الخطر يهدد جميع جوانب الحياة العصرية في العالم، من الأسواق المالية وحركة الطيران وسير القطارات ومصاعد البنايات وخدمات الكهرباء والماء والهاتف العامة وحتى جداول مرتبات الموظفين وسجلات النفوس العامة. كل ما يعمل بالكومبيوتر حالياً مهدد بالتوقف والارتباك بسبب عدم قدرة جميع الأجهزة تقريباً على التعرف على عام 2000. بعض المشاكل بدأ منذ الآن حين رفض بعض أنظمة الكومبيوتر التعامل مع عقود يحل تنفيذها بعد عام 2000، ولم تقبل أنظمة اخرى بطاقات دفع يمتد أجلها الى القرن المقبل. وتتوقع الادارة المالية الأميركية أن يكلف اصلاح تقاويم أنظمة الكومبيوتر الاقتصاد العالمي 300 بليون دولار على الأقل. وذكرت مسؤولة في وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي أي" أن مهندسي ومحللي المعلومات في دائرتها يركزون حالياً على جمع وتحليل المعلومات الخاصة بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يتوقع أن تندلع بسبب عطل الخدمات الأساسية في بلدان كثيرة. وأشارت المسؤولة الأميركية الى عدم وعي المسؤولين في بلدان عدة بالمشكلة واعتقاد بعضهم أن بلدانهم لن تتعرض للخطر لأنها تتبع تقويماً مختلفاً، وذكرت أن شخصاً قريب الصلة بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط قال لها أنه سيستخدم مبيدات الحشرات حال ظهور المشكلة، التي يطلق عليها مجازاً اسم "بق 2000"! ونصحت وكالة التجسس موظفيها بالاحتفاظ بقدر معين من النقود تحت اليد لمواجهة احتمالات عطل أنظمة الدفع المصرفية ووضع كمية احتياطية من البطانيات في المنازل استعداداً لخطر توقف شبكات التدفئة والطاقة عشية رأس السنة عام 2000. مشكلة العام 2000 وتعود المشكلة الى اختصار المهندسين الذين طوروا الكومبيوتر في الستينات نظام التواريخ في الأجهزة. فالايجاز والاختصار الذي يمثل أساس تصميم عمل الكومبيوتر دفع المهندسين الى استخدام نظام يكتفي بذكر العددين الأخيرين من تاريخ كل عام. بدلاً من عام 1966 مثلاً يكتفي الكومبيوتر بذكر عددي 66 الذي يفترض أن يتضمن تاريخ السنة الكامل. ولم يخطر في البال آنذاك أن أجهزة الكومبيوتر لن تستطيع التعرف على تاريخ اليوم الأول من القرن المقبل 2000، وأن شرائح وبرامج الكومبيوتر لن تدرك أن عام 2000 ينبغي أن يعقب عام 1999، وستفترض أنه اليوم الأول من عام 1900. هذا السهو البسيط الموجود في جميع أجهزة الكومبيوتر تقريباً سيكلف الاقتصاد العالمي ما لا يقل عن 300 بليون دولار، ويقلل النمو الاقتصادي في السنتين المقبلتين. أكد ذلك حاكم المجلس الفيدرالي لادارة الاحتياطيات في الولاياتالمتحدة. وقال إدوارد كيلي في شهادة أمام لجنة خاصة في مجلس الشيوخ الأميركي أن مشكلة العام 2000 ستقلل انتاجية العمل في الولاياتالمتحدة وجميع البلدان الاخرى. ويعتقد كيلي أن كلفة اصلاح ما يسمى "بق 2000" ستواصل الارتفاع، ويتوقع أن تكلف الأعمال الأميركية 50 بليون دولار، اضافة الى نحو 5 بلايين دولار ستتكلفها الادارات الحكومية في الولاياتالمتحدة وحدها. خطر الركود الاقتصادي ويتوقع أن يمتد تأثير مشكلة العام 2000 الى الأسواق المالية العالمية حيث تلعب أجهزة الكومبيوتر دوراً أساسياً في العمل. واستبعد رئيس سوق بورصة نيويورك ريتشارد غراسو في شهادته أمام مجلس الشيوخ أن تفلح أسواق الأسهم في الولاياتالمتحدة في حل المشكلة في وقت مبكر من العام المقبل، وعبر عن شكوكه في استعداد أسواق البلدان الاخرى لاصلاح أنظمة الكومبيوتر قبل حلول عام 2000. وذكر غراسو أن ذلك سيؤثر على عمل الأسواق المالية العالمية التي تتصل فيما بينها بسرعة الليزر، وقال: "ينبغي أن نكون متأكدين من أن كل شخص في هذه الآلية المتصلة قد استعد للمشكلة". ويعتقد كثير من الاقتصاديين والمحللين الصناعيين بأن الأعمال في الولاياتالمتحدة والبلدان الاخرى تتحرك ببطء لحل المشكلة التي يتوقع أن تؤدي الى ركود اقتصادي مماثل لما حدث في مطلع القرن الحالي. ويعتقد إدوارد يارديني، كبير الاقتصاديين في المؤسسة المالية "دويتشه مورغان غرينفيل" في نيويورك أن ارتباك تدفق المعلومات يمكن أن يؤدي الى نتائج كارثية مماثلة لارتباك تدفق النفط في السبعينات. وذكر يارديني أن هناك احتمالات قوية لبدء فترة ركود اقتصادي في عام 2000 بسبب مشكلة التواريخ في أجهزة الكومبيوتر. ويواجه كثير من الشركات الكبرى صعوبات كأداء في محاولتها حل المشكلة. "بنك أميركا" على سبيل المثال ينبغي أن يصلح 2500 نظام كومبيوتري، وقد تفرغ لذلك 1000 موظف في البنك، اضافة الى مئات المقاولين من خارجه. ويتوقع رئيس "بنك أميركا" أن يكلف الاصلاح البنك نحو 380 مليون دولار. نفقات مماثلة ستتحملها الشركات الكبرى الاخرى حيث يتوقع المحللون الماليون أن تنفق أكبر 500 شركة أميركية 11 بليون دولار لحل مشكلة اصلاح أنظمة التواريخ في أجهزة الكومبيوتر. وتتوقع الادارة المالية الأميركية أن يبلغ انفاق الأسواق المالية الأميركية لحل المشكلة نحو 6 بلايين دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. رزق المبرمجين وفي بريطانيا تتوقع شركة الاتصالات "بريتيش تيليكوم" أن تنفق نحو 450 مليون دولار لاعادة كتابة نحو 300 مليون سطر في الشيفرة التي تتحكم بأنظمة التواريخ في أجهزة الكومبيوتر. ويقدر المحللون الاقتصاديون أن تنفق بريطانيا نحو 15 بليون دولار في حل مشكلة العام 2000. ولا يذهب المبلغ كله نحو سد نفقات الاصلاح المباشرة بل لنشر التوعية العامة وتنظيم حملات الجرد واختبار الأنظمة الجديدة. وقد يكلف تغيير السطر الواحد من شيفرة البرامج نحو دولار ونصف. وقد تعتمد شركة متوسطة الحجم على نحو 15 نظام كومبيوتر و6 آلاف برنامج لاستخداماتها المختلفة من قوائم المرتبات وحتى بريد الشركة. يعني ذلك ضرورة مراجعة واصلاح نحو 12 مليون سطر شيفرة قبل حلول العام 2000، يحتاج هذا الى عمل 50 مبرمجاً ويتوقع أن يكلف الشركة نحو 15 مليون دولار. ويحتمل أن تتجاوز الكلفة ذلك بسبب الاقبال الكبير على عمل المبرمجين وزيادة الطلب على العرض في سوق صناعة المعلومات. وذكرت صحيفة "غارديان" البريطانية أن شحة اليد العاملة الماهرة في صناعة المعلومات أدى الى رفع اجور الاستشاريين والفنيين العاملين في مجال حل مشكلة العام 2000 ثلاث وأربع مرات خلال السنة الأخيرة. وحذرت شيري بيرنز المسؤولة في وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي أي" من "أن البلدان التي تواجه توترات سياسية ستتعرض أكثر الجميع لخطر شلل شبكات الكهرباء العامة والاتصالات والبنوك". وقالت بيرنز التي تتولى القسم الخاص بمشكلة عام 2000 في الوكالة التجسسية أن مهندسي الوكالة ومحللي المعلومات فيها يركزون حالياً على ما وراء المشاكل التقنية الخاصة باعادة برمجة أجهزة الكومبيوتر. وذكرت أن الاهتمام ينصب على جمع وتحليل المعلومات الخاصة بالتهيؤ للاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يمكن أن تندلع بسبب عطل الخدمات الأساسية في بعض المجتمعات. وتعتقد وكالة التجسس الأميركية أن أكبر خطر يهدد الذين لا يدركون حجم الدور الذي تلعبه أجهزة الكومبيوتر في الخدمات الأساسية وتوفير السلع والأسواق حتى في البلدان الأقل نمواً. وقالت شيري بيرنز في حديث الى وكالة أنباء "رويرترز" أن الوعي قليل جداً حتى بين قادة الصناعة بالعطل الذي سيصيب الخدمات الأساسية عند توقف بعض أجهزة الكومبيوتر أو ارتباكها. وتشير معلومات "سي آى أي" الى أن معظم الناس يعتقدون بأن الامور ستسير سيرها المعتاد. لكن الواقع المقبل يخالف ذلك تماماً، وفق تقدير بيرنز التي تعتقد أن حكومات عدة ليست مهيأة للظروف القاسية التي قد تواجهها. "بق 2000" وذكرت مسؤولة "سي آى أي" أن المعلومات التي بدأت الوكالة في جمعها العام الماضي ليست مشجعة. وقالت أن شخصاً من منطقة الشرق الأوسط على صلة بالوكالة يعتقد أن بلاده التي تستخدم التقويم الهجري لن تتعرض لخطر مشكلة العام 2000. ويعتقد شخص آخر من المنطقة أن لا داعي للقلق من المشكلة، التي يُطلق عليها اسم "بق 2000"، وقال للوكالة أنهم سيرشّونها بمبيدات الحشرات حال ظهورها! ولا تقتصر مخاطر مشكلة العام 2000 على البلدان النامية فحسب، بل تشمل حتى البلدان الغربية المتقدمة. وذكرت شيري بيرنز أن كنداوبريطانيا واستراليا متأخرة عن الولاياتالمتحدة في اصلاح أجهزتها بنحو 6 شهور، فيما تتأخر البلدان الاسكندنافية فترة 9 شهور على الأقل. وتستبعد "سي آي أي" أن تفلح أوروبا في اعادة برمجة أجهزة الكومبيوتر في الوقت نفسه الذي سيبدأ العمل بعملة "يورو" الأوروبية الجديدة. وبالنسبة لليابان والصين ومعظم بلدان المحيط الهادي فان التأخر يبلغ نحو سنة، فيما تتأخرعن ذلك كثيرا بلدان أميركا اللاتينية. وقد قامت وكالة "سي آي أي" كجزء من استعداداتها لمواجهة مشكلة العام 2000 بتوعية موظفيها حول ما ينبغي عمله شخصياً لتجنب الآثار الشخصية المحتملة. ونُصح الموظفون بدفع فاتوراتهم الشخصية في وقت مبكر من الشهر الأخير لعام 1999 لتجنب التأخر المحتمل في عمل أنظمة الحسابات. ونبهتهم الى الاحتفاظ بقدر كاف من النقود تحت اليد لمواجهة احتمالات عطل آلات الدفع المصرفية واعداد كمية اضافية من البطانيات لمواجهة مخاطر عطل خدمات التدفئة والطاقة الكهربائية عشية رأس السنة 2000. يمكن مراجعة نص حديث مسؤولة "سي آي أي" على الموقع التالي في الشبكة: http://www.cnn.com/TECH/computing/9805/05/cia-2000.reut/ ويمكن الاطلاع على الآثار المالية المتوقعة من مشكلة عام 2000 على الموقع التالي في الشبكة: http://www.yardeni.com/y2kbook.html