاضرين أنهكته المحاضرة التي سبقت الأمسية، نظراً الى الزمن الذي أهدر في الإستماع اليها مع أنها خلت من العنوان الذي كان من المقرر ان تتمحور حوله "لقاء ثقافي" ويبدو أنها نظمت مجاملة لأحد رجال التعليم في منطقة حائل وهو عبدالله البكر، الذي تحدث في كل شيء تقريباً من التاريخ الى الأدب الى التربية. وشوهد رؤساء الأندية ومديرهم العام يخرجون مراراً من القاعة ويعودون. وأقام نادي حائل الأدبي معرضاً تشكيلياً للفنانين السعوديين ومعرضاً للحاسب الآلي ، ولقيت هذه المبادرة من النادي استحسان الفنانين المشاركين الذين كانوا في السابق خارج انشطة الأندية الأدبية وإهتماماتها. كما نظمت ندوة نسائية بعنوان "شخصية المرأة المسلمة في القرن الحادي والعشرين" شاركت فيها رقية المحارب وفادية داود وأدارتها حسناء المصري. أما الاجتماع الرابع عشر لرؤساء الأندية الأدبية خمس جلسات فيمكن القول أنه يشكل نقلة نوعية من ناحية المحاور التي نوقشت فيه والتوصيات التي صدرت عنه، مقارنة بما نوقش في الاجتماع الذي عقد في تبوك العام الفائت، وكانت تناقش فيه على سبيل المثال قضية إقامة الأندية الأدبية أكشاكاً صغيرة عند مداخل مقراتها لبيع اصداراتها وكتبها. دعا النادي المضيف الأندية الأخرى الى الأخذ بفكرة جعل الإجتماعات السنوية مهرجاناً ثقافياً شاملاً، كما جرى في هذا الإجتماع. ودعا الى صوغ آلية لتنفيذ المقترحات والتوصيات التي يُتوصل اليها في الاجتماعات السنوية، حتى لا تبقى في أوراق محاضر الاجتماعات. ودعا كذلك الى ايجاد مرجعية عامة للثقافة في السعودية كوزارة تنضوي تحتها كل القطاعات والمؤسسات الثقافية، اذ أن إدارة الآثار تتبع وزارة المعارف، ولجنة الكتب تتبع وزارة التعليم العالي، والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون تتبع الرئاسة العامة لرعاية الشباب. وفي هذا الصدد أوصى المجتمعون باستمرار الاجتماعات السنوية كما هي عليه، مع تكثيف الفعاليات الثقافية المصاحبة لها، وإعطاء النادي المضيف صلاحية اختيار شكل الفعاليات ومضمونها وفق رؤيته. وأوصوا بالبحث في تأسيس جهاز يختص بالثقافة برئاسة الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب أو من ينيبه. وإذا ما أخذ بهذه التوصية فإن هذا الجهاز سيكون نواة لوزارة الثقافة في السعودية. واقترح نادي جدة الأدبي إقامة أسبوع ثقافي سنوي للأندية الأدبية خارج المملكة ، ولقي الإقتراح قبولا ً من المجتمعين إذ أوصوا بإقامة هذا الأسبوع الثقافي تاركين للنادي المقترح تقديم الصيغة الكاملة لتحقيق الفكرة، والتمسوا من الرئاسة العامة لرعاية الشباب دعم الفكرة وتمويلها. كذلك أوصوا بأن توضع الأندية الأدبية في الإعتبار حين تنفيذ المهرجانات الدولية والأسابيع الثقافية في الخارج. وتقدمت الرئاسة العامة لرعاية الشباب ونادي الرياض الأدبي ونادي الشرقية الأدبي باقتراح إنشاء مؤسسة ودار نشر ومطبعة خاصة بإصدارات الأندية الأدبية وتمت التوصية بقبول الإقتراح. ولمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية اقترحت الرئاسة العامة لرعاية الشباب ونادي جدة الأدبي اصدار كتاب تشترك في إعداده وتمويله جميع الأندية الأدبية السعودية عن "مسارها الثقافي وإنجازاتها العلمية والأدبية"، وتمت الموافقة عليه في الاجتماع، وأوصى المجتمعون بالأخذ بالورقة المقدمة من نادي القصيم الأدبي حول المهرجان المئوي وفق الآلية التي يراها كل نادٍ في منطقته. هذه المقترحات التي اتخذها رؤساء الأندية الأدبية محاور لجلساتهم، وماخرجوا به من توصيات بشأنها جديرة بالاهتمام والتشجيع والتنفيذ. وهذا لا يحول من القول بأنها أهملت قضايا أدبية أخرى طالب بها الكتاب والأدباء بإستمرار، ومنها قضية نشر الكتاب السعوديين كتبهم في الخارج، وامتناع بعض الأندية الأدبية التي تطبع مؤلفات الكتاب السعوديين عن توزيعها. فنادي جدة الأدبي مثلاً طبع العام الفائت كتباً عدة، ثم أرسلها الى كتابها الذين وجدوا أنفسهم في ورطة كبيرة لا يستطيعون الخروج منها، إذ إمتلأت غرفهم بأكداس النسخ، وتفرقت بهم السبل بين شركات التوزيع والنشر، وفوق هذا كله قال عبدالفتاح أبومدين رئيس النادي في الصحف أن هذه الكتبأم ريالين لاتربح النادي ولاتهمه، وأنها تطبع فقط من قبيل الشفقة على كتابها المساكين. ومن هؤلاء جار الله الحميد وفهد العتيق وجاسر الجاسر. يناقش الاجتماع مشاركة المرأة الأديبة في الأندية الأدبية برغم المطالبات التي لم تنقطع من الكاتبات السعوديات بضرورة اشراكهن في الأنشطة الأدبية في الأندية